قصة "طايع بك" صاحب أقدم ساحة بالأقصر.. أنشأها للفقراء وتحتوي على مقتنيات أثرية (صور)

محافظات

ساحة طايع بك
ساحة طايع بك


هناك العديد من الشخصيات التي رحلت عن دنيانا، ولم يعلم الكثير عن حياتهم التي أصبحت تاريخًا يحتذى به، لما قدموه من أعمال وطنية وخيرية، وصارت متعلقاتهم الشخصية، آثارًا إن علمت عنها الجهات المعينة لقامت بضمها ضمن المقتنيات الأثرية الهامة في مصر.

ومن بين تلك الشخصيات، "طايع بك سلامة" الذي أنشأ أقدم ساحة في محافظة الأقصر بعهد الخديوي اسماعيل، بغرض خدمة الفقراء والمحتاجين، وأوقف لها 60 فدانًا ليتم الصرف عليها من ريعهم.

حفظه للقرآن في سن صغير وبناء ديوان للفقراء

ولد طايع سلامة عوض عام 1837، في عهد محمد علي باشا، وحفظ القرءان الكريم عن عمر يناهز العشر سنوات، ليلتحق بالأزهر الشريف ويكمل دراسته به، ثم شرع في بناء ساحته عام 1866، والتي استمر العمل بها طيلة 10 سنوات، لتكون ملجئً للفقراء والمساكين والمحتاجين.

ويقول محمد عبد الواسع أحد أحفاد "طايع بك" لـ" الفجر"، أن بناء الساحة بدأ بإنشاء مسجد بالطوب اللبن على الطراز الإسلامي، وبجواره بئر للوضوء، وبخلفه ديوان الفقراء لإطعامهم طوال أيام العام، مشيرًا إلى أن الغرض من بناءه خلف المسجد وليس أمامه أو في مكان ظاهر، لعدم شعورهم بالحرج عند الدخول خشية أن يراهم أحد.

ويضيف عبد الواسع، كما تضمن إنشاء الساحة في ذلك الوقت، بناء غرفة كبيرة للاستقبال تحتوي على مجموعة من الكنب لجلوس الضيوف، تحتوي حوائطها على رسومات ذات الطراز الأندلسي، قام برسمها فنان مغربي من مدينة فاس، بألوان خلطت بالبيض لتثبيتها والتي ظلت محفوظة حتى الآن، وبجوارها استراحة خاصة بها 5 أسرة نحاسية مرفق بكل واحدة منهما الناموسية الخاصة بها، وتسريحة أخرى على الطراز البلجيكي، بالإضافة إلى تسريحتين آخرتين أهداها له أحد أمراء بلجيكا عام 1876، وصينية نحاسية بها نقوش فرعونية.

وقفه 60 فدانًا و400 نخلة لإطعام الفقراء حتى قيام الساعة

وأوضح حفيد "طايع بك"، أنه بعد الانتهاء من بناء الساحة أوقف لها 60 فدانًا، و400 نخلة مثمرة لتصرف عليها، وفي عام 1867 تولى منصب شيخ مشايخ العرب بالأقصر في الثلاثين من عمره، كما حصل على لقب أفندي عقب الانتهاء من مرحلة التعليم العالي، قبل أن يعين عمدة لقرية القبلي قمولا عام 1870.

حصوله على عضوية البرلمان والبكوية

ويشير إمام سلامة أحد الأحفاد أيضًا، إلى أنه عند تشكيل الخديوي اسماعيل مجلس شورى النواب، عام 1866، اختير طايع أفندي عضوًا بدورته الثالثة، في عام 1876، وحصل على رتبة شرفية عسكرية عام 1879 "أميرالاي" لمشاركته في فض المنازعات، وأعماله الخيرية، بالإضافة إلى تكليفه للذهاب إلى أعالي النيل بجنوب السودان على رأس بعثة لتفقد أحوال الرعايا واحتياجاتهم، وعندما أنشأ مجلس النواب المصري عام 1881، حصل على عضويته بالانتخاب بعهد الخديوي توفيق، ليحصل بعدها على لقب البكوية.

وفاة "طايع بك" ووصيته

و تابع، في عام 1900 توفى طايع بك سلامة، تاركًا خلفه وصيته المتواجدة حتى الآن بأن الساحة للفقراء والمساكين والأرامل والمطلقات، ولكل محتاج من ورثته، من أبناء وأحفاد، لعدم لجوئهم لأية جهة أخرى تعينهم في توفير نفقاتهم الشخصية، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ودفن بقبره الذي بناه بجوار ديوان الفقراء، كما دفن معه بعد ذلك ابنه الحفني في ثلاثينيات القرن الماضي، وحفيده عبد الباسط عام 2009، بتصريح من مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف لفتح المقبرة.

إهمال الأوقاف في ساحته بعد ضمها

ويوضح أحمد محمد رشدي حفيد "طايع بك"، أن من بين المستندات التي حصلوا عليها، شكوى لوزير الأوقاف عام 1978، من ورثته، تفيد بأن جده الأكبر، أوقف ستون فدانًا كوقف خيري على المسجد والمضيفة ومقبرته، والتي تم تسجيلها بمحكمة الأقصر الشرعية عام 1917 من ابناءه، مشترطًا أن يكون أحد أبناءه ناظرًا عليها، ومن ثم أحفاده إلى أن يرث الله من عليها، حفاظًا على كيان الأسرة وضمانًا لحماية المضيفة وإقامة الشعائر الدينية بالمسجد، والاحتفالات الرسمية الدينية، والموسمية بمضيفته، وحماية لمن يحنو عليه الدهر من ذريته ليجد له دارًا تأويه، لألا يؤول لأية جهة كانت بخلاف أسرته.

وكشفت الشكوى عن ضم وزارة الأوقاف للأرض الموقوفة عام 1959 وتأجيرها لغير الورثة، الذين حرموا من حق الانتفاع الزراعي بها، بالإضافة إلى تهدم المضيفة التي تأوي المساكين والأرامل، وعدم رعاية شروط الواقف، مطالبين بصرف مبلغ مالي لإنقاذ المضيفة من الانهيار، والتي لم تستجب لها الوزارة حتى الوقت الحالي.

وأكد قيام الوزارة بتجديد المسجد عام 2006، مع الاحتفاظ بالحائط الأمامي الذي يحتوي على الطراز الأندلسي، وضم ديوان الفقراء له لتوسعته، بعد العديد من المطالبات، ولكن تبقى المضيفة التي تحتوي على مقتنيات قديمة مهددة بالانهيار دون النظر إليها.

وأشار محمد عبد الباسط ناظر الوقف الحالي، إلى أن وزارة الأوقاف تقوم بدفع مبلغ سنوي 10 آلاف جنيه فقط، نظير الصرف على الواردين والمترددين بالساحة في شهر رمضان الكريم الذي يقام به افطار يومي، والمواسم والمناسبات الدينية، وصدقات على مدفن الواقف، بما لا يكفي لذلك.

مطالب ذريته

ولفت عبد الباسط، إلى طلب العائلة سابقًا بكشف حساب لما يتم جمعه حصيلة ايجار الـ60 فدانًا الموقوفة، لعدم قيام الأوقاف بتجديد الساحة، إلا أن أحد المسئولين أخبره بأن ما يصلهم من مبلغ 10 آلاف جنيه هو المستحق أما المتبقي فيتجزأ لكسوة الكعبة المشرفة، وإخراج صدقات على صاحب الوقف، ورواتب لموظفي الوقف، معبرًا عن غضبه لما يقومون به في ظل احتياج الساحة الشاهدة على تاريخ يصل إلى 151 عامًا، للترميم خوفًا من انهيارها.