من ألف ليلة وليلة.. قصة زواج الملك بدر باسم بن شهرمان ببنت الملك السمندل

منوعات

أرشيفية
أرشيفية


قالت: ومما يحكى أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في أرض العجم ملك يقال له شهرمان وكان مستقره خراسان وكان عنده مائة سرية ولم يرزق منهن في طول عمره بذكر ولا أنثى فتذكر ذلك يوماً من الأيام وصار يتأسف حيث مضى غالب عمره، ولم يرزق بولد ذكر يرث الملك من بعده كما ورثه هو عن آبائه وأجداده، فحصل له بسبب ذلك غاية الغم والقهر الشديد، فبينما هو جالس يوماً من الأيام إذ دخل عليه بعض مماليكه، وقالوا له: يا سيدي إن على الباب جارية مع تاجر لم نر أحسن منها فقال لهم: علي بالتاجر والجارية فأتوه بالتاجر والجارية فلما رآها وجدها تشبه الرمح الرديني وهي ملفوفة في آزار من حرير مزركش بالذهب فكشف التاجر عن وجهه فأضاء المكان من حسنها، وارتخى لها سبع ذوائب حتى وصلت إلى خلاخلها كأذيل الخيل، وهي بطرف كحيل وردف ثقيل وخصر نحيل تشفي سقام العليل وتطفئ نار الغليل كما قال الشاعر في المعنى هذه الأبيات:

              كلفت بها وقد تمت بحسـن       وكملها السكينة والـوقـار

              فلا طالت ولا قصرت ولكن      ردفيها يضيق بهما الإزار

              قوام بين إيجـاز وبـسـط          فلا طول يعاب ولا قصار

              وشعر يسبق الخلخال منهـا       ولكن وجهها أبداً نـهـار

فتعجب الملك من رؤيتها وحسنها وجمالها وقدها واعتدالها وقال للتاجر: يا شيخ بكم هذه الجارية؟ قال التاجر: يا سيدي اشتريتها بألفي دينار من التاجر الذي كان ملكها قبلي ولي ثلاث سنين مسافراً بها فتكلفت إلى أن وصلت إلى هذا المكان ثلاثة آلاف دينار وهي هدية مني إليك، فخلع عليه الملك خلعة سنية وأمر له بعشرة آلاف دينار، فأخذها وقبل يدي الملك وشكر فضله وإحسانه وانصرف، ثم إن الملك سلم الجارية إلى المواشط وقال لهن: أصلحن أحوال هذه الجارية وزينها وافرشن لها مقصورة وأدخلنها فيها وأمر حجابه أن تنقل إليها جميع ما تحتاج إليه وكانت المملكة التي هو مقيم فيها على جانب البحر، وكانت مدينته تسمى المدينة البيضاء فأدخلوا الجارية في مقصورة وكانت تلك المقصورة لها شبابيك تطل على البحر.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما أخذ الجارية وسلمها للمواشط وقال لهن: أصلحن شأنها وأدخلنها في مقصورة وأمر حجابه أن تغلق عليها جميع الأبواب بعد أن ينقلوا لها جميع ما تحتاج إليه، فأدخلوها في مقصورة وكانت تلك المقصورة لها شبابيك تطل على البحر، ثم إن الملك دخل على الجارية فلم تقم له ولم تفكر فيه فقال الملك كأنها كانت عند قوم لم يعلموها الأدب ثم إنه التفت إلى تلك الجارية فرآها بارعة في الحسن والجمال والقد والاعتدال ووجهها كأنه دائرة القمر عند تمامه أو الشمس الضاحية في السماء الصافية فتعجب من حسنها وجمالها وقدها واعتدالها فسبح الله الخالق جلت قدرته ثم إن الملك تقدم إلى الجارية وجلس بجانبها وضمها إلى صدره وأجلسها على فخذه ومص رضاب ثغرها فوجده أحلى من الشهد، ثم إنه أمر بإحضار الموائد من أفخر الطعام وفيها من سائر الألوان فأكل الملك وصار يلقمها حتى شبعت وهي لم تتكلم بكلمة واحدة فصار الملك يحدثها ويسألها عن اسمها وهي ساكتة لم تنطق بكلمة ولم ترد جواباً ولم تزل مطرقة برأسها إلى الأرض وكان الحافظ لها من غضب الملك عليها من فرط حسنها وجمالها والدلال الذي كان لها، فقال الملك في نفسه: سبحان الله خالق هذه الجارية ما أضفرها إلا أنها لا تتكلم ولكن الكمال لله تعالى ثم إن الملك سال الجواري: هل تكلمت؟ فقلن له: من حين قدومها إلى هذا الوقت لم تتكلم بكلمة واحدة ولم نسمع لها خطاباً، فأحضر الملك بعض الجواري والسراري وأمرهن أن يغنين لها وينشرحن معها لعلها تتكلم، فلعبت الجواري والسراري قدامها سائر الملاهي واللعب وغير ذلك وغنين حتى طرب من في المجلس والجارية تنظر إليهن وهي ساكتة لم تضحك ولم تتكلم فضاق صدر الملك، ثم إنه صرف الجواري واختلى بتلك الجارية.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك اختلى بالجارية وخلع ثيابها ونظر إلى بدنها فرآه كأنه سبيكة فضة فأحبها محبة عظيمة، ثم قام الملك وأزال بكارتها فوجدها بنت بكر، ففرح فرحاً شديداً وقال في نفسه: يا الله العجب كيف تكون جارية مليحة القوام والمنظر وأبقاها التجار بكراً على حالها؟ ثم إنه مال إليها بالكلية ولم يلتفت إلى غيرها وهجر جميع سراريه والمحاظي وأقام معها سنة كاملة كأنها يوم واحد وهي لم تتكلم، فقال لها يوماً من الأيام وقد زاد عشقه بها والغرام: يا منية النفوس إن محبتك عندي عظيمة وقد هجرت من أجلك جميع الجواري والسراري والنساء والمحاظي وجعلتك نصيبي من الدنيا وقد طولت روحي عليك سنة كاملة وأسأل الله تعالى من فضله أن يلين قلبك لي فتكلميني وإن كنت خرساء فاعلميني بالإشارة حتى أقطع العشم من كلامك وأرجو الله سبحانه أن يرزقني منك بولد ذكر يرث ملكي من بعدي فإني وحيد فريد ليس لي من يرثني وقد كبر سني، فبالله عليك إن كنت تحبينني أن تردي علي الجواب فأطرقت الجارية رأسها إلى الأرض وهي تتفكر، ثم إنها رفعت راسها وتبسمت في وجه الملك فتخيل للملك أن البرق قد ملأ المقصورة وقالت: أيها الملك الهمام والأسد الضرغام قد استجاب الله دعائك وإني حامل منك وقد آن أوان الوضع، ولكن لا أعلم هل الجنين ذكر أو أنثى ولولا أني حملت منك ما كلمتك كلمة واحدة، فلما سمع الملك كلامها تهلل وجهه بالفرح والانشراح وقبل رأسها ويديها من شدة الفرح وقال: الحمد لله الذي من علي بأمرين كنت أتمناهما: الأولى كلامك والثاني إخبارك بالحمل مني، ثم إن الملك قام من عندها وخرج وجلس على كرسي مملكته وهو في الانشراح الزائد وأمر الوزير أن يخرج للفقراء والمساكين والأرامل وغيرهم مائة ألف دينار شكراً لله تعالى وصدقة عنه ففعل الوزير ما أمره به الملك.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير فعل ما أمره به الملك، ثم إن الملك دخل بعد ذلك إلى الجارية وجلس عندها وحضنها وضمها إلى صدره وقال لها: يا سيدتي ومالكة روحي لماذا السكوت ولك عندي سنة كاملة ليلاً ونهاراً قائمة ونائمة ولم تكلميني في هذه السنة إلا في هذا النهار، فما سبب سكوتك؟ فقالت الجارية: اسمع يا ملك الزمان واعلم أني مسكينة غريبة مكسورة الخاطر فارقت أمي وأهلي وأخي، فلما سمع الملك كلامها عرف مرادها فقال لها: أما قولك مسكينة فليس لهذا الكلام محل فإن جميع ملكي ومتاعي وما أنا فيه في خدمتك وأنا أيضاً صرت مملوكك وأما قولك فارقت أمي وأهلي وأخي فأعلميني في أي مكان هم وأنا أرسل إليهم وأحضرهم عندك. فقالت له: اعلم أيها الملك السعيد، أن اسمي جلنار البحرية وكان أبي من ملوك البحر ومات وخلف لنا الملك، فبينما نحن فيه إذ تحرك علينا ملك من الملوك وأخذ الملك من أيدينا ولي أخ يسمى صالح وأمي من نساء البحر، فتنازعت أنا وأخي فحلفت أن أرمي نفسي عند رجل من أهل البر فخرجت من البحر وجلست على طرف جزيرة في القمر فجاز بي رجل فأخذني وذهب بي إلى منزله وراودني عن نفسي فضربته على رأسه فكاد أن يموت، فخرج بي وباعني لهذا الرجل الذي أخذتني منه، وهو رجل جيد صالح صاحب دين وأمانة ومروءة ولولا أن قلبك حبني فقدمتني على جميع سراريك ما كنت قعدت عندك ساعة واحدة وكنت رميت نفسي إلى البحر من هذا الشباك وأروح إلى أمي وجماعتي، وقد استحيت أن أسير إليهم وأنا حامل منك فيظنون بي سوءاً ولا يصدقونني ولو حلفت لهم وإذا أخبرتهم أنه اشتراني ملك بدراهمه وجعلني نصيبه في الدنيا واختص بي عن زوجاته وسائر ما ملكت يمينه وهذه قصتي والسلام.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار البحرية لما سألها الملك شهرمان حكت له قصتها من أولها إلى آخرها، فلما سمع كلامها شكرها وقبلها بين عينيها وقال لها: والله يا سيدتي ونور عيني إني لا أقدر على فراقك ساعة واحدة وإن فارقتيني مت من ساعتي فكيف يكون الحال؟ فقالت: يا سيدي قد قرب أوان ولادتي ولابد من حضور أهلي لأجل أن يباشروني لأن نساء البر لا يعرفن طريقة ولادة بنات البحر، وبنات البحر لا يعرفن طريقة ولادة بنات البر فإذا حضر أهلي انقلب معهم وينقلبون معي، فقال لها الملك: كيف يمشون في البحر؟ فقالت: أنا نمشي في البحر كما أنتم تمشون في البر ببركة الأسماء المكتوبة على خاتم سليمان بن داود عليه السلام، ولكن أيها الملك إذا جاء أهلي وإخوتي فإني أعلمهم أنك اشتريتني بمالك وفعلت معي الجميل والإحسان فينبغي أن تصدق كلامي عندهم ويشاهدون حالك بعيونهم ويعلمون أنك ملك ابن ملك فعند ذلك قال الملك: يا سيدتي افعلي ما بدا لك مما تحبين فإني مطيع لك في جميع ما تفعلينه فقالت الجارية: اعلم يا ملك الزمان أنا نسير في البحر وعيوننا مفتوحة وننظر ما فيه وننظر الشمس والقمر والنجوم والسماء كأننا على وجه الأرض ولا يضرنا ذلك واعلم أيضاً أن في البحر طوائف كثيرة وأشكالاً مختلفة من سائر الأجناس التي في البر، واعلم أيضاً أن جميع ما في البر بالنسبة لما في البحر شيء قليل جداً، فتعجب الملك من كلامها ثم إن الجارية أخرجت من كتفها قطعتين من العود القماري، وأخذت منه جزءاً وأوقدت مجمرة النار وألقت ذلك الجزء فيها وصفرت صفرة عظيمة وجعلت تتكلم بكلام لا يفهمه أحد فطلع دخان عظيم والملك ينظر، ثم قالت للملك: يا مولاي قم واختف في مخدع حتى أريك أخي وأمي وأهلي من حيث لا يرونك فإني أريد أن أحضرهم وتنظر في هذا المكان في هذا الوقت فقام الملك من وقته وساعته ودخل مخدعاً وصار ينظر ما تفعل، فصارت تبخر وتعزم إلى أن أزبد البحر واضطرب وخرج منه شاب مليح الصورة بهي المنظر كأنه البدر في تمامه بجبين أزهر وخد أجمر وشعر كأنه الدر والجوهر، وهو أشبه بأخته ولسان الحال في حقه ينشد هذين البيتين:

           البدر يكمل كل شهـر مـرة       وجمال وجهك كل يوم يكمل

           وحلوله في قلب برج واحـد      ولك القلوب جميعهن المنزل

ثم خرجت من البحر عجوز شمطاء.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار لما صفرت خرج من البحر أخوها وعجوز معها خمس جوار كأنهن الأقمار وعليهن شبه من الجارية التي اسمها جلنار ثم إن الملك رأى الشاب والعجوز والجواري يمشين على وجه الماء حتى قدموا على الجارية فلما قربوا من الشباك ونظرتهم جلنار قامت لهم وقابلتهم بالفرح والسرور، فلما رأوها عرفوها ودخلوا عندها وعانقوها وبكوا بكاء شديداً ثم قالوا لها: يا جلنار كيف تتركيننا أربع سنين ولم نعلم الذي أنت فيه والله إنها ضاقت علينا الدنيا من شدة فراقك ولا نلتذ بطعام ولا شراب يوماً من الأيام ونحن نبكي بالليل والنهار من فرط شوقنا إليك ثم إن الجارية صارت تقبل يد الشاب أخيها ويد أمها وكذلك بنات عمها جلسوا عندها ساعة وهم يسألونها عن حالها وما جرى لها وعما هي فيه. فقالت لهم: اعلموا أني لما فارقتكم وخرجت من البحر جلست على طرف جزيرة، فأخذني رجل وباعني لرجل تاجر فأتى بي التاجر إلى هذه المدينة وباعني لملكها بعشرة آلاف دينار، ثم إنه احتفل بي وترك جميع سراريه ونسائه ومحاظيه من أجلي واشتغل بي عن جميع ما عنده وما في مدينته، فلما سمع أخوها كلامها قال: الحمد لله الذي جمع شملنا بك لكن قصدي يا أختي أن تقومي وتروحي معنا إلى بلادنا وأهلنا، فلما سمع الملك كلام أخيها طار عقله خوفاً على الجارية أن تقبل كلام أخيها ولا يقدر هو أن يمنعها مع أنه مولع بها بحبها فصار متحيراً شديد الخوف من فراقها. وأما الجارية جلنار فلما سمعت كلام أخيها قالت: والله يا أخي إن الرجل الذي اشتراني ملك هذه المدينة وهو ملك عظيم ورجل عاقل كريم جيد في غاية الجود وقد أكرمني وهو صاحب مروءة ومال كثير، وليس له ولد ذكر ولا أنثى وقد أحسن إلي وصنع معي كل خير ومن يوم ما جئته إلى هذا الوقت، ما سمعت منه كلمة رديئة تسوء خاطري، ولم يزل يلاطفني ولا يفعل شيئاً إلا بمشاورتي وأنا عنده في أحسن الأحوال وأتم النعم، وأيضاً متى فارقته يهلك فإنه لا يقدر على فراقي أبداً ولا ساعة واحدة، وإن فارقته أنا الأخرى مت من شدة محبتي إياه بسبب فرط إحسانه لي مدة إقامتي عنده، فإنه لو كان أبي حياً ما كان لي مقام عنده مثل مقامي عند هذا الملك العظيم الجليل المقدار وقد رأيتموني حاملة منه، والحمد لله الذي جعلني بنت ملك البحر وزوجي أعظم ملوك البر، ولم يقطع الله تعالى بي وعوضني خيراً.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار البحرية لما حكت لأخيها جميع حكايتها وقالت: إن الله تعالى لم يقطع بي وعوضني خيراً، وإن الملك ليس له ذكر ولا أنثى، واطلب من الله تعالى أن يرزقني بولد ذكر والقصور والأملاك فلما سمع أخوها وبنات عمها كلامها قرت أعينهن بذلك الكلام وقالوا لها: يا جلنار أنت تعلمين منزلتك عندنا وتعرفين محبتنا إياك وتحققين أنك أعز الناس جميعاً عندنا وتعتقدين أن قصدنا لك الراحة من غير مشقة ولا تعب، فإن كنت في غير راحة فقومي معنا إلى بلادنا وأهلنا، وإن كنت مرتاحة هنا في معزة وسرور فهذا هو المراد والمنى لأننا لا نريد إلا راحتك على كل حال، فقالت جلنار: والله إني في غاية الراحة والهناء والعز والمنى. فلما سمع الملك منها ذلك الكلام، فرح واطمأن قلبه وشكرها على ذلك وازداد فيها حباً ودخل حبها في صميم قلبه، وعلم منها أنها تحبه كما يحبها وأنها تريد القعود عنده حتى يرى ولده منها، ثم إن الجارية التي هي جلنار البحرية أمرت جواريها أن يقدمن الموائد والطعام من سائر الألوان، وكانت جلنار هي التي باشرت الطعام في المطبخ، فقدمت لهن الجواري الطعام والحلويات والفواكه، ثم إنها أكلت هي وأهلها وبعد ذلك قالوا لها: يا جلنار إن سيدك رجل غريب منا وقد دخلنا بيته من غير اذنه ولم يعلم بنا وأنت تشكرين لنا فضله، وأيضاً أحضرت لنا طعامنا فأكلنا ولم نجتمع به ولم نره ولم يرنا، ولا حضرنا ولا أكل معنا حتى يكون بيننا وبينه خبز وملح وامتنعوا كلهم من الأكل واغتاظوا عليها وصارت النار تخرج من أفواههم كالمشاعل، فلما رأى الملك ذلك طار عقله من شدة الخوف منهم ثم إن جلنار قامت إليهم وطيبت خواطرهم ثم بعد ذلك تمشت إلى أن دخلت المخدع الذي فيه الملك سيدها وقالت: يا سيدي هل رأيت وسمعت شكري فيك وثنائي عليك عند أهلي وسمعت ما قالوه لي من أنهم يريدون أن يأخذوني إلى أهلي وبلادي، فقال لها الملك: سمعت ورأيت وجزاك الله عني خيراً، والله ما علمت قدر محبتي عندك إلا في هذه الساعة المباركة ولم أشك في محبتك إياي، فقالت له: سيدي ما جزاء الإحسان إلا الإحسان وأنت قد أحسنت إلي وتكرمت علي بجلائل النعم وأراك تحبني غاية المحبة وعملت معي كل جميل واخترتني على جميع من تحب وتزيد فكيف يطيب قلبي على فراقك والرواح من عندك وكيف يكون ذلك وأنت تحسن وتتفضل علي فأريد من فضلك أن تأتي وتسلم على أهلي وتراهم ويروك ويحصل الصفاء والود بينكم ولكن اعلم يا ملك الزمان أن أخي وأمي وبنات عمي قد أحبوك محبة عظيمة لما شكرتك لهم، وقالوا: ما نروح إلى بلادنا من عندك حتى نجتمع بالملك ونسلم عليه، فيريدون أن ينظروك ويأتنسوا بك فقال الملك لها سمعاً وطاعة فإن هذا هو مرادي ثم إنه قام من مقامه وسار إليهم وسلم عليهم بأحسن سلام، فبادروا إليه بالقيام وقابلوه أحسن مقابلة فجلس معهم في القصر وأكل معهم على المائدة وأقام معهم مدة ثلاثين يوماً، ثم بعد ذلك أرادوا التوجه إلى بلادهم ومحلهم فأخذوا بخاطر الملك والملكة جلنار البحرية، ثم ساروا من عندهما بعد أن أكرمهم الملك غاية الإكرام وبعد ذلك استوفت جلنار أيام حملها وجاء أوان الوضع فوضعت غلاماً كأنه البدر في تمامه، فحصل للملك بذلك غاية السرور لأنه ما رزق بولد ولا بنت في عمره فأقاموا الأفراح والزينة مدة سبعة أيام، وهم في غاية السرور والهناء، وفي اليوم السابع حضرت أم الملكة جلنار وأخوها وبنات عمها الجميع لما علموا أن جلنار قد وضعت.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار لما وضعت وجاء إليها أهلها قابلهم الملك وفرح بقدومهم وقال لهم: أنا قلت ما أسمي ولدي حتى تحضروا وتسموه أنتم بمعرفتكم فسموه بدر باسم واتفقوا جميعاً على هذا الاسم، ثم إنهم عرضوا الغلام على خاله صالح، فحمله على يديه وقام به من بينهم وتمشى في القصر يميناً وشمالاً ثم خرج به من القصر ونزل به البحر المالح ومشى حتى اختفى عن عين الملك فلما رآه الملك أخذ ولده وغاب عنه في قاع البحر يئس منه وصار يبكي وينتحب، فلما رأته جلنار على هذه الحالة قالت له: يا ملك الزمان لا تخف ولا تحزن على ولدك فأنا أحب ولدي أكثر منك وإن ولدي مع أخي فلا تبال من البحر ولا تخشى عليه من الغرق، ولو علم أخي أنه يحصل للصغير ضرر ما فعل الذي فعله به وفي هذه الساعة يأتيك بولدك سالماً إن شاء الله تعالى فلم يكن غير ساعة إلا والبحر قد اختبط واضطرب وطلع منه خال الصغير ومعه ابن الملك سالماً، وطار من البحر إلى أن وصل إليهم والصغير على يديه وهو ساكت ووجهه كالقمر في ليلة تمامه ثم إن خال الصغير نظر إلى الملك وقال له: لعلك خفت على ولدك من ضرر الماء لما نزلت به في البحر وهو معي فقال الملك: نعم يا سيدي خفت عليه وما ظننت أنه يسلم منه قط، فقال له: يا ملك البر إنا كحلناه بكحل نعرفه وقرأنا عليه بالأسماء المكتوبة على خاتم سليمان بن داود عليه السلام فإن المولود إذا ولد عندنا صنعنا به ما ذكرت لك فلا تخف عليه من الغرق ولا الخنق ولا من سائر البحار إذا نزل فيها ومثل ما تمشون أنتم في البر نمشي نحن في البحر ثم أخرج من جيبه محفظة مكتوبة ومختومة ففض ختامها ونثرها فنزل منها جواهر منظومة من سائر أنواع اليواقيت والجواهر، وثلاثمائة قضيب من الزمرد، قصبة من الجواهر الكبار التي هي قدر بيض النعام نورها أضوأ من نور الشمس والقمر وقال: يا ملك الزمان هذه الجواهر واليواقيت هدية مني إليك لأننا ما أتيناك بهدية قط وما نعلم موضع جلنار ولا تعرف لها أثراً ولا خبراً، فلما رأيناك اتصلت بها وقد صرنا كلنا شيئاً واحداً أتيناك بهذه الهدية وبعد كل قليل من الأيام نأتيك بمثلها إن شاء الله تعالى لأن هذه الجواهر واليواقيت عندنا أكثر من الحصى في البر، ونعرف جيدها ورديئها وجميع طرقها وموضعها، وهي سهلة علينا.

فلما نظر الملك إلى تلك الجواهر واليواقيت اندهش عقله وطار لبه وقال: إن جوهرة من هذه الجواهر تعادل ملكي، ثم إن الملك شكر فضل صالح البحري ونظر إلى الملكة جلنار.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك شكر صالح البحري ونظر إلى الملكة جلنار وقال لها: أنا استحيت من أخيك لأنه تفضل علي وهداني هذه الهدية السنية التي يعجز عنها أهل الأرض فشكرته جلنار وأخاها على ما فعل فقال أخوها: يا ملك الزمان إن لك علينا حقاً قد سبق، وشكرك علينا قد وجب، لأنك قد أحسنت إلى أختي ودخلنا إلى منزلك وأكلنا زادك وقد قال الشاعر:

           فلو قبل مبكاها بكيت صبـابة        بعدي شفيت النفس قبل التندم

           ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا       بكاها فقلت الفضل للمتقـدم

ثم قال صالح: ولو وقفنا في خدمتك يا ملك الزمان ألف سنة على وجوهنا ما قدرنا أن نكافئك وكان ذلك في حقك قليلاً فشكره الملك شكراً بليغاً وأقام صالح عند الملك وأمه وبنات عمه أربعين يوماً ثم إن صالحاً أخا جلنار قام وقبل الأرض بين يدي الملك زوج أخته، فقال له: ما تريد يا صالح؟ فقال صالح: يا ملك الزمان قد تفضلت علينا، ومرادي من إحسانك أن تتصدق علينا وتعطينا إذناً فإذا اشتقنا إلى وبلادنا وأقاربنا وأوطاننا ونحن ما بقينا نتقطع عن خدمتك ولا عن أختي ولا عن ابن أختي فوالله يا ملك الزمان ما يطيب لقلبي فراقكم، ولكن كيف العمل ونحن قد تربينا في البحر وما يطيب لنا البر؟  فلما سمع الملك كلامه نهض قائماً على قدميه وودع صالحاً البحري وأمه وبنات عمه وتباكوا للفراق ثم قالوا له: عن قريب نكون عندكم ولا نقطعكم أبداً وبعد كل قليل من الأيام نزوركم، ثم إنهم طاروا وقصدوا البحر حتى صاروا فيه وغابوا عن العين فأحسن الملك إلى جلنار وأكرمها إكراماً زائداً ونشأ الصغير منشأً حسناً وصار خاله وجدته وبنات عم أمه وبعد كل قليل من الأيام يأتون محل الملك ويقيمون عنده الشهر والشهرين ثم يرجعون إلى أماكنهم ولم يزل الولد يزداد بزيادة السن حسناً وجمالاً إلى أن صار عمره خمسة عشر عاماً وكان فريداً في كماله وقده واعتداله وقد تعلم الخط والقراءة والأخبار والنحو واللغة والرمي بالنشاب وتعلم اللعب بالرمح وتعلم الفروسية وسائر ما يحتاج إليه أولاد الملوك، ولم يبق أحد من أولاد أهل المدينة من الرجال والنساء إلا وله حديث بمحاسب ذلك الصبي، لأنه كان بارع الجمال والكمال متصفاً بمضمون قول الشاعر:

              كتب العذارى بعنبر فـي لـؤلـؤ           سطرين من سبح علـى تـفـاح

              القتل في الحدق المراض إذا رنت       والسكر في الوجنات لا في الراح

فكان الملك يحبه محبة عظيمة ثم إن الملك أحضر الوزراء والأمراء وأرباب الدولة وأكابر المملكة وحلفهم الأيمان الوثيقة أنهم يجعلون بدر باسم ملكاً عليهم بعد أبيه فحلفوا له الأيمان الوثيقة وفرحوا بذلك فاتفق أن والد الولد بدر باسم مرض يوماً من الأيام فخفق قلبه وأحس بالانتقال إلى دار البقاء، ثم ازداد به المرض حتى أشرف على الموت، فأحضر ولده ووصاه بالرعية ووصاه بوالدته وبسائر أرباب دولته وبجميع الأتباع، وحلفهم وعاهدهم على طاعة ولده ثاني مرة واستوثق منهم بالأيمان، ثم مكث بعد ذلك أياماً قلائل وتوفي إلى رحمة الله تعالى فحزن عليه ولده بدر باسم وزوجته جلنار والأمراء والوزراء وأرباب الدولة وعملوا له تربة ودفنوه فيها ثم إنهم قعدوا في عزائه شهراً كاملاً وأتى صالح أخو جلنار وأمها وبنات عمها وعزوهم بالملك وقالوا: يا جلنار إن كان الملك مات فقد خلف هذا الغلام الماهر ومن خلف مثله ما مات وهذا هو العديم النظير الأسد الكاسر.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أخا جلنار صالحاً وأمه وبنات عمها قالوا لها: إن كان الملك قد مات فقد خلف هذا الغلام العديم النظير الأسد الكاسر والقمر الزاهر ثم إن أرباب الدولة والأكابر دخلوا على الملك بدر باسم وقالوا له: يا ملك لا بأس بالحزن على الملك ولكن الحزن لا يصلح إلا للنساء، فلا تشغل خاطرك وخاطرنا بالحزن على والدك فإنه قد مات وخلفك، ومن خلف مثلك ما مات ثم إنهم لاطفوه وسلوه وبعد ذلك أدخلوه الحمام فلما خرج من الحمام لبس بدلة فاخرة منسوجة بالذهب مرصعة بالجواهر والياقوت، ووضع تاج الملك على رأسه، وجلس على سرير ملكه وقضى أشغال الناس وأنصف الضعيف من القوي وأخذ للفقير حقه من الأمير، فأحبه الناس حباً شديداً ولم يزل كذلك مدة سنة كاملة وبعد كل مدة قليلة تزوره أهله البحرية فطاب عيشه وقربت عينه ولم يزل على هذه الحالة مدة مديدة فاتفق أن خاله دخل ليلة من الليالي على جلنار وسلم عليها، فقامت له وعانقته وأجلسته إلى جانبها وقالت له: يا أخي كيف حالك وحال والدتي وبنات عمي؟ فقال لها: يا أختي إنهم طيبون بخير وحظ عظيم وما ينقص عليهم إلا النظر إلى وجهك ثم إنها قدمت له شيئاً من الطعام فأكل ودار الحديث بينهما، وذكروا الملك بدر باسم وحسنه وجماله وقده واعتداله وفروسيته وعقله وأدبه، وكان الملك بدر باسم متكئاً، فلما سمع أمه وخاله يذكرانه ويتحدثان في شأنه أظهر أنه نائماً وصار يسمع حديثهما. فقال صالح لأخته جلنار: إن عمر ولدك سبعة عشر عاماً ولم يتزوج وبخاف أن يجري له أمر ولا يكون له ولداً، فأريد أن أزوجه بملكة من ملكات البحر تكون في حسنه وجماله، فقالت جلنار: اذكرهن لي فإني أعرفهن فصار يعدهن لها واحدة بعد واحدة وهي تقول: ما أرضى هذه لولدي ولا أزوجه إلا بمن تكون مثله في الحسن والجمال والعقل والأدب والمروءة والملك والحسب والنسب، فقال لها: ما بقيت أعرف واحدة من بنات الملوك البحرية وقد عددت لك أكثر من مائة بنت وأنت ما يعجبك واحدة منهن ولكن انظري يا أختي هل ابنك نائم أو لا؟ فجسته فوجدت عليه آثار النوم، فقالت له: إنه نائم فما عندك من الحديث وما قصدك بنومه؟ فقال لها: يا أختي اعلمي أني قد تذكرت بنتاً من بنات ملوك البحر تصلح لابنك وأخاف أن أذكرها فيكون ولدك منتبهاً فيتعلق قلبه بمحبتها وربما لا يمكننا الوصول إليها، فيتعب هو ونحن وأربا دولته ويصير لنا شغل بذلك وقد قال الشاعر:

               العشق أول ما يكون مجاجة      فإذا تحكم صار بحراً واسعا

فلما سمعت أخته كلامه.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أخت صالحاً لما سمعت كلامه قالت له: قل لي ما شأن هذه البنت واما اسمها؟ فأنا أعرف بنات البحر من ملوك وغيرهم فإذا رأيتها تصلح له خطبتها من أبيها ولو أني صرفت جميع ما تملكه يدي عليها فأخبرني بها ولا تخشى شيئاً فإن ولدي نائم، فقال لها: أخاف أن يكون يقظان وقد قال الشاعر:

              عشقته عندما أوصافه ذكرت      والأذن تعشق قبل العين أحيانا

فقالت له جلنار: قل وأوجز ولا تخف يا أخي فقال: والله يا أختي ما يصلح لابنك إلا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل وهي مثله في الحسن والجمال والبهاء والكمال، ولا يوجد في البحر ولا في البر ألطف ولا أحلى شمائل منها لأنها ذات حسن وجمال وقد وخد أحمر وجبين أزهر وشعر كأنه الجوهر وطرف أحور وردف ثقيل وخصر نحيل ووجه جميل إن التفت تخجل المها والغزلان، وإن خطرت يغار منها غصن البان، وإذا سفرت تخجل الشمس والقمر وتسبي كل من نظر، عذبة المراشف لينة المعاطف، فلما سمعت كلام أخيها قالت له: صدقت يا أخي والله إني رأيتها مراراً عديدة وكانت صاحبتي ونحن صغار وليس لنا اليوم معرفة ببعضنا لموجب البعد ولي اليوم ثمانية عشر عاماً ما رأيتها والله ما يصلح لولدي إلا هي، فلما سمع بدر باسم كلامهما وفهم ما قالاه من أوله إلى آخره في وصف البنت التي ذكرها خاله صالح وهي جوهرة بنت الملك السمندل عشقها بالسماع، وأظهر لهم أنه نائم وصار في قلبه من أجلها لهيب النار وغرق في بحر لا يدرك له ساحل ولا قرار.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لما سمع كلام خاله صالح وأمه جلنار في وصف بنت الملك السمندل صار في قلبه من أجلها لهيب النار وغرق في بحر لا يدرك له ساحل ولا قرار ثم إن صالحاً نظر إلى أخته جلنار وقال: والله يا أختي ما في ملوك البحر أحمق من أبيها ولا أقوى سلطة منه فلا تعلمي ولدك بحديث هذه الجارية حتى نخطبها له من أبيها فإن أنعم بإجابتها حمدنا الله تعالى وإن ردنا ولم يزوجها لابنك فنستريح ونخطب غيرها، فلما سمعت جلنار كلام أخيها صالح قالت: نعم الرأي الذي رأيته، ثم إنهما سكتا وباتا تلك الليلة، والملك بدر باسم في قلبه لهيب النار من عشق الملكة جوهرة وكتم حديثه ولم يقل لأمه ولا لخاله شيئاً عن خبرها مع أنه صار من حبها على مقالي الجمر فلما أصبحوا دخل الملك هو وخاله الحمام واغتسلا، ثم خرجا وشربا الشراب وقدموا بين أيديهم الطعام فأكل الملك بدر باسم وأمه وخاله حتى اكتفوا ثم غسلوا أيديهم وبعد ذلك قام صالح على قدميه وقال للملك: بدر باسم وأمه جلنار: عن إذنكما قد عزمت على الرواح إلى الوالدة فإن لي عندكم مدة وخاطرهم مشغول علي وهم في انتظاري، فقال الملك بدر باسم لخاله صالح: اقعد عندنا هذا اليوم فامتثل لكلامه ثم إنه قال لك قم بنا يا خال واخرج بنا إلى البستان وصارا يتفرجان ويتنزهان، فجلس الملك بدر باسم تحت شجرة مظلة وأراد أن يستريح وينام، فتذكر ما قاله خاله صالح من وصف الجارية وما فيها من الحسن والجمال، فبكى بدموع غزار وأنشد هذين البيتين:

                   لو قيل لي ولهيب النـار مـتـقـد        والنار في القلب والأحشاء تضطرم

                   أهم أحب إليك أن تـشـاهـدهـم          أم شربة من زلال الماء قلت لهـم

ثم شكى وأن وبكى وأنشد هذين البيتين:

                   من مجيري من عشق ظبية أنس     ذات وجه كالشمس بل هو أجمل

                   كان قلبي من حبها مستـريحـا        فتلظى بحب بنت السـمـنـدل

فلما سمع خاله صالح مقاله دق يداً على يد وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: هل سمعت يا ولدي ما تكلمت به أنا وأمك من حديث الملكة جوهرة وذكرنا لأوصافها؟ فقال بدر باسم، نعم يا خال وعشقتها على السماع حين سمعت ما قلتم من الكلام، فلما سمع صالح كلام ابن أخته حار في أمره وقال: استعنت بالله تعالى على كل حال ثم إن خاله صالحاً لما رآه على هذه الحالة وعلم أنه لا يحب أن يرجع إلى أمه بل يروح معه وأخرج من إصبعه خاتماً منقوشاً عليه أسماء من أسماء الله تعالى وناول الملك بدر باسم إياه وقال له: اجعل هذا في إصبعك تأمن من الغرق ومن غيره ومن شر دواب البحر وحيتانه فأخذ الملك بدر باسم الخاتم من خاله صالح وجعله في إصبعه ثم إنهما غطسا في البحر.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم وخاله صالحاً لما غطسا في البحر وسارا ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى قصر صالح فدخلاه فرأته جدته أم أمه وهي قاعدة وعندها أقاربها فلما دخلا عليهم قبلا أيديهم فلما رأته جدته قامت إليه واعتنقته وقبلته بين عينيه وقالت له: قدوم مبارك يا ولدي كيف خلفت أمك جلنار؟ قال لها: طيبة بخير وعافية وهي تسلم عليك وعلى بنات عمها، ثم إن صالحاً أخبر أمه بما وقع بينه وبين أخته جلنار وأن الملك بدر باسم عشق الملكة جوهرة بنت الملك السمندل على السماع وقص لها القصة من أولها إلى آخرها وقال: إنه ما أتى إلا ليخطبها.

فلما سمعت جدة الملك بدر باسم كلام صالح اغتاظت عليه غيظاً شديداً وانزعجت واغتمت وقالت له: يا ولدي لقد أخطأت بذكر الملكة جوهرة بنت السمندل قدام ابن أختك لأنك تعلم أن الملك السمندل أحمق جبار قليل العقل شديد السطوة بخيل بابنته جوهرة على خطابها فإن سائر ملوك البحر خطبوها منه فأبى ولم يرض بأحد منهم بل ردهم، وقال لهم: ما أنتم أكفاء لها في الحسن والجمال ولا في غيرهما ونخاف أن نخطبها من أبيها فيردنا كما رد غيرنا ونحن أصحاب مروءة فنرجع مكسورين الخاطر. فلما سمع صالح كلام أمه قال لها: يا أمي كيف يكون العمل، فإن الملك بدر باسم قد عشق هذه البنت لما ذكرتها لأختي جلنار وقال: لابد أن أخطبها من أبيها ولو بذل جميع ملكه وزعم أنه إن لم يتزوج بها يموت فيها عشقاً وغراماً، ثم إن صالحاً قال لأمه: اعلمي أن ابن أختي أحسن وأجمل منها وأن أباه كان ملك العجم بأسره وهو الآن ملكهم، ولا تصلح جوهرة إلا له وأخطبها منه فإن احتج بأنه ملك فهو أيضاً ملك ابن ملك وإن احتج علينا بالجمال فهو أجمل منها وإن احتج علينا بسعة المملكة فهو أوسع مملكة منها ومن أبيها وأكثر أجناداً وأعواناً فإن ملكه أكبر من ملك أبيها ولابد أن أسعى في قضاء حاجة ابن أختي ولو أن روحي تذهب لأني كنت سبب هذه القضية مثل ما رميته في بحار عشقها أسعى في زواجه بها والله تعالى يساعدني على ذلك، فقالت له أمه: افعل ما تريد وإياك أن تغلط عليه بالكلام إذا كلمته فإنك تعرف حماقته وسطوته وأخاف أن يبطش بك لأنه لا يعرف قدر أحد فقال لها: السمع والطاعة ثم إنه نهض وأخذ معه جرابين ملآنين من الجواهر واليواقيت وقضبان الزمرد ونفائس المعادن من سائر الأحجار وحملها لغلمانه وسار بهم هو وابن أخته إلى قصر الملك السمندل، واستأذن في الدخول عليه فأذن له فلما دخل قبل الأرض بين يديه وسلم بأحسن سلام، فلما رآه الملك السمندل قام إليه وأكرمه غاية الإكرام وأمره بالجلوس فجلس فلما استقر به الجلوس، قال له الملك: قدوم مبارك أوحشتنا يا صالح ما حاجتك حتى أنك أتيت إلينا؟ فأخبرني بحاجتك حتى أقضيها لك، فقام صالح وقبل الأرض ثاني مرة وقال: يا ملك الزمان حاجتي إلى الله وإلى الملك الهمام والأسد الضرغام الذي بمحاسن ذكره سارت الركبان وشاع خبره في الأقاليم والبلدان بالجود والإحسان والعفو والصفح والامتنان ثم إنه فتح الجرابين وأخرج منهما الجواهر وغيرها ونشرها قدام الملك السمندل، وقال له: يا ملك الزمان عساك تقبل هديتي وتتفضل علي وتجبر قلبي بقبولها مني.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والتسعين بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحاً قدم الهدية إلى الملك السمندل وقال له: القصد من الملك أن يتفضل علي ويجبر قلبي بقبولها مني، قال له الملك السمندل: لأي سبب أهديت لي هذه الهدية؟ قل لي قصتك وأخبرني بحاجتك فإن كنت قادراً على قضائها قضيتها لك في هذه الساعة ولا أحوجك إلى تعب وإن كنت عاجزاً عن قضائها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقام وقبل الأرض ثلاث مرات وقال: يا ملك الزمان إن حاجتي أنت قادر على قضائها وهي تحت حوزتك وأنت مالكها، ولم أكلف الملك مشقة ولم أكن مجنوناً حتى أخاطب الملك في شيء لا يقدر عليه فبعض الحكماء قال: إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع فأما حاجتي التي جئت في طلبها فإن الملك حفظه الله قادر عليها، فقال له الملك: اسأل حاجتك واشرح قصتك واطلب مرادك، فقال له: يا ملك الزمان اعلم أني قد أتيتك خاطباً راغباً في الدرة اليتيمة والجوهرة المكنونة الملكة جوهرة بنت مولانا فلا تخيب أيها الملك قاصدك.

فلما سمع الملك كلامه ضحك حتى استلقى على قفاه استهزاء به وقال يا صالح كنت أحسبك رجلاً عاقلاً وشاباً فاضلاً لا تسعى إلا بسداد ولا تنطق إلا برشاد وما الذي أصاب عقلك ودعاك إلى هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم حتى أنك تخطب بنات الملوك وأصحاب البلدان والأقاليم وهل بلغ قدرك أنك انتهيت إلى هذه الدرجة العالية وهل نقص عقلك إلى هذه الغاية حتى تواجهني بهذا الكلام، فقال صالح: أصلح الله الملك إني لم أخطبها لنفسي ولو خطبتها لنفسي لكنت كفؤاً لها قل أكثر لأنك تعلم أن أبي ملك من ملوك البحر وإن كنت اليوم ملكنا ولكن أنا ما خطبتها إلا للملك بدر باسم صاحب أقاليم العجم وأبوه الملك شهرمان.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالح قال للملك: أنا ما خطبت بنتك إلا للملك بدر باسم ابن الملك شهرمان، وأنت تعرف سطوته وإن زعمت أنك ملك عظيم فالملك بدر باسم أعظم وإن ادعيت أن ابنتك جميلة فالملك بدر باسم أجمل منها وأحسن صورة وأفضل حسباً ونسباً فإنه فارس زمانه فإن أجبت إلى ما سألتك تكن يا ملك الزمان قد وضعت الشيء في محله، وإن تعاظمت علينا فإنك ما أنصفتنا ولا سلكت بنا الطريق المستقيم وأنت تعلم أيها الملك أن هذه الملكة جوهرة بنت مولانا الملك لابد لها من الزواج فإن الحكيم يقول: لابد للبنت من الزواج أو القبر، فإن كنت عزمت على زواجها فإن ابن أختي أحق بها من سائر الناس، فلما سمع الملك كلام صالح اغتاظ غيظاً شديداً وكاد عقله أن يذهب وكادت روحه أن تخرج من جسده وقال له: يا كلب الرجال وهل مثلك يخاطبني بهذا الكلام وتذكر ابنتي في المجالس وتقول أن ابن أختك جلنار كفء لها فمن أنت ومن هي أختك ومن هو ابنها ومن هو أبوه حتى تقول هذا الكلام وتخاطبني بهذا الخطاب فهل أنتم بالنسبة إليها إلا كلاب، ثم صاح على غلمانه وقال: يا غلمان خذوا راس هذا العلق، فأخذوا السيوف وجردوها فولى هارباً ولباب القصر طالباً.

فلما وصل إلى باب القصر رأى أولاد عمه وقرابته وعشيرته وغلمانه وكانوا أكثر من ألف فارس غارقين في الحديد والزرد والنضيد وبأيديهم الرماح وبيض الصفاح، فلما رأوا صالحاً على تلك الحالة وقالوا له: ما الخبر؟ فحدثهم بحديثه وكانت أمه قد أرسلتهم إلى نصرته، فلما سمعوا كلامه علموا أن الملك أحمق شديد السطوة فترجلوا عن خيولهم وجردوا سيوفهم ودخلوا على الملك السمندل فرأوه جالساً على كرسي مملكته غافلاً عن هؤلاء وهو شديد الغيظ على صالح ورأوا خدامه وغلمانه وأعوانه غير مستعدين، فلما رآهم وبأيديهم السيوف مجردة صاح على قومه وقال: يا ويلكم خذوا رؤوس هؤلاء الكلاب، فحملوا على بعضهم فلم يكن غير ساعة حتى انهزم قوم الملك السمندل وركنوا إلى الفرار وكان صالح وأقاربه قد قبضوا على الملك السمندل وكتفوه.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحاً وأقاربه كتفوا الملك السمندل ثم إن جوهرة لما انتبهت علمت أن أباها قد أسر وأن أعوانه قد قتلوا فخرجت من القصر هاربة إلى بعض الجزائر، ثم إنها قصدت شجرة عالية واختفت فوقها ولما اقتتل هؤلاء الطائفتان فر بعض غلمان الملك السمندل هاربين فرآهم بدر باسم فسألهم عن حالهم فأخبروه بما وقع، فلما سمع أن الملك السمندل قبض عليه ولى هارباً وخاف على نفسه وقال في قلبه: إن هذه الفتنة كانت من أجلي وما المطلوب إلا أنا أولي هارباً وللنجاة طالباً، وصار لا يدري أين يتوجه فساقته المقادير الأزلية إلى تلك الجزيرة التي فيها جوهرة بنت الملك السمندل، فأتى عند الشجرة وانطرح مثل القتيل وأراد الراحة بانطراحه ولا يعلم إن كل مطلوب لا يستريح، ولا يعلم أحد ما خفي له في الغيب من المقادير، فلما وقع بصره نحو الشجرة وقعت عينه في عين جوهرة فنظر إليها فرآها كالبدر إذا أشرق فقال: سبحان خالق هذه الصورة وهو خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير، سبحان الله العظيم الخالق الباري المصور والله صدقته حذري تكون هذه جوهرة بنت الملك السمندل، وأظنها لما سمعت بوقوع الحرب بينهما هربت وأتت إلى هذه الجزيرة واختفت فوق هذه الشجرة وإن لم تكن هذه الملكة جوهرة فهذه أحسن منها، ثم إنه صار متفكراً في أمرها، وقال في نفسه لأقوم أمسكها وأسألها عن حالها فإن كانت هي فإني أخطبها من نفسها وهذه بغيتي فانتصب قائماً على قدميه، وقال لجوهرة: يا غاية المطلوب من أنت ومن أتى بك إلى هذا المكان؟ فنظرت جوهرة إلى بدر باسم فرأته كأنه الدر إذا ظهر من تحت الغمام الأسود، وهو رشيق القوام مليح الابتسام فقالت له: يا مليح الشمائل أنا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل قد هربت إلى هذا المكان لأن صالحاً وجنوده تقاتلوا مع أبي وقتلوا جنده وأسروه هو وبعض جنده فهربت أنا خوفاً على نفسي، ثم إن الملكة جوهرة قالت للملك بدر باسم: وأنا ما أتيت إلى هذا المكان إلا هاربة خوفاً من القتل ولم أدر ما فعل الزمان بأبي، فلما سمع الملك بدر باسم كلامها تعجب غاية العجب من هذا الاتفاق الغريب وقال: لاشك أني نلت غرضي بأسر أبيها، ثم إنه نظر إليها وقال لها: انزلي يا سيدتي فإني قتيل هواك وأسرتني عيناك وعلى شأني وشأنك كانت هذه الفتنة وهذه الحروب، واعلمي أني أنا بدر باسم ملك العجم وأن صالحاً هو خالي، وهو الذي أتى إلى أبيك وخطبك منه وأنا قد تركت ملكي لأجلك واجتماعنا في هذا الوقت من عجائب الاتفاق، فقومي وانزلي عندي حتى أروح أنا وأنت إلى قصر أبيك، واسأل أخي صالحاً في إطلاقه وأتزوج بك في الحلال.

فلما سمعت جوهرة كلام بدر باسم، قالت في نفسها: على شأن هذا العلق اللئيم كانت هذه القضية وأسر أبي وقتل حجابه وحشمه وشتتني أنا عن قصري وخرجت أنا مسبية في تلك الجزيرة، فإن لم أعمل معه حيلة أحسن منه تمكن مني ونال غرضه لأنه عاشق والعاشق مهما فعل لا يلام عليه فيه، ثم إنها خادعته بالكلام ولين الخطاب وهو لا يدري ما أضمرته له من المكايد وقالت له: يا سيدي ونور عيني هل أنت الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار؟ فقال لها: نعم يا سيدتي.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جوهرة بنت الملك السمندل قالت للملك بدر باسم: هل أنت يا سيدي الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار؟ قال لها: نعم يا سيدتي، فقالت: قطع الله أبي وأزال ملكه ولا جبر له قلباً ولا رد له غربة إن كان يريد أحسن منك وأحسن من هذه الشمائل الظريفة والله إنه قليل العقل والتدبير ثم قالت له: يا ملك الزمان لا تؤاخذ أبي بما فعل وإن كنت أحببتني شبراً فأنا أحببتك ذراعاً، وهذا وقعت في شرك هواك وصرت من جملة فلاك وقد انتقلت المحبة التي كانت عندك وصارت عندي، ما بقي عندك منها إلا معشار ما عندي، ثم إنها نزلت من فوق الشجرة وقربت منه وأتت إليه واعتنقته وضمته إلى صدرها وصارت تقبله، فلما رأى الملك بدر باسم فعلها فيه ازدادت محبته لها واشتد غرامه بها وظن أنها عشقته ووثق بها وصار يضمها ويقبلها، ثم إنه قال لها: يا ملكة والله لم يصف لي خالي ربع ما أنت عليه من الجمال ولا ربع قيراط من أربعة وعشرين قيراطاً، ثم إن جوهرة ضمته إلى صدرها وتكلمت بكلام لا يفهم وتفلت في وجهه وقالت له: اخرج من هذه الصورة البشرية إلى صورة طائر، أحسن الطيور أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين فما تمت كلامها حتى انقلب الملك بدر باسم إلى صورة طائر أحسن نما يكون من الطيور وانتفض ووقف على رجليه، وصار ينظر إلى جوهرة وكان عندها جارية من جواريها تسمى مرسينة، فنظرت إليها وقالت: والله لولا أني أخاف من كون أبي أسيراً عند خاله لقتلته، فلا جزاه الله خيراً فما أضام قدومه علينا فهذه الفتنة كلها من تحت رأسه ولكن يا جارية خذيه واذهبي به إلى الجزيرة المعطشة واتركيه هناك حتى يموت عطشاً، فأخذته الجارية وأوصلته إلى الجزيرة وأرادت الرجوع من عنده ثم قالت في نفسها: والله إن صاحب هذا الحسن والجمال لا يستحق أن يموت عطشاً ثم إنها أخرجته من الجزيرة المعطشة وأتت به إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، فوضعته فيها، ورجعت إلى سيدتها وقالت لها: وضعته في الجزيرة المعطشة.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية رجعت إلى سيدتها وقالت: وضعته في الجزيرة المعطشة. هذا ما كان من أمر بدر باسم.

وأما ما كان من أمر صالح خال الملك بدر باسم فإنه لما احتوى على الملك السمندل وقتل أعوانه وخدمه وصار تحت أسره طلب جوهرة بنت الملك فلم يجدها، فرجع إلى قصره عند أمه وقال: يا أمي أين ابن أختي الملك بدر باسم؟ فقالت: يا ولدي والله ما لي به علم ولا أعرف أين ذهب، فإنه لما بلغه أنك تقاتلت مع الملك السمندل وجرت بينكم الحروب والقتال فزع وهرب.

فلما سمع صالح كلام أمه حزن على ابن أخته، وقال: يا أمي والله إننا قد فرطنا في الملك بدر باسم وأخاف أن يهلك، أو يقع به أحد من جنود الملك السمندل أو تقع به ابنة الملك جوهرة فيحصل لنا من أمه خجل ولا يحصل لنا منها خير لأني قد أخذته بغير اذنها ثم إنه بعث خلفه الأعوان والجواسيس إلى جهة البحر وغيره فلم يقفوا له على خبر فرجعوا وعلوا صالحاً بذلك فزاد همه وغمه وقد ضاق صدره على الملك بدر باسم. هذا ما كان من أمر الملك بدر باسم وخاله صالح، وأما ما كان من أمر أمه الملكة جلنار البحرية فإنها لما نزل ابنها بدر باسم مع خاله صالح انتظرته فلم يرجع إليها وأبطأ خبره عنها فقعدت أياماً عديدة في انتظارهما ثم قامت ونزلت في البحر وأتت أمها، فلما نظرتها أمها قامت إليها وقبلتها واعتنقتا وكذلك بنات عمها، ثم إنها سالت أمها عن الملك بدر باسم فقالت لها: يا بنتي قد أتى هو وخاله ثم إن خاله قد أخذ يواقيت وجواهر، وتوجه بها هو وإياه إلى الملك السمندل وخطب ابنته فلم يجبه وشدد على أخيك في الكلام فأرسلت إلى أخيك نحو ألف فارس ووقع الحرب بينهم وبين الملك السمندل فنصر الله أخاك عليه وقتل أعوانه وجنوده وأسر الملك السمندل فبلغ ذلك الخبر ولدك فكأنه خاف على نفسه فهرب من عندنا بغير اختيارنا ولم يعد إلينا بعد ذلك ولم نسمع له خبراً، ثم إن جلنار سألتها عن أخيها صالح فأخبرتها أنه جالس على كرسي المملكة في محل الملك السمندل وقد أرسل إلى جميع الجهات بالتفتيش على ولدك وعلى الملكة جوهرة. فلما سمعت جلنار كلام أمها حزنت على ولدها حزناً شديداً واشتد غضبها على أخيها صالح لكونه أخذ ولدها ونزل به البحر من غير إذنها ثم إنها قالت: يا أمي إني خائفة على الملك الذي لنا لأني أتيتكم، وما أعلمت أحداً من أهل المملكة وأخشى إن أبطأت عليهم أن يفسد الملك علينا وتخرج المملكة من أيدينا والرأي السيديد أني أرجعو وأسوس المملكة إلى أن يدبر الله لنا أمر، ولا تنسوا ولدي ولا تتهاونوا في أمره فإنه أن حصل له ضرر هلكت لا محالة لأني لا أرى الدنيا إلا به ولا ألتذ إلا بحياته، فقالت: حباً وكرامة يا بنتي لا تسألي عن ما عندنا من فراقه وغيبته ثم إن أمها أرسلت من يفتش عليه، ورجعت أمه حزينة القلب باكية العين إلى المملكة وقد ضاقت بها الدنيا.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة جلنار لما رجعت من عند أمها إلى مملكتها ضاق صدرها واشتد فكرها. هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر الملك بدر باسم فإنه لما سحرته الملكة جوهرة وأرسلته مع جاريتها إلى الجزيرة المعطشة وقالت لها: دعيه فيها يموت عطشاً، لم تضعه الجارية إلا في جزيرة خضراء مثمرة ذات أشجار وأنهار فصار يأكل من الثمار ويشرب من الأنهار، ولم يزل كذلك مدة أيام وليال وهو في صورة طائر لا يعرف أين يتوجه ولا كيف يطير، فبينما هو ذات يوم من الأيام في تلك الجزيرة إذ أتى إلى هناك صياد من الصيادين ليصطاد شيئاً يتقوت به، فرأى الملك بدر باسم وهو في صورة طائر أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين يسبي الناظر ويدهش الخاطر فنظر إليه الصياد فأعجبه وقال في نفسه إن هذا الطائر مليح وما رأيت طائراً مثله في حسنه ولا في شكله ثم إنه رمى الشبكة عليه واصطاده ودخل به المدينة وقال في نفسه: والله العظيم لا أبيعه، ثم إن الصياد ذهب به إلى دار الملك.

فلما رآه الملك أعجبه حسنه وجماله وحمرة منقاره ورجليه فأرسل إليه خادماً ليشتريه منه، فأتى الخادم إلى الصياد وقال له: أتبيع هذا الطائر؟ قال: لا، بل هو للملك هدية مني إليه، فأخذه الخادم وتوجه به إلى الملك وأخبره بما قاله، فأخذه الملك وأعطى الصياد عشرة دنانير، فأخذها وقبل الأرض وانصرف وأتى الخادم بالطائر إلى قصر الملك ووضعه في قفص مليح وعلقه وحط عنده ما يأكل وما يشرب، فلما نزل الملك قال للخادم: أين الطائر؟ أحضره حتى أنظره والله إنه مليح فأتى به الخادم ووضعه بين يدي الملك وقد رأى الأكل عنده لم يأكل منه شيئاً. فقال الملك: والله ما أدري ما يأكل حتى أطعمه ثم أمر بإحضار الطعام فأحضرت الموائد بين يديه فأكل الملك من ذلك، فلما نظر الطير إلى اللحم والطعام والحلويات والفواكه أكل من جميع ما في السماط الذي قدام الملك فبهت له الملك وتعجب من أكله وكذلك الحاضرون ثم قال الملك لمن حوله من الخدام والمماليك: عمري ما رأيت طيراً يأكل مثل هذا الطير ثم أمر الملك أن تحضر زوجته لتتفرج عليه فمضى الخادم ليحضرها، فلما رآها قال لها يا سيدتي إن الملك يطلبك لأجل أن تتفرجي على هذا الطير الذي اشتراه، فإننا لما أحضرنا الطعام طار من القفص وسقط على المائدة وأكل من جميع ما فيها، فقومي يا سيدتي تفرجي عليه فإنه مليح المنظر وهو أعجوبة من أعاجيب الزمان، فلما سمعت كلام الخادم أتت بسرعة، فلما نظرت إلى الطير وتحققته غطت وجهها وولت راجعة، فقام الملك وراءها وقال لها: لأي شيء غطيت وجهك وما عندك غير الجواري والخدم الذين في خدمتك وزوجك؟ فقالت: أيها الملك إن هذا الطير ليس بطائر وإنما هو رجل مثلك، فلما سمع الملك كلام زوجته، قال لها: تكذبين ما أكثر ما تمزحين كيف يكون غير طائر؟ فقالت له: والله ما مزحت معك ولا قلت إلا حقاً إن هذا الطير هو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان صاحب بلاد العجم وأمه الملكة جلنار البحرية.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة الملك لما قالت للملك: إن هذا ليس بطائر، وإنما هو رجل مثلك وهو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان وأمه جلنار البحرية قال لها: وكيف صار على هذا الشكل؟ قالت له: إنه قد سحرته الملكة جوهرة بنت الملك السمندل ثم حدثته بما جرى له من أوله إلى آخره وأنه قد خطب جوهرة من أبيها فلم يرض أبوها بذلك وأن خاله صالحاً اقتتل هو والملك السمندل وانتصر صالح عليه وأسره، فلما سمع كلام زوجته تعجب غاية العجب وكانت هذه الملكة زوجته أسحر أهل زمانها فقال الملك: بحياتي عليك تحليه من السحر ولا تخليه معذباً قطع الله يد جوهرة ما أقبحها وما أقل دينها وأكثر خداعها ومكرها، قالت له زوجته: قل له يا بدر باسم ادخل هذه الخزانة فأمره الملك أن يدخل الخزانة، فلما سمع كلام الملك دخل الخزانة، فقامت زوجة الملك وسترت وجهها وأخذت في يدها طاسة ماء ودخلت الخزانة وتكلمت على الماء بكلام لا يفهم وقالت له: بحق هذه الأسماء العظام والآيات الكرام، وبحق الله تعالى خالق السماوات والأرض ومحيي الأموات وقاسم الأرزاق والآجال، أن تخرج من هذه الصورة التي أنت فيها وترجع إلى الصورة التي خلقك الله عليها، فلم تتم كلامها حتى انتفض نفضة ورجع إلى صورته فرآه الملك شاباً مليحاً ما على وجه الأرض أحسن منه.

ثم إن الملك بدر باسم لما نظر إلى هذه الحالة قال: لا إله إلا الله ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحانه خالق الخلائق ومقدر أرزاقهم وآجالهم ثم إنه قبل يد الملك ودعا له بالبقاء وقبل الملك راس بدر باسم، وقال له: يا بدر باسم حدثني بحديثك من أوله إلى آخره فحدثه بحديثه ولم يكتم منه شيئاً فتعجب الملك من ذلك، ثم قال له: يا بدر باسم قد خلقك الله من السحر فما الذي اقتضاه رأيك وما تريد أن تصنع؟ قال له: يا ملك الزمان أريد من إحسانك أن تجهز لي مركباً وجماعة من خدامك وجميع ما أحتاج إليه فإن لي زماناً طويلاً وأنا غائب وأخاف أن تروح المملكة مني، وما أظن أن والدتي بالحياة من أجل فراقي والغالب على ظني أنها ماتت من حزنها علي لأنها لا تدري ما جرى لي ولاتعرف هل أنا حي أو ميت وأنا اسألك أيها الملك أن تتم إحسانك بما طلبته منك.

فلما نظر الملك إلى حسنه وجماله وفصاحته أجابه وقال له سمعاً وطاعة، ثم إنه جهز مركباً ونقل فيه جميع ما يحتاج إليه، وسير معه جماعة من خدامه فنزل في المركب بعد أن ودع الملك.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم ركب المركب هو وجماعته وودع الملك وساروا في البحر وساعدهم الريح ولم يزالوا سائرين مدة عشرة أيام متوالية، ولما كان اليوم الحادي عشر هاج البحر هيجاناً شديداً وصار المركب يرتفع وينخفض ولم يقدر البحرية أن يمسكوه، ولم يزالوا على هذه الحالة والأمواج تلعب بهم، حتى قربوا إلى صخرة من صخرات البحر فوقعت تلك الصخرة على المركب، فانكسر وغرق جميع ما كان فيه إلا الملك بدر باسم فإنه ركب على لوح من الألواح بعد أن أشرف على الهلاك، ولم يزل ذلك اللوح يجري به في البحر ولا يدري أين هو ذاهب وليس له حيلة في منع اللوح بل سار به مع الماء والريح، ولم يزل كذلك مدة ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع طلع به اللوح على ساحل البحر، فوجد هنالك مدينة بيضاء مثل الحمامة الشديدة البياض وهي مبنية في الجزيرة التي على ساحل البحر، لكنها عالية الأركان مليحة البنيان رفيعة الحيطان البحر يضرب في سوارها، فلما عاين الملك بدر باسم تلك الجزيرة التي فيها هذه المدينة، فرح فرحاً شديداً وكان قد أشرف على الهلاك من الجوع والعطش، فنزل من فوق اللوح وأراد أن يصعد إلى المدينة، فأتت إليه بغال وحمير وخيول عدد الرمل، فصاروا يضربونه ويمنعونه أن يطلع من البحر إلى المدينة، ثم إنه عام خلف تلك المدينة وطلع إلى البر فلم يجد هناك أحداً، فتعجب وقال: يا ترى لمن هذه المدينة وهي ليس لها ملك ولا فيها أحد ومن أين هذه البغال والحمير والخيول التي منعتني من الطلوع، وصار متفكراً في أمره وهو ماش وما يدري أين يذهب ثم بعد ذلك رأى شيخاً بقالاً فلما رآه الملك بدر باسم سلم عليه فرد عليه السلام ونظر إليه الشيخ فرآه جميلاً، فقال له: يا غلام من أين أقبلت ومن أوصلك إلى هذه المدينة؟ فحدثه بحديثه من أوله إلى آخره، فتعجب منه وقال له: يا ولدي أما رأيت أحداً في طريقك؟ فقال له: يا والدي إنما أتعجب من هذه المدينة حيث إنها خالية من الناس، فقال له الشيخ: يا ولدي اطلع الدكان وإلا تهلك فطلع بدر باسم وقعد في الدكان، فقام الشيخ وجاء له بشيء من الطعام وقال له: يا ولدي ادخل في داخل الدكان، فسبحان من سلمك من هذه الشيطانة فخاف الملك بدر باسم خوفاً شديداً، ثم أكل من طعام الشيخ حتى اكتفى وغسل يديه، ونظر إلى الشيخ وقال له: يا سيدي ما سبب هذا الكلام فقد خوفتني من هذه المدينة ومن أهلها، فقال له الشيخ: يا ولدي اعلم أن هذه المدينة مدينة السحرة، وبها ملكة ساحرة كأنها شيطانة وهي كاهنة سحارة غدارة، والحيوانات التي تنظرها من الخيل والبغال والحمير هؤلاء كلهم مثلك ومثلي من بني آدم لكنهم غرباء، لأن كل من يدخل هذه المدينة وهو شاب مثلك، تأخذه هذه الكافرة الساحرة وتقعد معه أربعين يوماً وبعد الأربعين، تسحره فيصير بغلاً أو فرساً أو حماراً أو شيئاً من هذه الحيوانات التي نظرتها على جانب البحر.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ البقال لما حكى للملك بدر باسم وأخبره بحالة الملكة السحارة وقال له: إن كل أهل هذه المدينة قد سحرتهم وأنك لما أردت الطلوع من البحر خافوا أن تسحرك مثلهم فقالوا لك بالإشارة: لا تطلع لئلا تراك الساحرة شفقة عليك فربما تعمل فيك مثل ما عملت فيهم وقال له: إنها قد ملكت هذه المدينة من أهلها بالسحر، واسمها الملكة لاب وتفسيره بالعربي تقويم الشمس.

فلما سمع الملك بدر باسم ذلك الكلام من الشيخ خاف خوفاً شديداً وصار يرتعد مثل القصبة الريحية وقال له: أنا ما صدقت أني خلصت من البلاء الذي كنت فيه من السحر حتى ترميني المقادير في مكان أقبح منه فصار متفكراً في حاله وما جرى له، فلما نظر إليه الشيخ رآه قد اشتد عليه الخوف فقال له: يا ولدي قم واجلس على عتبة الدكان وانظر إلى تلك الخلائق وغلى لباسهم وألوانهم، وما هم فيه من السحر ولا تخف فإن الملكة وكل من في المدينة يحبني ويراعيني ولا يرجفون لي قلباً ولايتعبون لي خاطراً، فلما سمع الملك بدر باسم كلام الشيخ خرج وقعد على باب الدكان يتفرج فجازت عليه الناس فنظر إلى عالم لا يحصى عدده، فلما نظره الناس تقدموا إلى الشيخ وقالوا له: يا شيخ هل هذا أسيرك وصيدك في هذه الأيام؟ فقال لهم: هذا ابن أخي وسمعت أن أباه قد مات فأرسلت خلفه وأحضرته لأطفئ نار شوقي به، فقالوا له: هذا شاب مليح ولكن نحن نخاف عليه من الملكة لاب لئلا ترجع عليك بالغدر، ثم توجهن وإذا بالملكة قد أقبلت في موكب عظيم ومازالت مقبلة إلى أن وصلت إلى دكان الشيخ فرأت الملك بدر باسم وهو جالس على الدكان كأنه البدر في تمامه فلما رأته الملكة لاب حارت في حسنه وجماله واندهشت وصارت ولهانة به ثم أقبلت على الدكان وجلست عند الملك بدرباسم وقالت للشيخ: من أين لك هذا المليح؟ فقال: هذا ابن أخي جاءني عن قريب فقالت: دعه يكون الليلة عندي لأتحدث أنا وإياه قال لها: أتأخذينه مني ولا تسحرينه؟ قالت: نعم قال: احلفي لي فحلفت له أنها لا تؤذيه ولا تسحره ثم أمرت أن يقدموا له فرساً مليحاً مسرجاً ملجماً بلجام من ذهب وكل ما عليه ذهب مرصع بالجواهر ووهبت للشيخ ألف دينار وقالت له: استعن بها، ثم إن الملكة لاب أخذت الملك بدر باسسم وراحت به كأنه البدر في ليلة أربعة عشرة وسار معها وصارت الناس كلما نظروا إليه وإلى حسنه وجماله يتوجعن عليه ويقولون: والله إن هذا الشاب لا يستحق أن تسحره هذه الملعونة والملك بدر باسم يسمع كلام الناس ولكنه ساكت وقد سلم أمره إلى الله تعالى ولم يزالوا سائرين إلى باب القصر.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لم يزل سائراً هو والملكة لاب وأتباعها إلى أن وصلوا إلى باب القصر ثم ترجل الأمراء والخدم وأكابر الدولة وأمرت الحجاب أن يأمروا أرباب الدولة كلهم بالانصراف فقبلوا الأرض وانصرفوا ودخلت الملكة والخدام والجواري في القصر، فلما نظر الملك بدر باسم إلى القصر رأى قصراً لم ير مثله قط وحيطانه مبنية بالذهب وفي وسط القصر بركة عظيمة غزيرة الماء في بستان عظيم فنظر الملك بدر باسم إلى البستان فرأى فيه طيور تناغي بسائر اللغات والأصوات المفرحة والمحزنة وتلك الطيور من سائر الأشكال والألوان، فنظر الملك بدر باسم إلى ملك عظيم فقال: سبحان الله من كرمه وحلمه يرزق من يعبد غيره فجلست الملكة في شباك يشرف على البستان وهي على سرير من العاج وفوق السرير فرش عال وجلس الملك بدر باسم إلى جانبها فقبلته وضمته إلى صدرها ثم أمرت الجواري بإحضار مائدة فحضرت مائدة من الذهب الأحمر مرصعة بالدر والجواهر فيها من سائر الأطعمة فأكلا حتى اكتفيا وغسلا أيديهما، ثم أحضرت الجواري أواني الذهب والفضة والبلور وأحضرت أيضاً جميع أجناس الأزهار وأطباق النقل، ثم إنها أمرت بإحضار مغنيات فحضر عشر جوار كأنهن الأقمار بأيديهن سائر آلات الملاهي ثم إن الملكة ملأت قدحاً وشربته وملأت آخر وناولت الملك بدر باسم إياه، فأخذه وشربه ولم يزالا كذلك يشربان حتى اكتفيا ثم أمرت بالجواري أن يغنين فغنين بسائر اللحان وتخيل للملك بدر باسم أنه يرقص به القصر طرباً فطاش عقله وانشرح صدره ونسي الغربة وقال: إن هذه الملكة شابة مليحة ما بقيت أروح من عندها أبداً لأن ملكها أوسع من ملكي وهي أحسن من الملكة جوهرة ولم يزل يشرب معها إلى أن أمسى المساء وأوقدوا القناديل والشموع وأطلقوا البخور ولم يزالا يشربان إلى أن سكرا والمغنيات يغنين، فلما سكرت الملكة لاب قامت من موضعها ونامت على سرير وأمرت الجواري بالانصراف، ثم أمرت الملك بدر باسم النوم إلى جانبها فنام معها في أطيب عيش إلى أن أصبح الصباح. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسع بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة لما قامت من النوم دخلت الحمام الذي في القصر والملك بدر باسم صحبتها واغتسلا فلما خرجا من الحمام أفرغت عليه أجمل القماش وأمرت بإحضار آلات الشراب فأحضرتها الجواري فشربا ثم إن الملكة قامت وأخذت بيد الملك بدر باسم وجلسا على الكرسي وأمرت بإحضار الطعام فأكلا وغسلا أيديهما، ثم قدمت الجواري لهما أواني الشراب والفواكه والأزهار والنقل ولم يزالا يأكلان ويشربان والجواري تغني باختلاف الألحان إلى المساء ولم يزالا في أكل وشرب وطرب مدة أربعين يوماً ثم قالت له: يا بدر باسم هل هذا المكان أطيب أو دكان عمك البقال؟ قال لها: والله يا ملكة هذا أطيب وذلك أن عمي رجل صعلوك يبيع البقول، فضحكت من كلامه، ثم إنهما رقدا في أطيب حال إلى الصباح فانتبه الملك بدر باسم من نومه فلم يجد الملكة لاب بجانبه فقال: يا ترى أين راحت؟ وصار مستوحشاً من غيبتها ومتحيراً في أمره وقد غابت عنه مدة طويلة ولم ترجع فقال في نفسه: أين ذهبت ثم إنه لبس ثيابه وصار يفتش عليها فلم يجدها فقال في نفسه: لعلها ذهبت إلى البستان فرأى فيه نهراً جارياً وبجانبه طيرة بيضاء وعلى شاطئ ذلك النهر شجرة وفوقها طيور مختلفة الألوان فصار ينظر إلى الطيور والطيور لا تراه وإذا بطائر أسود نزل على تلك الطيرة البيضاء فصار يزقها زق الحمام ثم إن الطير الأسود وثب على تلك الطيرة ثلاث مرات، ثم بعد ساعة انقلبت تلك الطيرة في صورة بشر فتأملها وإذا هي الملكة لاب فعلم أن الطائر الأسود إنسان مسحور وهي تعشقه وتسحر نفسها طيرة ليجامعها فأخذته الغيرة واغتاظ على الملكة لاب من أجل الطائر السود ثم إنه رجع إلى مكانه ونام على فراشه وبعد ساعة رجعت إليه وصارت الملكة لاب تقبله وتمزح معه وهو شديد الغيظ عليها فلم يكلمها كلمة واحدة فعلمت ما به وتحققت أنه رآها حين صارت طيرة وكيف واقعها ذلك الطير فلم تظهر له شيئاً بل كتمت ما بها.

فلما قضى حاجته قال لها: يا ملكة أريد أن تأذني لي في الرواح إلى دكان عمي فإني قد تشوقت إليه ولي أربعون يوماً ما رأيته فقالت له: رح إليه ولا تبطئ علي فإني ما أقدر أن أفارقك ولا أصبر عنك ساعة واحدة فقال سمعاً وطاعة، ثم إنه ركب ومضى إلى دكان الشيخ البقال فرحب به وقام إليه وعانقه وقال له: كيف أنت مع هذه الكافرة؟ فقال له: كنت طيباً في خير وعافية إلا أنها كانت في هذه الليلة نائمة في جانبي فاستيقظت فلم أرها فلبست ثيابي ودرت أفتش عليها إلى أن أتيت إلى البستان وأخبره بما رآه من النهر والطيور التي كانت فوق الشجرة، فلما سمع الشيخ كلامه قال له: احذر منها واعلم أن الطيور التي كانت على الشجرة كلها شبان غرباء عشقتهم وسحرتهم طيوراً وذلك الطائر الأسود الذي رأيته كان من جملة مماليكها وكانت تحبه محبة عظيمة، فمد عينه إلى بعض الجواري فسحرته في صورة طائر أسود.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة العاشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بدر باسم لما حكى للشيخ البقال بجميع حكايات الملكة لاب رآه أعلمه الشيخ أن الطيور التي على الشجر كلها شبان غرباء وسحرتهم وكذلك الطير الأسود كان من مماليكها وسحرته في صورة طائر اسود، وكلما اشتاقت إليه تسحر نفسها طيرة ليجامعها لأنها تحبه محبة عظيمة، ولما علمت أنك علمت بحالها أضمرت لك السوء ولا تصفو لك ولكن ما عليك بأس منها ما دمت أراعيك أنا فلا تخف فإني رجل مسلم واسمي عبد الله وما في زماني أسحر مني، ولكني لا أستعمل السحر إلا عند اضطراري إليه، وكثير ما أبطل سحر هذه الملعونة وأخلص الناس منها ولا أبالي بها لأنها ليس لها علي سبيل بل هي تخاف مني خوفاً شديداً، وكذلك كل من كان في المدينة ساحر مثلها على هذا الشكل يخافون مني وكلهم على دينها يعبدون النار دون الملك الجبار فإذا كان الغد تعال عندي واعلمني بما تعمله معك فإنها في هذه الليلة تسعى في هلاكك. وأنا أقول لك على ما تفعله معها حتى تتخلص من كيدها، ثم إن الملك بدر باسم ودع الشيخ ورجع إليها فوجدها جالسة في انتظاره فلما رأته قامت إليه وأجلسته ورحبت به وجاءت له بأكل وشرب فأكلا حتى اكتفيا ثم غسلا أيديهما ثم أمرت بإحضار الشراب فحضر وصارا يشربان إلى نصف الليل ثم مالت عليه بالأقداح وصارت تعاطيه حتى سكر وغاب عن حسه وعقله فلما رأته كذلك قالت له: بالله عليك وبحق معبودك إن سألتك عن شيء هل تخبرني عنه بالصدق وتجيبني إلى قولي؟ فقال لها: وهو في حالة السكر: نعم يا سيدتي. فقالت له: لما استيقظت من نومك ولم ترني وفتشت علي وجئتني في البستان ورأيت الطائر الأسود الذي وثب علي، فأنا أخبرك بحقيقة هذا الطائر إنه كان من مماليكي وكنت أحبه محبة عظيمة فتطلع يوماً لجارية من الجواري، فحصلت لي غيرة وسحرته في صورة طائر أسود وأما الجارية فإني قتلتها، وإني إلى اليوم لا أصبر عنه ساعة واحدة وكلما اشتقت إليه أسحر نفسي طيره وأروح إليه لينط علي ويتمكن مني كما رأيت أما أنت لأجل هذا مغتاظ مني مع أني وحق النار والنور والظل والحرور قد زدت فيك محبة وجعلتك نصيبي من الدنيا، فقال وهو سكران: إن الذي فهمته من غيظي بسبب ذلك صحيح، وليس لغيظي سبب غير ذلك فضمته وقبلته وأظهرت له المحبة ونامت ونام الآخر بجانبها فلما كان نصف الليل قامت من الفراش والملك بدر باسم منتبه، وهو يظهر أنه نائم وصار يسارق النظر وينظر ما تفعل، فوجدها قد أخرجت من كيس أحمر شيئاً أحمر وغرسته في وسط القصر فإذا هو صار نهارً يجري مثل البحر، وأخذت كبشة شعير بيدها وأبذرتها فوق التراب، وسقته من هذا الماء فصار زرعاً مسنبلاً فأخذته وطحنته دقيقاً ثم وضعته في موضع ورجعت نامت عند الملك بدر باسم إلى الصباح.

فلما أصبح الصباح قام الملك بدر باسم وغسل وجهه ثم استأذن من الملكة في الرواح إلى الشيخ فأذنت له، فذهب إلى الشيخ وأعلمه بما جرى منها وما عاين فلما سمع الشيخ كلامه ضحك، وقال: والله إن هذه الكافرة الساحرة قد مكرت بك ولكن لا تبال بها أبداً.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الحادية عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ قال لبدر باسم: إن الساحرة قد مكرت بك ولكن لا تبال بها أبداً، ثم أخرج له قدر رطل سويقاً وقال له: خذ هذا معك، واعلم أنها إذا رأته تقول لك: ما هذا وما تعمل به؟ فقل لها: زيادة الخير خيرين وكل منه فإذا أخرجت هي سويقها وقالت لك: كل من هذا السيوق فأرها أنك تأكل منه، وكل من هذا وإياك أن تأكل من سويقها شيئاً ولو حبة واحدة فإن أكلت منه ولو حبة واحدة فإن سحرها يتمكن منك فتسحرك وتقول لك اخرج من هذه الصورة البشرية فتخرج من صورتك إلى أي صورة أرادت وإذا لم تأكل منه، فإن سحرها يبطل ولا يضرك منه شيء فتخجل غاية الخجل، وتقول لك: إنما أنا أمزح معك وتقر لك بالمحبة والمودة وكل ذلك نفاق ومكر منها فأظهر لها أنت المحبة وقل لها: يا سيدتي ويا نور عيني كلي من هذا السويق وانظري لذته، فإذا أكلت منه ولو حبة واحدة فخذ في كفك ماء واضرب به وجهها وقل لها اخرجي من هذه الصورة البشرية إلى أي صورة أردت، ثم خليها وتعال حتى أدبر لك أمراً، ثم ودعه الملك بدر باسم وسار إلى أن طلع القصر ودخل عليها. فلما رأته قالت: أهلاً وسهلاً ومرحباً ثم قامت له وقبلته وقالت له: أبطأت علي يا سيدي فقال لها: كنت عند عمي، ورأى عندها سويقاً فقال لها وقد أطعمني عمي من هذا السويق فقالت: عندنا سويقاً أحسن منه، ثم إنها حطت سويقه في صحن وسويقها في صحن آخر وقالت له: كل من هذا فإنه أطيب من سويقك فأظهر لها أنه يأكل منه فلما علمت أنه أكل منه، أخذت في يدها ماء ورشته به وقالت له: اخرج من هذه الصورة يا علق يا لئيم وكن في صورة بغل أعور قبيح المنظر فلم يتغير، فلما رأته على حاله لم يتغير قامت له وقبلته بين عينيه، وقالت له: يا محبوبي إنما كنت أمزح معك فلا تتغير علي بسبب ذلك فقال لها: يا سيدتي ما تغيرت عليك أصلاً بل أعتقد أنك تحبينني فكلي من سويقي هذا فأخذت منه لقمة وأكلتها، فلما استقرت في بطنها اضطربت فأخذ الملك بدر باسم في كفه ماء ورشها به في وجهها، وقال لها: اخرجي من هذه الصورة البشرية إلى صورة بغلة زرزورية، فما نظرت نفسها إلا وهي في تلك الحالة فصارت دموعها تنحدر على خديها وصارت تمرغ خديها على رجليه فقام يلجمها فلم تقبل اللجام فتركها وذهب إلى الشيخ وأعلمه بما جرى فقام الشيخ وأخرج له لجاماً وقال: خذ هذا اللجام وألجمها به فأخذه وأتى عندها. فلما رأته تقدمت إليه وحط اللجام في فمها، وركبها وخرج من القصر وتوجه إلى الشيخ عبد الله فلما رآها قام لها وقال لها: أخزاك الله تعالى يا ملعونة ثم قال له الشيخ: يا ولدي ما بقي لك في هذه البلاد إقامة، فاركبها وسر بها إلى أي مكان شئت وإياك أن تسلم اللجام إلى أحد، فشكره الملك بدر باسم وودعه وسار ولم يزل سائراً ثلاثة أيام ثم أشرف على مدينة فلقيه شيخ مليح الشيبة فقال له: يا ولدي من أين أقبلت؟ قال: من مدينة هذه الساحرة، قال: أنت ضيفي في هذه الليلة، فأجابه، وسار معه في الطريق وإذا بامرأة عجوز فما نظرت البغلة حتى بكت وقالت: لا إله إلا الله إن هذه البغلة تشبه بغلة ابني التي ماتت وقلبي مشوش عليها فبالله عليك يا سيدي أن تبيعني إياها فقال لها: والله يا أمي ما أقدر أن أبيعها قالت له: بالله عليك لا ترد سؤالي، فإن ولدي إن لم أشتر هذه البغلة ميت لا محالة، ثم إنها أغلظت عليه في السؤال فقال: ما أبيعها إلا بألف دينار فعند ذلك أخرجت من حزامها ألف دينار، فلما نظر الملك بدر باسم إلى ذلك قال لها: يا أمي أنا أمزح معك وما أقدر أن أبيعها، فنظر إليه الشيخ وقال له: يا ولدي إن هذه البلاد ما يكذب فيها أحد وكل من يكذب في هذه البلاد قتلوه فنزل الملك بدر باسم من فوق البغلة.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لما نزل من فوق البغلة وسلمها إلى المرأة العجوز، أخرجت اللجام من فمها وأخذت في يدها ماء ورشتها وقالت: يا بنتي اخرجي من هذه الصورة إلى الصورة التي كنت عليها فانقلبت في الحال وعادت إلى صورتها الأولى، وأقبلت كل واحدة منهما على الأخرى، وتعانقتا فعلم الملك بدر باسم إن هذه العجوز أمها وقد تمت الحيلة عليه فأراد أن يهرب وإذا بالعجوز صفرت فتمثل بين يديها عفريت كأنه الجبل العظيم، فخاف الملك بدر باسم ووقف فركتب العجوز على ظهره وأردفت بنتها خلفها وأخذت الملك بدر باسم قدامها، وطار بهم العفريت فما مضى عليهم غير ساعة حتى وصلوا إلى قصر الملكة لاب، فلما جلست على كرسي المملكة التفتت إلى الملك بدر باسم وقالت له: يا علق قد وصلت إلى هذا المكان ونلت ما تمنيت، وسوف أريك ما أعمل بك وبهذا الشيخ البقال فكم أحسنت له وهو يسوءني وأنت ما وصلت إلى مرادك إلا بواسطته ثم أخذت ماء ورشته به وقالت له: اخرج عن هذه الصورة التي أنت فيها إلى صورة طائر قبيح المنظر اقبح ما يكون من الطيور، فانقلب في الحال وصار طيراً قبيح المنظر فجعلته في قفص وقطعت عنه الأكل والشرب فنظرت إليه جارية فرحمته وصارت تطعمه وتسقيه بغير علم الملكة ثم إن الجارية وجدت سيدتها غافلة في يوم من الأيام فخرجت وتوجهت إلى الشيخ البقال وأعلمته بالحديث وقالت له: إن الملكة لاب عازمة على إهلاك ابن أخيك فشكرها الشيخ وقال لها: لابد أن آخذ المدينة منها وأجعلك ملكة عوضاً عنها. ثم صفر صفرة عظيمة فخرج عفريت له أربعة أجنحة فقال له: خذ هذه الجارية وامضر بها إلى مدينة جلنار البحرية، وأمهما فراشة فإنهما أسحر من يوجد على وجه الأرض، وقال للجارية: إذا وصلت إلى هناك فأخبريهما بأن الملك بدر باسم في أسر الملكة لاب فحملها العفريت وطار بها، فلم يكن إلا ساعة حتى نزل بها العفريت على قصر الملكة جلنار البحرية، فنزلت الجارية من فوق سطح القصر وقبلت الأرض بين يديها وأعلمتها بما جرى لولدها من أوله إلى آخره فقامت إليها جلنار وأكرمتها وشكرتها، ودقت البشائر في المدينة وأعلمت أهلها وأكابر دولتها بأن الملك بدر باسم قد وجد، ثم إن جلنار البحرية وأمها فراشة وأهاها صالحاً أحضروا جميع قبائل الجان وجنود البحر لأن ملوك الجان قد أطاعوهم بعد أسر الملك السمندل ثم إنهم طاروا في الهواء ونزلوا على مدينة الساحرة ونهبوا القصر وقتلوا من فيه، ونهبوا المدينة وقتلوا جميع ما كان فيها من الكفرة في طرفة عين، وقالت للجارية: أين ابني؟ فأخذت الجارية القفص وأتت به بين يديها وأشارت إلى الطائر الذي هو فيه وقالت: هذا هو ولدك فأخرجته الملكة جلنار من القفص، ثم أخذت بيدها ماء ورشته به وقالت له: اخرج من هذه الصورة التي كنت عليها فلم تتم كلامها حتى انتفض وصار بشراً كما كان.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة عشرة بعد السبعمائة  قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بدر باسم لما رشت أمه عليه الماء صار بشراً كما كان، فلما رأته على صورته الأصلية قامت إليه واعتنقته فبكى بكاء شديداً، وكذلك خاله صالح وجدته فراشة وبنات عمه وصاروا يقبلون يديه ورجليه ثم إن جلنار أرسلت خلف الشيخ عبد الله وشكرته على فعله الجميل مع ابنها وزوجته بالجارية التي أرسلها إليها بأخبار ولدها ودخل بها ثم جعلته ملك تلك المدينة، وأحضرت ما بقي من أهل المدينة من المسلمين وبايعتهم للشيخ عبد الله وعاهدتهم وحلفتهم أن يكونوا في طاعته وخدمته فقالوا سمعاً وطاعة ثم إنهم وعدوا الشيخ عبد الله وساروا إلى مدينتهم فلما دخلوا قصرهم تلقهاهم أهل مدينتهم بالبشائر والفرح وزينوا المدينة ثلاثة أيام لشدة فرحهم بملكهم بدر باسم وفرحوا فرحاً شديداً ثم بعد ذلك قال الملك بدر باسم لأمه: يا أمي ما بقي إلا أن أتزوج ويجتمع شملنا ببعضنا أجمعين، ثم أرسلت في الحال من يأتيها بالملك السمندل فأحضروه بين يديها ثم أرسلت إلى بدر باسم فلما جاء بدر باسم أعلمته بمجيء السمندل فدخل عليه فلما رآه الملك السمندل مقبلاً قام له وسلم عليه ورحب به، ثم إن الملك بدر باسم خطب منه ابنته جوهرة فقال له: هي في خدمتك وجاريتك وبين يديك فعند ذلك أحضروا القضاة والشهود وكتبوا كتاب الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار البحرية على الملكة جوهرة بنت الملك السمندل وأهل المدينة زينوها وأطلقوا البشائر وأطلقوا كل من في الحبوس، وكسى الملك الأرامل والأيتام وخلع على أرباب الدولة والأمراء والأكابر، ثم أقاموا الفرح العظيم وعملوا الولائم وأقاموا في الأفراح مساء وصباحاً مدة عشرة أيام وأدخلوها على الملك بدر باسم بتسع خلع ثم خلع الملك بدر باسم على الملك السمندل ورده إلى بلاده وأهله وأقاربه ولم يزالوا في ألذ عيش وأهنأ أيام يأكلون ويشربون وتنعمون إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهذا آخر حكايتهم رحمة الله عليهم أجميعن.