مي سمير تكتب: فضيحة دولية.. تهريب الأسلحة للإرهابيين فى الشرق الأوسط بحقائب دبلوماسية أوروبية

مقالات الرأي



صحيفة "تراد" البلغارية كشفت المؤامرة و 1٫2 مليار يورو حجم السلاح المهرب

■ وثائق رسمية تثبت أن الـ«سى آى إيه» نقلت سلاحاً للإرهابيين فى رحلات دبلوماسية


قبل أن تصل الأسلحة إلى أيدى الإرهابيين، تمر أدوات القتل وسفك الدماء برحلة طويلة تمتد من أوروبا شمالاً إلى الشرق الأوسط جنوباً، وطبقاً لتحقيق واسع نشرته صحيفة «ترود» البلغارية فإن أكثر من 350 رحلة دبلوماسية على متن شركة طيران «سيلك واى إيرلاينز» التى تديرها الدولة الاذربيجانية نقلت أسلحة لمناطق النزاع فى مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الثلاث الماضية.

فى نفس الإطار نشرت شبكة «بيرن» للتحقيقات الاستقصائية فى منطقة البلقان، تحقيقاً تفصيلياً عن عمليات تهريب الأسلحة من شرق ووسط أوروبا إلى التنظيمات الإرهابية فى منطقة الشرق الأوسط برعاية المخابرات المركزية الأمريكية.


1- تورط الحكومة الأمريكية

نشرت الصحفية البلغارية «ديالانا غايتانجيف» فى جريدة «ترود» تحقيقاً موسعاً بعد حصولها على كنز من الوثائق من حساب مجهول على موقع «تويتر» وتؤكد هذه الوثائق الرسمية أن شركة «سيلك واى إيرلاينز» نقلت عشرات الأطنان من الأسلحة الثقيلة والذخيرة متجهة إلى إرهابيين تحت غطاء من الرحلات الدبلوماسية.

وتسبب هذا التحقيق الصحفى الذى تضمن عرضاً لمجموعة من الوثائق الرسمية فى طرد «ديالانا» من عملها بعد رفضها الإفصاح عن مصدر معلوماتها، وتكشف هذه الوثائق كيف لعبت شركات أمريكية وإسرائيلية دور الوسائط فى نقل الأسلحة القادمة من أوروبا الشرقية إلى مناطق النزاع فى منطقة الشرق الأوسط تحت الغطاء الدبلوماسى.

وتضمنت الملفات المسربة المراسلات بين وزارة الشئون الخارجية البلغارية،وسفارة أذربيجان فى بلغاريا، ووفقاً للوثائق، قدمت شركة سيلك واى إيرلاينز رحلات دبلوماسية للشركات الخاصة ومصنعى الأسلحة من الولايات المتحدة والبلقان وإسرائيل وقيادة العمليات الخاصة الأمريكية «أوسوكوم»، فضلاً عن عدد من الدول فى الشرق الأوسط والقوات العسكرية التابعة لألمانيا والدنمارك فى أفغانستان والقوات العسكرية السويدية فى العراق.

وطبقاً للوثائق فإن وزارة الخارجية الأذربيجانية أرسلت تعليمات إلى سفاراتها فى بلغاريا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى من أجل إضفاء الغطاء الدبلوماسى لرحلات شركة سيلك واى إيرلاينز.

تعد الشركات الأمريكية، عميلاً مهماً ضمن قائمة العملاء الرئيسيين لهذه الرحلات الدبلوماسية الحاملة للأسلحة التى تقدمها شركة سيلك واى ايرلاينز، وتزود هذه الشركات الجيش الأمريكى وقيادة العمليات الخاصة الأمريكية بالأسلحة، والعنصر المشترك فى هذه الحالات هو أنهم جميعاً يقدمون أسلحة غير أمريكية، وهو الأمر الذى يعنى أن هذه الأسلحة لا تستخدمها القوات الأمريكية.

وفقاً لسجل العقود الاتحادية، على مدى السنوات الثلاث الماضية تم منح الشركات الأمريكية مليار دولار من العقود فى إطار برنامج الحكومة الأمريكية الخاص لإمدادات الأسلحة غير الأمريكية، كل شركة من هذه الشركات الخاصة تستخدم رحلات شركة سيلك واى ايرلاينز لنقل الأسلحة، وفى بعض الحالات التى لا تتوفر فيها طائرات تابعة لشركة سيلك واى ايرلاينز، تقوم طائرات سلاح الجو الاذربيجانى بنقل البضائع العسكرية، رغم أن هذه الأسلحة لم تصل أذربيجان أبداً.

وتشمل الوثائق التى تسربت من السفارة أمثلة صادمة عن نقل الأسلحة، منها على سبيل المثال: فى 12 مايو 2015، قامت طائرة تابعة لسلاح الجو الأذربيجانى بنقل 7.9 طن من قذائف «آر بى جى 7» وعشرة أطنان من «آر بى جى 9» وذلك عبر طريق بورغاس التابعة إلى بلغاريا، ثم مدينة انجرليك فى تركيا، وأخيراً ناسوسنى بأذربيجان، وكان المرسل الشركة الأمريكية بيربل شوفيل، والمرسل إليه وزارة الدفاع الأذربيجانية، ووفقا للوثائق فإن الحمولة العسكرية تم تفريغها فى قاعدة انجرليك العسكرية ولم تصل أبداً إلى المرسل إليه.

وفى 6 يونيو 2015، قتل مواطن أمريكى يدعى فرنسيس نورفيلو، يبلغ 41 سنة، وهو موظف فى بيربل شوفيل، فى انفجار قنبلة صاروخية قرب قرية أنيفو فى بلغاريا، كما أصيب اثنان آخران من الأمريكيين واثنان من البلغاريين، وفى أعقاب هذه الحادثة أصدرت السفارة الأمريكية لدى بلغاريا، بياناً أعلنت فيه أن هؤلاء المقاولين الحكوميين الأمريكيين يعملون على برنامج عسكرى أمريكى لتدريب وتجهيز المتمردين المعتدلين فى سوريا، الأمر الذى أدى إلى سحب السفير الأمريكى فى صوفيا، فوراً من منصبه.

وحسب الصحفية البلغارية، فى ديسمبر من العام الماضى أثناء معركة حلب فى سوريا، تم تصوير 9 مستودعات تحت الأرض ممتلئة بالأسلحة الثقيلة المصنعة فى بلغاريا، استخدمتها جبهة النصرة، التى تعتبر فرعاً لتنظيم القاعدة فى سوريا والتى تعتبرها الأمم المتحدة منظمة إرهابية.

من الشركات الأمريكية الأخرى المشاركة فى هذه العمليات شركة أوربيتال أتك، وتلقت هذه الشركة 250 مليون دولار على مدى العامين الماضيين فقط، والمثير للدهشة أن المعلومات المتعلقة بالأسلحة التى تنقلها الشركة والجهة التى تحصل على هذه الأسلحة مصنفة سرية للغاية، ووفقاً للوثائق، نقلت شركة أوربيتال أتك، أسلحة على مدار 6 رحلات دبلوماسية عن طريق شركة سيلك واى ايرلاينز فى يوليو وأغسطس من عام 2015، واتجهت هذه الرحلات إلى كابول عاصمة أفغانستان.

ونقلت الطائرات العسكرية الأذربيجانية 282 طناً من المعدات والأسلحة فى 10 رحلات دبلوماسية فى إبريل ومايو 2017، إلى كرواتيا وكان المرسل هو وزارة الدفاع فى أذربيجان، والمرسل إليه شركة كولمن إنترناشونال ليك الأمريكية، وحصلت هذه الشركة نفسها على عقدين بقيمة 47 مليون دولار لكل منهما، مع مقاولين آخرين لإمدادات الأسلحة غير الأمريكية فى 18 فبراير 2016 و19 إبريل 2017 على التوالى.

كما وقعت شركة كولمن إنترناشونال ليك، عقداً بقيمة 26.7 مليون دولار للأسلحة الأجنبية مع وزارة الدفاع وعقداً بقيمة 3.9 مليون دولار للأسلحة القياسية غير المصنعة حديثاً.

وتعد شركة تشيمرينج للمنتجات العسكرية، أحد المقاولين الرئيسيين فى البرنامج لإمدادات الأسلحة غير الأمريكية للجيش الأمريكى من خلال الرحلات الدبلوماسية التابعة لشركة سيلك واى ايرلاينز، وهذا المورد العسكرى لديه 4 عقود بمبلغ 302.8 مليون دولار، وقد تم شراء هذه الأسلحة من مصنعين محليين فى صربيا وبلغاريا ورومانيا، وطبقاً للوثائق تم نقل هذه الأسلحة إلى العراق وأفغانستان عبر الرحلات الدبلوماسية.

أكبر مورد للأسلحة القياسية غير الأمريكية للجيش الأمريكى، هو شركة أليانت تيشسيستمز أوبيراتيونس-أوسا، بعقود يبلغ مجموعها 490.4 مليون دولار، وفى ديسمبر من عام 2016، نقلت هذه الشركة طناً من القنابل اليدوية من صربيا إلى وزارة الدفاع الأفغانية على رحلات دبلوماسية.

حسب التحقيق الصحفى، تحمل هذه الرحلات الدبلوماسية أسلحة لمناطق الصراع المختلفة فى آسيا وإفريقيا، وبعض هذه الأسلحة ظهرت بالفعل فى مناطق الصراع فى الشرق الأوسط، وهذا هو الحال بالنسبة لرحلتين من القوات الجوية الأذربيجانية اتجهتا من باكو إلى بوركينا فاسو والكونجو فى 30 أغسطس و5 سبتمبر 2015، وشملت البضائع ذخيرة حية، 25 كمبيوتر، بنادق رشاش مع حوامل. وظهر نفس المدفع الرشاش فى أشرطة الفيديو والصور التى نشرت على الإنترنت من قبل الجماعات المسلحة فى إدلب، ومقاطعة حماة فى سوريا، بعد بضعة أشهر.

إحدى هاتين الرحلتين توقفت فى ديار بكر فى تركيا على بعد 235 كيلو مترا من الحدود مع سوريا وحملت هذه الرحلة قذائف آر بى جى، وكان من المفترض أن هذه الأسلحة موجهة إلى الكونغو ولكن هذه الأسلحة ظهرت فى شريط فيديو لتنظيم اللواء الإسلامى فى الصفوة بشمال حلب.


2- مركز توزيع تركى

فى نفس الإطار نشرت شبكة البلقان للتحقيق الصحفى، المعروفة باسم «بيرن» تقريراً عن كواليس صفقات أسلحة التنظيمات الإرهابية مشيرة إلى أن هناك تدفق أسلحة لم يسبق له مثيل من أوروبا الوسطى والشرقية يؤدى إلى إغراق ساحات القتال فى الشرق الأوسط.

و«بيرن» هى قاعدة بيانات شاملة من الوثائق، توفر منصة ثنائية الاتجاه للصحفيين والمحررين وعامة الجمهور لتعزيز الشفافية والمساءلة فى جميع أنحاء البلقان.

وأشار التقرير الذى تم نشره فى عام 2016 إلى إقلاع أكثر من 68 رحلة فى 13 شهراً فقط نقلت الأسلحة والذخائر إلى دول الشرق الأوسط وتركيا، والتى بدورها قامت بتوجيه الأسلحة إلى مناطق الحروب فى سوريا واليمن، وتشكل الرحلات الجوية جزءاً صغيراً من 1.2 مليار يورو فى صفقات الأسلحة منذ عام 2012، عندما تحولت أجزاء من الربيع العربى إلى مناطق نزاع مسلح.

حسب تقرير «بيرن»، تشير الأدلة إلى وجود تحويل منهجى للأسلحة إلى جماعات مسلحة متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقال باتريك ويلكين، الباحث فى مجال مراقبة الأسلحة فى منظمة العفو الدولية، الذى استعرض الأدلة التى جمعها الصحفيون أن هذه التحويلات غير قانونية بموجب معاهدة تجارة الأسلحة التابعة للأمم المتحدة وغيرها من القوانين الدولية ويجب أن تتوقف فوراً.

ولكن مع مئات الملايين من اليورو على المحك وازدهار العمل الإضافى فى مصانع الأسلحة، هناك كثير من الدول التى لديها حافز قوى للسماح للأعمال التجارية بالازدهار وتم منح تراخيص تصدير الأسلحة، التى من المفترض أن تضمن الوجهة النهائية للبضائع، ورغم وجود أدلة وافرة على أن الأسلحة يتم تحويلها إلى الجماعات السورية وغيرها من الجماعات المسلحة المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والفظائع.

وقال روبرت ستيفن فورد، السفير الأمريكى فى سوريا بين عامى 2011 و2014، لشبكة بيرن، إن هذه التجارة يتم تنسيقها من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع المخابرات التركية من خلال مراكز فى الأردن وتركيا.

وفحصت شبكة «بيرن» بيانات تصدير الأسلحة وتقارير الأمم المتحدة وسجلات الطيران وعقود الأسلحة خلال تحقيق دام عاماً يكشف عن كيفية تدفق الآلاف من البنادق الهجومية وقذائف الهاون وقاذفات الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات والمدافع الرشاشة الثقيلة من المنطقة المضطربة، التى نشأت من البوسنة والهرسك وبلغاريا وكرواتيا والجمهورية التشيكية والجبل الأسود ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا، ومنذ تصاعد النزاع السورى فى عام 2012، وافقت هذه البلدان الثمانى على شحن الأسلحة والذخيرة بقيمة 1.2 مليار يورو على الأقل إلى منطقة الشرق الأوسط.

حسب التقرير تستخدم الآن أسلحة وذخيرة شرق ووسط أوروبا، التى تم تحديدها فى أكثر من 50 مقطع فيديو وصورا منشورة على وسائل التواصل الاجتماعى، من قبل وحدات الجيش السورى الحر المدعومة من الغرب، ولكن أيضاً فى أيدى مقاتلين من الجماعات الإسلامية مثل أنصار الشام، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش فى سوريا والعراق، وكشفت علامات على بعض الأسلحة التى تحدد أصل وتاريخ الإنتاج أن كميات كبيرة انطلقت من خطوط الإنتاج منذ عام 2015.

ويؤكد تقرير شبكة بيرن أن الولايات المتحدة من خلال قيادة عملياتها الخاصة التابعة لوزارة الدفاع، اشترت أيضا كميات كبيرة من العتاد العسكرى من أوروبا الشرقية للمعارضة السورية وقدمت كميات كبيرة منها كجزء من برنامج تدريب وتجهيز تبلغ قيمته 500 مليون دولار.