منال لاشين تكتب: كواليس رحلة واشنطن

مقالات الرأي



■ وزير المالية: الناس اتعقدت من يوم الخميس فقررنا نأخذ القرارات الصعبة يوم الاثنين

■ صورة عمرها 10 سنوات تنهى الخلاف بين طارق عامر وهشام عز العرب

تصريحات الحكومة والمركزى عن أوضاع الاقتصاد فى مصر ليس لها علاقة بمعاناة الواقع


فى كل حادثة إرهابية أصبحنا ندفع دفعا الى المحطات والصحف والمواقع الأجنبية والعربية، فى كل حادثة إرهابية خاصة الحوادث الكبرى تتأخر البيانات الرسمية والتعليقات الرسمية على الحادث بالساعات، وانا هنا لا اتحدث عن حق الاعلام فى المعرفة، ولكننى اتحدث عما هو اعمق وأخطر وهو حق المواطن العادى ورجل الشارع فى اشباع رغبة انسانية لمعرفة الحقيقة، ورغبة وطنية فى الاطمئنان على بلده وابنائه من الضباط والجنود وما بين الرغبة الانسانية والرغبة الوطنية يضطر المواطن اضطرارا للبحث عن اى خبر فى اى قناة أو موقع اجنبى أو عربى، ولا يمنحنا الخوف والقلق فرصة لاختيار قناة جيدة أو موضوعية، بل نلهث بين المتاح فقط، وتظل القنوات والمواقع، الحسن منها والسيئ، والصادق منها والكاذب تبث اخبارا وتقارير .وبعد ساعات طويلة من (الهرى) احيانا والصدق احيانا أخرى تظهر البيانات الرسمية، وذلك وضع خطير على الأمن القومى بالمعنى الأعمق ان نضطر لتسليم آذاننا واعيننا وعقولنا لاى قناة أو موقع بحثا عما يمحى القلق على الوطن وتتناقل هذه الاخبار بين الموظفين فى المكاتب والمواطنين فى القهاوى حتى تأخذ شكل الحقيقة، وتدخل فى تراكمات الخبرات الخاصة جدا، هذه الخبرات سرعان ما تعود الى سطح الذاكرة عند أول حادثة متشابهة، ولذلك لا يجب ان ندفع المواطن دفعا لسماع شائعات لمجرد أننا نؤجل الحقائق إلى حين.

يجب ان نسارع نحن بالبيانات السريعة أو التفصيلية وربنا يحمى مصر وأبناءها من اى ارهاب وخالص التعازى فى شهداء مصر فى حادثة الواحات وفى كل جريمة إرهابية.

أين ذهبت الإنجازات التى أعلنتها الحكومة فى العاصمة الأمريكية؟

فى موسمى الخريف والصيف يحج كل مؤسسى الاقتصاد والمال فى كل دول العالم إلى واشنطن، والموسم أو المناسبة هو الاجتماعات المشتركة بين صندوق النقد والبنك الدولى

وتتوقف أهمية هذه المناسبة بالنسبة للدول بحسب معايير كثيرة، ولكن أهم معيار لمصر هو حاجتها إلى الأموال أو القروض من كل من الصندوق والبنك ومن الأسواق العالمية، شرقا وغربا، عربيا ودوليا.

وبعد توقيع مصر اتفاق القرض مع الصندوق تحولت رحلتا الخريف والصيف لواشنطن إلى فرصة إضافية للحكومة والبنك المركزى لاستعراض إنجازاتهما لإرضاء الصندوق وعينهم على الشريحة الجديدة من قرض الصندوق أو البنك الدولى، والشركاء الأجانب فى صناديق المال والاستثمار العالمية.

ولكن فى رحلة واشنطن الأخيرة تسلل الطابع المصرى والمشاكل المصرية إلى الرحلة، بل إن الخلافات المصرية وصلت إلى بعض فعاليات واشنطن.

وخلال الرحلة نقلت وسائل الإعلام عن وزير المالية ومحافظ البنك المركزى عشرات الإنجازات، وخلال أحاديث المحافظ والوزير مع المستثمرين الأجانب وأهل الصندوق كانت الطموحات أكبر بكثير من الواقع المؤلم الذى يعيشه المواطن المصرى، ولقد فكرت بعد قراءة هذه الإنجازات أن اسمى مقالتى «أوهام واشنطن».


1- ليلة الخميس

أول مفاجأة من واشنطن تخص المواطن هى قصة ليلة الخميس، وبالطبع يعرف أى مواطن كارثة ليلة الخميس.كل خميس تضربنا الحكومة بأحد قراراتها السوداء وأحد الإجراءات الصعبة، بدءًا من التعويم انتهاء بتطبيق ضريبة القيمة المضافة على التليفون المحمول بقيمة 45% مرورا برفع سعر البنزين والغاز وأنبوبة البوتاجاز، فى ليالى الخميس الدافئة كانت هناك إجراءات أخرى زيادة أو بالأحرى مضاعفة أسعار تذاكر المترو، زيادة أسعار الجمارك على السلع المستوردة حتى التى لا يوجد لها بديل مصرى، وفى هذه الليالى تم رفع سعر الكهرباء بـ33%.

ومع كل قرار من القرارات الصعبة تؤكد الحكومة أن هذه القرارات تصب فى مصلحة المواطن، ولذلك ردت العبقرية المصرية للمواطن بإجراءات خاصة يوم الخميس، فقد أصبح اسمه المتداول يوم الصب المصرى، وكل مواطن يضع يديه على قلبه يوم الصب وعلى الفيس بوك جرت مسابقات حول القرار الذى ستعلنه الحكومة ليلة الخميس القادم، وتفجر خلاف حول أثر قرارات الخميس أو صب المصلحة على الزيادة السكانية، هل تؤدى هذه القرارات إلى زيادة السكان أم تؤدى إلى خفض الخصوبة والمواليد معا.

وبالطبع تدرك الحكومة خطيئتها التى حولت يوم الخميس ليوم كارثى فى حياة المصريين، ولكنها لم تتحدث عن هذه الكارثة فى مصر، ولكن تناولت ظاهرة الخميس الأسود فى واشنطن، ومن خلال فضفضة وزير المالية عمرو الجارحى مع مستثمرين، كان وزير المالية فى لقاء مع أعضاء جمعية رجال الأعمال المصرية- الأمريكية، وخلال اللقاء تطرق الحديث عن إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى تتخذها الحكومة المصرية، وفوجئ الحاضرون ومعظمهم من رجال الأعمال الأمريكان بمقولة أو اعتراف غريب لوزير المالية، قال الجارحى: احنا اتخذنا قرارات صعبة كثير يوم الخميس، لدرجة أن الناس اتعقدت من يوم الخميس، وأضاف الوزير: عشان كدة قررنا نعلن القرارات الصعبة يوم الاثنين.الأجانب لم يفهموا القصة كلها لأنهم لا يعرفون قصة الخميس عند المصريين، ولم يتابعوا أيا من الإجراءات.

بعض المصريين الذين حضروا اللقاء تصوروا أن الوزير يمزح، وأن الأمر لا يتعدى كونه جملة ساخرة، وإن كانت مزحة فى غير مكانها، ولكن المثير حقا أن وزير المالية الجارحى عاد إلى القاهرة مؤمنا بفكرة يوم الاثنين، أبلغ عددا من العاملين معه وزملائه من الوزراء ضرورة تغيير يوم القرارات الصعبة. الوزير شرح فكرته بأن الناس اتعقدت من يوم الخميس ولذلك ممكن الحكومة تصدر القرارات الصعبة يوم الاثنين.

وواضح أن الوزير فهم جملة المصريين خطأً، فليس معنى أننا اتعقدنا من يوم الخميس بسبب القرارات الصعبة، أن تغير الحكومة اليوم ولا تغير القرارات نفسها.. بصراحة تصرف وزير المالية ذكرنى بالنكتة الشهيرة.. طبيب أحضر مجلة بها مقال عن مخاطر التدخين لمريض مدخن شره، وبعد أن قرأ المريض المقال سأله الطبيب قررت تعمل إيه فرد المريض على الفور: قررت أبطل قراءة.


2- صورة المصالحة

من بين الأحداث ذات الصبغة المصرية أو «التاتش» المصرى واقعة تسليم محافظ البنك المركزى طارق عامر جائزة أحسن محافظ فى الشرق الأوسط وقد كتبت عن بعض تفاصيلها الأسبوع الماضى، فقد غضب طارق عامر عندما اكتشف أنه سيتسلم الجائزة من رئيس البنك التجارى الدولى هشام عز العرب. طارق تحدث غاضبا باللغة الإنجليزية وهو ما جعل عددا كبيرا من حضور الاحتفالية يسمع تعليقاته الغاضبة، ولم يعلم طارق قبل تسلم الجائزة أن البنك التجارى الدولى هو راعى الاحتفالية وعلى وجه الدقة أحد ثلاثة رعاة عالميين للاحتفالية، وقد جرى العرف أن يقوم رئيس البنك الراعى للاحتفال بتسليم محافظ بلده الجائزة، وهو عرف يرجع إلى سنوات عديدة، وقد قام هشام عز العرب بتسليم نفس الجائزة للدكتور فاروق العقدة أهم وأعظم محافظ بنك مركزى مصرى، ولا أظن أن طارق عامر يعترض على هذا الوصف، وفى ذلك الوقت أى قبل أكثر من عشر سنوات لم يعترض الدكتور فاروق العقدة على تسلم الجائزة من مواطنه هشام عز العرب.المهم أن الأزمة انتهت بإرسال صورة العقدة وعز العرب فى نفس الاحتفال لمحافظ البنك المركزى طارق عامر، وذلك حتى يتأكد طارق أن الأمر لا يحمل له أى إساءة وأن هذا هو العرف المتبع فى هذا الاحتفال.

ولكن الأهم أن تصرف طارق عامر يعكس رؤيته تجاه البنوك، فطارق يرى أن البنوك مجرد وحدات إدارية تابعة له، وهذا التصور من وجهة نظرى هو سر أزمة مشروع قانون البنوك الجديد، فالبنوك وحدات مصرفية مستقلة وتخضع للرقابة فقط من البنك المركزى، ورقابة البنك المركزى سابقة ولاحقة، الرقابة السابقة تتمثل فى إصدار المركزى للتعليمات للحفاظ على مستوى البنك وتأمين الودائع والرقابة اللاحقة من خلال إدارة الرقابة التى تقوم بالتفتيش على البنوك، ولكن مشروع قانون طارق عامر يريد أن يلتصق البنك بالمركزى ويحضر مراقب بالمركزى اجتماعات مجلس الإدارة، وهذا يحول البنوك إلى وحدات إدارية تابعة للمركزى، مثلما شعر طارق أن موظفا يتبع المركزى يسلمه الجائزة فاعترض على هذا المبدأ، ولذلك أتمنى ألا يكتفى طارق عامر بالتأمل فى صورة العقدة وهشام عز العرب. بل بالتأمل العميق لتجربة فاروق العقدة فى المركزى.


3- فين الفلوس؟

أخطر سؤال تفجره تصريحات رحلة واشنطن.سؤال يتعلق بحالة المواطن، فإذا كانت الحياة الاقتصادية بمبى جدا فى مصر وكان لدينا 60 مليار دولار منذ التعويم فلماذا لم ينخفض سعر الدولار إلا 40 قرشا فقط، وإذا كانت مصر هى الوجهة الاستثمارية الأولى فى الأسواق الناشئة فأين هذه الاستثمارات فى مصر ولماذا تقف عند الباب ولا تدخل ولا تؤثر فى أرقام البطالة أو ضخ الدولار فى سوق الاستثمار الأجنبى المباشر، ولماذا لا تزال الأموال الساخنة أو الاستثمارات غير المباشرة هى السيد الآمر واللاعب الرئيسى فى الاستثمار فى مصر، بل وتمثل نسبة مقلقة من الاحتياطى بالبنك المركزى، وإذا كانت عجلة الاقتصاد عادت بمنتهى القوة فلماذا لم ينخفض التضخم وتعود الأسعار لمستوياتها شبه السابقة.

وإذا كان اقتصاد مصر قد انطلق مثل عفريت المصباح فلماذا لا نزال نقترض من جيمع الألوان والبلدان مرة بقروض مباشرة وأخرى بطرح سندات وثالثة بودائع نعيد تدويرها حتى لا ندفع الآن، كفانا أوهاما لأنها تؤثر على الأداء وعلى التوقعات والناس ممكن تصدق وتطالب بحقوقها من عوائد الإنجازات والمليارات.