نسمه إمام تكتب: التليفزيون ليس صديقًا مثاليًا للطفل

ركن القراء

نسمة إمام
نسمة إمام


التليفزيون .. هو تلك الوسيلة الساحرة التي تجذب إليها الطفل، وتربطه بها بطرق مختلفة قد يندهش لها كل من الآباء والأمهات، فقد يحدث أن يتعلق الطفل بالتليفزيون وهو لم يتحدث أو ينطق سوى بضع كلمات قليلة بعد، وباختصار تكمُن سر هذه الجاذبية في اندماج كل من الصوت والصورة والألوان والحركة معًا، في تكافؤ وتناغم يمثّل عاملًا مهمًا لشد انتباه الطفل، ولكن هل كل ما يتعرض له الطفل مفيد؟.

 

إذا كانت المواد الموجهة والمُنتجة خصيصًا للطفل تحمل العديد من السلوكيات السلبية، وتغيب عنها الكثير من القيم والنوازع الدينية التي يجب أن يتم غرسها في الطفل، كما كشفت العديد من الدراسات المتخصصة، فإنه فيجب علينا أن نتوقع بأن ما يكتسبه الطفل من خلال تعرضه للتليفزيون لاسيما قنوات الأطفال المتخصصة، ليس إيجابيًا كما نعتقد.

 

ويمكننا هنا إلقاء الضوء على بعض نتائج الدراسات التي أُجريت بهدف فحص ما يكتسبه الطفل من خلال شاشة التليفزيون من سلوكيات وعادات، مثل دراسة هوسمان Huessman 2007، حول تأثير تعرض الطفل للعنف من خلال التلفزيون، والأفلام، وألعاب الفيديو، والهواتف الخلوية، وكذلك شبكة الإنترنت، حيث أشارت أهم نتائج الدراسة إلى أن تعرّض الطفل لمثل تلك الوسائل العنيفة وعلى رأسها التليفزيون؛ فإنها تؤدي إلى تزايد خطر السلوك العنيف من جانب الطفل، كما لو كان قد نشأ في بيئة حقيقية مليئة بالعنف. هذا بالإضافة إلى اتجاه الطفل إلى المادية ومن ثَم صراعه مع والديه،  حيث يعتمد المعلنون حاليًا في تسويق منتجاتهم على مجموعة حديثة من التقنيات لجذب الأطفال للاستهلاك، حيث يؤدى الإعلان إلى زيادة المادية لدى الأطفال وبالتالى زيادة الصراع فيما بعد مع الوالدين؛ نظرًا لرغبة الطفل في الحصول على هذه المنتجات المُعلَن عنها، في حين لايرغب أن يمتثل الآباء لطلباتهم، فالإعلان يخترق رأس الطفل وحواسه بدءً من الأفكار التقليدية للإعلانات وصولًا إلى ملاحقة العلامات التجارية له من خلال ألعاب الفيديو، وفواصل الحلقات الكرتونية بالقنوات المتخصصة، أو حتى بين الأناشيد التي يفضل الأطفال التعرض لها كثيرًا، فوفقًا لما أشارت إليه دراسة نسمه إمام 2015، يُفضّل الأطفال التعرض لمادة الأناشيد في المرتبة الأولى، وتلاها مادة الكارتون فى المرتبة الثانية، ثم البرامج العامة التى يقدمها مذيعون.

 

وهنا نجد أن القدرة الإقناعية للتليفزيون وكيفية تأثيره على الطفل، تكمن في قدراته كوسيلة مرئية حيث تمثّل الرؤية أساسًا لعملية الإقناع، بالإضافة إلى نشأة الطفل إلى جوار جهاز التليفزيون مما يجعله يستقي العديد من المعلومات منه دون شك في أدنى قدر من خطأها.

 

فوفقًا لنظرية التعلم من خلال الملاحظة؛ يمكن للأطفال اكتساب نماذج من السلوك عن طريق الملاحظة ثم التقليد لمن حولهم من الإخوة، والأقران وغيرهم وهم يمارسون نشاطهم المعتاد، سواء أكان إيجابيًا أم سلبيًا، وليس هؤلاء فقط وإنما الشخصيات التي تظهر بوسائل الإعلام أيضًا سواء التقليدية منها أو الحديثة، بشرط ظهور موقف اجتماعي مشابه ومؤيد للسلوك الإيجابي أوالسلبي، فالعملية هنا تعتمد على تقليد الطفل لما يراه أمامه من سلوك يصدر عن الشخصية المحببة إليه.

 

وفي النهاية يتوقف الأمر كله في اكتساب الطفل للسلوك سواء أكان إيجابيًا أم سلبيًا، أو تبنيه لبعض القيم على اختلاف أنواعها، على عدد الساعات التي يتعرض فيها الطفل للتليفزيون، وكيفية تدخل الأبوين في تلك العلاقة، وبعض الصفات الفردية الأخرى والعوامل المتداخلة التي يمكنها أن تمنع أو تحد من الأثر الذي يمكن أن يخلّفه التليفزيون على الطفل بوجه عام.

 

المصادر:

- L. Rowell Huesmann, (2007), The Impact of Electronic Media Violence: Scientific Theory and Research, Journal of Adolescent Health, Vol.41, pp6–13

- Thomas J. Socha, (2014), Lifespan Communication: Children, Families, and Aging, (NY: Peter Lang Publishing), pp93-112

- نسمه إمام سليمان حسين، تعرض الأطفال في مصر لقنوات الأطفال العربية وتأثيراتها اللغوية عليهم: دراسة مسحية على الأطفال في المرحلة العمرية من 6 إلى 8 سنوات، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة المنصورة، كلية الآداب، قسم الإعلام، شعبة الإذاعة والتليفزيون، 2015).