د. رشا سمير تكتب: رسالة من أرض السلام

مقالات الرأي




سألنى: «ماهى الفائدة التى سوف تعود على بلادكم من هذا المنتدى؟».

سألته: «من أى بلد أتيت؟».

رد باعتزاز كبير: «إثيوبيا».

أجبته: «هذا المنتدى رسالة إلى العالم مُفادها أن مصر فى وقت سقطت فيه الكثير من الدول، وفى توقيت تعثر فيه الاقتصاد وحاوطنا الإرهاب من كل اتجاه، استطاعت مصر أن تنظم مؤتمرا بهذا الحجم يحتضن دول العالم كله فى شرم الشيخ، بل استطاعت أن تؤمن المنطقة وتنظم وتخطط لحدث كبير وتثبت للعالم كله أنها رُمانة ميزان المنطقة العربية بأكملها»

«لكن أنفقتم الكثير فهل هناك عائد اقتصادى لذلك؟»

أجبته: «يا صديقى..لقد التقيت فتاة من الكاميرون اليوم، قالت لى إنها قبل أن تأتى لمصر كانت تتصور أن مصر معقل الإرهاب وأن الشباب المصرى لا يمتلكون مصائرهم وان المرأة المصرية مقهورة، فإذا بها تكتشف عكس ذلك، ومن ثم فقد قررت أن تقنع كل اصدقائها الذين ترددوا طويلا فى زيارة مصر أن يأتوا لشرم الشيخ التى أبهرتها..هذا ببساطة هو الرد على سؤالك، الدعاية لمصر تعنى السياحة والسياحة تعنى الاقتصاد القومى»

تردد قليلا ثم عاد يقول:

« فى إثيوبيا، نشعر أنكم لا تنتمون إلى قارتنا، نشعر بأنكم تتجاهلون وجودنا ولم نصدق ما جرى فى الاجتماع الشهير الذى قاده رئيسكم محمد مُرسى ومعاونوه واقترحوا فيه ضرب سد النهضة بالطيارات!»

قلت له مُعترضة: « أولا محمد مُرسى لم يكن رئيسنا، كان رئيسا لعشيرته وجماعته، وما قاله فى هذا الاجتماع السرى العلنى! كان محط احتقار واستنكار كل المصريين».

قال: «أخبرنى أصدقائى فى إثيوبيا أنكم تمولون الجماعات المُعارضة فى إثيوبيا لمحاربتنا وهذا ما يجعلنا نتمسك ببناء السد».

ابتسمت وقلت له: «رئيسنا رجل عسكرى، يُدرك قيمة الوطن ولا يسمح لأحد بالتدخل فى شأننا الداخلى ولن يسمح لنفسه بالتدخل فى شئون الدول الأخرى..أتحداك لو استطعت أن تثبت لى ما تقوله بالمستندات»

رد: «الحقيقة لا أمتلك سوى ثرثرة الأصدقاء»

بادرته بسؤالى: « كيف جئت إلى هنا؟»

رد قائلا: « عرفت عن المنتدى من إحدى صديقاتى التى تعمل بالمكتب الصحفى، فقد وجدت الإعلان على أحد المواقع المهتمة بالشباب، وبالفعل قدمت عن طريق الإنترنت»

قلت: «وقبلوك..قبلوك دون قيود ولا شروط ولا حتى توصيات، ولم يرفضوك لأنك إثيوبى أو مُعارض»

هز رأسه علامة الإيجاب وقال: «نعم»

قلت: «هذه هى الرسالة يا صديقى..وهذا هو مكسب المنتدى، المكسب أنك هنا اليوم..ومرحبا بك فى بيتك..مصر»

ابتسم الشاب وشكرنى على التوضيح الذى كان يحتاجه، شكرٌ ترجمته عيناه فى رسالة احترام وامتنان، ثم قضينا السهرة مع مجموعة شباب وشابات من الإمارات والبحرين والكاميرون وروسيا ندندن على نغمات الموسيقى التى جمعتنا معا بلغة واحدة هى لغة الحياة.

هذه المُحادثة التى دارت بينى وبين الشاب الإثيوبى هى فى اعتقادى واحدة من محادثات كثيرة كانت تدور حولى طوال الوقت بين الشباب على هامش الجلسات، فالجلسات اتجهت بشكل أكبر للمتحدثين الكبار فى السن والمقام، حتى لو أديرت بنجاح فلازال ينقصها التواجد الشبابى بشكل أوضح..لكن الحوارات التى كان يتبادلها الشباب فى الحافلات وفى الاستراحات هى فى اعتقادى كانت الأهم والثمرة الحقيقية للمؤتمر، فهى تحمل كل الآراء والاختلافات خصوصا تلك التى لم يستطيعوا البوح بها أمام الكاميرات..

الإيجابيات كثيرة والسلبيات موجودة وهى التى نتمنى تفاديها فى المرات القادمة، تنظيم يشوبه بعض الهفوات ولكن الحقيقة أن المنظمين لم يذوقوا طعم النوم، والتحية كل التحية لجنود وضباط الشرطة والجيش الذين افترشوا الشوارع مدججين بالسلاح من أجل تأمين قوى وواع..

ليت المدعوين فى المرات القادمة يكونوا أقل عددا حتى يتسنى لنا التنظيم بشكل أفضل وحتى يتم تقليل حجم التكاليف، ومازلت أدعو الدولة أن تبحث عن الشباب المُعارض الذى يتبنى أفكارا خاطئة حتى ندمجه فى حوار نضمن به تصحيح مفاهيمه، فاستقطاب الحانقين أهم بكثير من احتضان المؤيدين..

كما أن مُتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر واجب الشباب المُشارك ونقل ما تعلموه لزملائهم وأصدقائهم هى التوصية الأهم، فمازال هناك شباب كُثر بعيد عن المشاركة.

الحقيقة أن منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ فكرة محترمة ورسالة مهمة فى توقيت حرج..وبعيدا عن الهجوم المُطلق ولا التأييد فى المُطلق..دعونا نُغمض أعيننا ونحلم لوطننا بالريادة.