طارق الشناوي يكتب: على طريقة محمد عبدالوهاب!!

الفجر الفني

بوابة الفجر



تحرص المهرجانات فى العادة عندما تختار لجان التحكيم على أن توازن بين الجنسيات، مثلما وبقدر المستطاع، يتم التنوع الجغرافى فى اختيار الأفلام، أحيانا تتنازل بهامش محسوب بدقة عن المستوى الفنى المطلوب، من أجل السماح بمشاركة دولة لم يكن لها تواجد من قبل على خريطة المهرجان، أو ربما للتعبير عن تأييدها لموقف سياسى، مثلما حدث مثلا فى أعقاب ثورات الربيع العربى، حيث كانت المهرجانات الكبرى مثل (كان) و(فينسيا) و(برلين) تضع على خريطتها أفلاما تؤيد من خلالها الربيع المشرق، طبعا قبل إحالته إلى خريف حزين.

هناك تنويعات متعددة تقع فى هذا الإطار، إلا أن القاعدة المستقرة أن الهامش لا يمكن أن يصبح هو المتن. فى كل المهرجانات تقريبا يتكرر أيضا مبدأ التنوع فى اختيار الأعضاء، حتى لا يبدو الأمر يحمل شبهة انحياز لبلد ما، سواء الذى يقام على أرضه المهرجان، أو بلد آخر حظى بنصيب وافر من أعضاء اللجان.

هناك اتهام مسبق يطول كل من يشارك فى التحكيم بأنه سيمنح صوته إلى الفيلم الذى يمثل بلده، وعندما يحدث العكس نجد أن الاتهام قد صار عكسيا، فينزعون عنه بمجرد عودته إلى وطنه الوطنية.

أتذكر فى أحد مهرجانات (دمشق) السينمائى، نُسب إلى رئيس لجنة التحكيم، دريد لحام، قوله: (على جثتى أن تحصل مصر على جائزة، سوريا أولى)، والحقيقة أن هذا التعبير لم يصدر أبدا عن الفنان السورى الكبير، صحيح أنا حاليا أختلف سياسيا مع دريد بسبب تأييده المطلق لبشار الأسد، إلا أنه أبعد ما يكون عن تلك الممارسات الفجة.

فى عالمنا العربى ينتظر دائما جمهور البلد المضيف أن يحصل الفيلم الذى يمثلهم على جائزة، وتمارس أحيانا ضغوط من إدارة المهرجان للوصول إلى هذه النتيجة، التى تصالح عادة مشاعر الناس عندما يستمعون إلى اسم بلدهم فى حفل الختام متوجا بجائزة.

فرنسا مثلا نادرا ما تحصل على جوائز فى مهرجان (كان)، بل كثيرا ما تتعرض السينما الفرنسية للسخرية، ويلاحقها الاتهام بالملل والبعد عن الحس الجماهيرى، إلا أن الجمهور الفرنسى ناضج بما فيه الكفاية ولا يطالب أبدا بجائزة لبلده.

لا يعنى تعدد الجنسيات فى لجان التحكيم أن نصل بالضرورة إلى نتيجة عادلة، تستطيع وأنت تحلل النتائج أن ترى بنسبة ما سيطرة عضو على التوجه العام للجوائز، ليس بالضرورة هو رئيس اللجنة.

أسوأ ما يحدث فى أسلوب التحكيم وضع معيار التوازن الجغرافى، حيث يمتد أيضا إلى النتائج، وتستشعر أن اللجنة حريصة على إرضاء كل الجنسيات، وهو ما يحدث غالبا فى مهرجاناتنا العربية، مثلا مهرجان (القاهرة للإذاعة والتليفزيون)، أتذكر موظفا كبيرا فى التليفزيون اليمنى كان حريصا على التأكيد أثناء عضويته باللجنة أن عدم حصول اليمن على جائزة سوف يضعه فى حرج بالغ أمام القيادة السياسية، وليس من المستبعد إقصاؤه عن موقعه.

أن ينحاز الإنسان إلى بلده ظاهرة صحية، ولكن عند التقييم الفنى من المفروض أن يصبح الأمر خاضعا فقط لترمومتر اسمه الإبداع.

للموسيقار محمد عبدالوهاب مقولة رائعة (لا شىء يقف أمام الأجمل)، يا ليت أعضاء لجان التحكيم يطبقونها، ملحوظة أشارك حاليا فى لجنة تحكيم مهرجان (مالمو) بالسويد للسينما العربية، رافعا شعار عبدالوهاب (لا شىء يقف أمام الأجمل)!!.