أحمد مراد: لابد أن يكون كاتب النص قارئا جيدا

الفجر الفني

بوابة الفجر


للكتابة لذة لا يتذوقها إلا من داوم عليها، وعمل على ملازمتها، حتى صارت همه الذي يشغل جل تفكيره، هذا الأمر قاد إلى طرح العديد من التساؤلات في الأوساط الأدبية، التي تدور حول ظاهرة الابتهاج بالنص الأدبي، ومدى إمكانية الكاتب الاحتفاء بما خطه يراعه من إبداعات وروائع، والكيفية التي يتم بها هذا الابتهاج.

جميع هذه المحاور وغيرها نالت حظها من النقاش في الأمسية الثقافية التي استضافها ملتقى الأدب ضمن فعاليات الدورة الـ 36 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، تحت عنوان "بهجات من لذة النص إلى عذوبة الإبداع"، واستضافت كلاً من الروائي السعودي الدكتور محمد حسن علوان، والروائي المصري أحمد مراد، وأدارها الشاعر محمد أبو عرب.

وبدأ أحمد مراد حديثه بالتأكيد أنه لا يغوص في أعماق أي نص إبداعي ولا يستمر في إنجازه، ما لم يجد فيه الشعور باللذة والاستمتاع، لافتاً إلى أهمية أن يكون كاتب النص قارئاً جيداً قبل أن يكون كاتباً، لكون القراءة تضيف للراوي والمؤلف الكثير من المفردات والأفكار التي تكتمل معها جماليات النص.

وأضاف مراد: "التحدي الكبير الذي يواجهني أثناء كتابة أي نص يتمثل في إمكانية قدرتي على المحافظة على حالة الشغف والتشويق التي يصنعها النص في مخيلة القارئ، بجانب الوصول إلى ما أود كتابته وأعبر عنه ضمنياً، حيث هنا تكمن عبقرية الكتابة، وأعني بذلك تحقيق لذة الكتابة مع جذب القارئ وتحفيزه على إكمال النص، واعتبر أن احتفاظ العمل برونقه وسحره على امتداد سنوات طويلة هي من أهم مؤشرات نجاحه".

من جانبه، قال الدكتور محمد حسن علوان: "أرى أن رواية موت صغير هي من أكثر أعمالي التي شعرت معها باللذة، وبالرغم من أنه يعتبر من أكبر أعمالي حجماً، وبلغ هذا الاستمتاع أعلى درجاته، حتى شرعت في صباح أحد الأيام لمواصلة كتابتي، لاكتشف بعدها أنني قد أنهيت العمل في الليل ودفعت به إلى الناشر، فـ"موت صغير" هي من الأعمال التي تمنيت ألا تكتمل فصولها، وأن أظل مواصل في سرد أحداثها، ومن جانبي أعتبر أن ممارسة الكتابة في حد ذاته أعلى درجةً من اللذة، وأنظر إليها على أنها جلسات علاج اختياري، أحرص دائماً على القيام بها، فلولا الكتابة لما استطعت على تكاليف الحياة".

وعن سؤال أثارته الجلسة حول اللغة المستخدمة ودورها في الوصول إلى اللذة، قال مراد:" اللغة هي الوعاء الرئيس الذي يستوعب فكرة النص، والتي من خلالها يتم ترجمة السيناريوهات، وهي بالنسبة للكاتب بمثابة عصا الساحر التي يصعب عليه التحرك بدونها، كما أنها مثل سيف ساموراي فكلما زاد صهرها زاد لمعانها وثرائها وبريقها، وفي كتاباتي أهتم كثيراً بالبحث في اللغة العربية لإيجاد مفردات تتناسب مع طبيعة النص، والبيئة التي أنتجته، كما حدث في رواية الفيل الأزرق التي دفعتني إلى إجراء عمليات بحث موسعة في مكتبات متخصصة في الطب النفسي، وزيارات عيادات طبية ومستشفيات في هذا المجال".

بدوره، كشف محمد علوان أن علاقته مع اللغة تعتبر علاقة حب وكراهية وأضاف: "يعود ذلك إلى أن أول محاولاتي في الكتابة كانت عن طريق الشعر الذي كنت أعتبره الجنس الأدبي الوحيد الذي سأكتب به، وعندما حاولت الدخول إلى عالم الرواية لم أستطع التخلص من اللغة الشعرية في كتابة السرد، وهو ما أدى إلى إثارة نقاش كبير حول الأسلوب الذي كتبت به روايتي الأولى "سقف الكفاية" حيث اعتبرها البعض فتح جديد في الكتابة، فيما اعتبره البعض الأخر خروج عن السياق المألوف وتشويه للأسلوب السردي".

وأضاف علوان: "وفي روايتي الثانية صوفيا، التي صدرت في العام 2004 لم أستطع أيضاً الخروج من الأسلوب الشعري، الذي لاحقني أيضاً في طوق الطهارة التي صدرت في العام 2007، قبل أن تأتي القندس بأسلوب مختلف عن الثلاث روايات الأولى، حيثُ كتبتها بأسلوب ساخر أو ما يعرف بالكوميديا السوداء، وحاولت فيها التحدث بأسلوب جديد والتخلص من لغة الشعر، والذي لا أعتبر نفسي قد نجحتُ فيه إلى في موت صغير".

وحول أكثر اللحظات التي يصل فيها الكاتب إلى اللذة والاستمتاع، أشار مراد إلى أنه يصل إلى هذه الدرجة عندما يجد أن أحد نصوصه أثار في شخص غير مهتم بالكُتب شغف القراءة. أما علوان فيعتبر أن التفاعل والنقاش المباشر مع الجمهور من خلال وسائل الاتصال الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الأشياء التي تُشعر الكاتب بقيمة ما يكتب سواء أن كان النقاش حول النص المطروح سلباً أو إيجاباً، ولفت إلى أن هذا النوع من التواصل مع القراء يبرز في كثير من الأحيان جوانب لم يفطن لها الكاتب من قبل.