حسام خضرا يكتب: المصالحة الفلسطينية.. حلم تحقيقه محال

ركن القراء

حسام خضرا
حسام خضرا


يدرك الفلسطينيون جيداً أن بنود اتفاق المصالحة الذي تم بين حركتي "فتح" و"حماس"، بناء على التفاهمات التي رعتها القاهرة مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، قد تمت بناء على نظام المحاصصة السياسية والتقسيم غير المعلن للمناصب الفخرية التي يتصارعون عليها منذ الأزل.

ومنذ اليوم الأول الذي تمت فيه المصالحة بهذه الطريقة الغريبة والسريعة، خاصة وأن الطرفين قد اعتادا المماطلة والتسويف على مدار العقد الماضي، وخاصة حركة "حماس"، التي لا تملك من قرارها شيئاً. فَمَن وقعوا على اتفاق المصالحة لا رأي لهم إلا في حدود البعبعة الإعلامية ليس إلا، لأن الحاكم الفعلي للقطاع هو الجناح المسلح لحركة "حماس"، في إطار أجندات عنقودية لا تفهم أولها من آخرها، فَتَارةً سوريا، وتارة أخرى قطر، وثالثة إيران، ومن ثم تركيا وروسيا، وقد لا تنتهي القائمة بالمملكة المتحدة أيضاً.

لقد قامت مصر، حصن الأمان الوحيد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة،  قامت مصر بدفع الطرفين للتوقيع على اتفاق المصالحة، بعد وضعهم في صورة الأحداث المتسارعة التي تضرب المنطقة والعالم بأسره، ودفع الإدارة الأمريكية الجديدة باتجاه الصفقة الكبرى، لحل القضية الفلسطينية بناء على ما ستسفر عنه مفاوضات الحل النهائي، وأجبرتهم على التوقيع في سبيل حفظ حقوق الشعب الفلسطيني، الذي تراجعت قضيته منذ بدء الانقسام الداخلي بعد انقلاب حركة "حماس"، على السلطة الفلسطينية في يونيو/ حزيران 2007، وسيطرتها على كافة مفاصل القطاع.

"ما تأتي به الرياح.. تذهب به الزوابع"، فالعهد بين الشعب الفلسطيني وفصائله المتناحرة، هو "الكذب"، وتغليب المصالح الشخصية والحزبية على مصلحة الوطن، منذ أن وقفوا أمام بيت الله الحرام في مكة، وأقسموا وحنثوا بيمينهم بعد عودتهم مباشرة عام 2007، وليس انتهاء بهذا الاتفاق، الذي أضاعت فيه مصر وقتها وجهدها مع ثلة من الفصائل والشخوص التي أنهكت القضية الفلسطينية، وغيرت مسارها إلى ما قبل نقطة البدء، في زمن الهجرة الأولى عام 1948. وخير دليل على ذلك رفض بعض المتنفذين في "حماس"، تسليم مكاتبهم لحكومة الوفاق التي ستشرف على إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب الاتفاق المزعوم. بالإضافة إلى أن عملية الاغتيال التي استهدفت قائد قوى الأمن في قطاع غزة ظهر أمس الجمعة، لن تكون الأخيرة ...!!

وبالعودة إلى الأسباب الرئيسية لعدم تطبيق هذا الاتفاق، الذي لم يفرح به الفلسطينيون رغم شوقهم إليه، لأن الأطراف المشاركة في هذا الانقسام تعلم جيداً، كم التدليس والحقد الذي يملئ قلوب أجيالهم الفاسدة التي أنشأوها على مدار السنوات العشر الماضية. بالإضافة إلى أن حركة "حماس"، تعلم جيداً ما الذي زرعته في نفوس سكان القطاع على مدار العقد الماضي، فاليوم الذي ستسلم فيه مقاليد الحكم للسلطة الفلسطينية، سيكون هو اليوم ذاته الذي تعلق فيه المشانق لكبارهم قبل صغارهم، لأن الحركة تدرك كم اليأس والإحباط والضرر الذي أصاب سكان القطاع في مقتل، في الوقت الذي كانوا فيه يتنعمون ويصولون ويجولون هم وعناصرهم المستفيدة.

فَكَم من جيلٍ قد نشأ في ظل هذا الانقسام. مَن كان عمره عشر سنوات حين بدء الانقسام الداخلي، أصبح الآن على مشارف التخرج من الجامعة دون أي وميض قد يبعث على الأمل يلوح في الأفق المبهم. حتى وإن قام القائد محمد دحلان، مشكوراً، بكل تلك المجهودات العظيمة لإنجاح المصالحة المجتمعية بين المتضررين من الانقسام، من أسر الشهداء والجرحى الذين سقطوا جراء الاشتباكات المسلحة في تلك الفترة.. لكن.. من سيعوض جيلاً بأكمله اخشوشنت عظامه من الجلوس على أبواب المنازل لعدم وجود فرصة عمل واحدة تليق بنسبة التعليم المرتفعة في قطاع غزة..؟؟ من سيعوض جيلاً نشأ وتربى على الحقد والغل، فذلك "حماس" قتلت والده، وذاك "فتح" قتلت عمه، وتلك تَرَمَلَت قبل أن تهنئ بعريسها، لأجل أن تنعم تلك الثلة من القيادات بالكراسي والمناصب والسفر بدعوى التباحث لإتمام المصالحة الداخلية.. و"سجل يا أخي كله ع حساب الوطن".

كَم من دولة قد جابت القيادة الفلسطينية في محاولات رأب الصدع وإتمام المصالحة.؟؟ لقد ذهبوا للاجتماع في أقصى الأرض، وكل مرة كانوا يعودون لنا بخف واحد من خفي حنين، لكن.. لم يبق إلا مكاناً واحداً لم يجتمعوا به. إنهم لم يجتمعوا في رحاب الوطن الذي يدعون أنهم لأجله يتناحرون.

تُرَى.. مَن الذي سيحقق تلك المصالحة غير الواضحة المعالم.؟؟! إن الحل الوحيد لهذا الأمر، والذي قد يغفر بشكل جزئي لتلك القيادة العفنة، هو أن تسلم مقاليد السلطة للشعب من خلال إجراء انتخابات تديرها مصر، وتشرف عليها الأمم المتحدة، وعدم ربط تحقيق المصالحة بين تلك الفصائل بإجراء الانتخابات، لأن المصالحة لن تتم في ظل وجود تيار كبير من المتنفذين المستفيدين من الطرفين من حالة الانقسام والتشرذم.

والأفضل بالنسبة لهم أن يستقيلوا ويجلسوا في منازلهم ليطلبوا الغفران عما أذنبوا بحق هذا الشعب، الذي لم يجد قطعاً من يحنوا عليه منذ رحيل الزعيم ياسر عرفات. ولتتسلم الدفة قيادة جديدة يختارها الشعب، حتى وإن كانت من "الماو الماو"، فنتائج صندوق الاقتراع هي سيدة الموقف في تلك الحالة ومن ينجح يمسك بزمام السلطة ويتحمل أعباء الوطن، لأن الأهم من تحقيق المصالحة الآن، أن تعود القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي لانتزاع الحقوق الآدمية التي تربينا عليها كفلسطينيين، "حق العودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية"، والترفع عن التفاهات التي صَدَرَتهَا تلك الفصائل بالبحث عن ثماني ساعات من الكهرباء بدلاً من أربع، وتوفير السولار والغاز.. فهذه لا يمكن أن تكون حقوق الشعب الفلسطيني التي سالت لأجلها الدماء أنهارا.. هذه أساسيات لا يجب ربطها بالصراع السياسي والاحتلال، أي أنه لا يجوز إغراق قطاع غزة بالظلام الدامس خلال زيارة السفير القطري، حتى يشعر بِكَم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، وبعيداً عن الشعارات التي أكلناها وأصابتنا بالتخمة ومن ثم الإسهال المزمن من شدة حرقة الكذب فيها.