د. نصار عبدالله يكتب: رحيل طلعت أبوالعزم

مقالات الرأي



فى يوم الخميس الماضى رحل عن عالمنا الدكتور طلعت أبوالعزم أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب بجامعة سوهاج الذى امتدت صلتى به إلى ما يقرب من أربعين عاما كان فيها نعم الصديق، ونعم الرفيق فى الرحلات السنوية التى كنا نشد فيها رحالنا إلى الغردقة لكى نمارس هواية صيد الأسماك فى البحر الأحمر ضمن الفريق الذى كان يتولى إعداده والإشراف عليه صديقنا المشترك الدكتور شوقى حبيب الأستاذ فى المعهد العالى للفنون الشعبية، والذى كان ومازال دائم الاستفسار والترحال فى كل بلاد الدنيا، وقد كنت أحرص دائما على مصاحبته فى رحلة مرسى مطروح التى كان ينظمها فى الصيف ورحلة الغردقة التى كان ينظمها فى الشتاء، وإن كنت قد توقفت عن السفر فى السنوات الأخيرة نتيجة لأمراض الشيخوخة التى ألمت بى والتى لا أدرى هل جاءت مبكرة بعض الشىء أم أن هذا هو أوانها الطبيعى؟، وأعود إلى الدكتور طلعت أبوالعزم الذى عندما كان طالبا بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، كان يحرص على تدوين كل ما يقوله أستاذه: الدكتور عبدالحميد يونس رحمه الله الذى يعد واحدا من أهم رواد دراسة الأدب الشعبى فى مصر، ومن بين الوصايا العلمية للدكتور يونس التى دونها أبوالعزم فى كشكول مادة «الأدب الشعبى»، الوصية الآتية: لو تجولت فى الأسواق الشعبية، ربما يصل إلى سمعك غناء بائع للفاكهة، أنصت إليه جيدا، وتنبه إلى ما يقول، ستجده يغنى لبضاعته، بصوت جميل، ما يغنيه هذا البائع هو من تأليفه، ربما لا يعرف هذا البائع القراءة ولا الكتابة، ولكنه يمتلك موهبة تأليف الأغانى فيغنى للفاكهة. ولو دونته، ودونت غيره من أغانى الباعة، فقد جمعت عدة أغان عن نوع من الأغانى الشعبية، وأنت سوف تجد نفسك حينئذ أمام مادة خصبة جديرة بالدراسة.. ربما تكون من سكان أحد الأحياء الشعبية، وتسمع عن حكاء يحكى حكايات من تأليفه، وله جمهور يستمع إليه، ويستمتع بحكيه، ويردد الناس حكاياته، حاول أن تجلس مع هذا الحكاء، ودون ما تسمعه منه بأسلوبه الشفهى فى الحكى، ولو تجمعت لديك بضع حكايات من هذا الحكاء فأنت حينئذ أمام مادة خصبة تستحق الدراسة. ولقد وضع الدكتور أبوالعزم وصية أستاذه موضع التنفيذ العملى عندما قام بتدوين حكايات واحد من الحكائين الشعبيين هو المعلم أحمد أبوالجدايل الذى كان جارا له فى الشارع الشعبى الذى كان يسكن فيه وهو شارع المنحر بطنطا والذى كان يحكى حكاياته على أنفاس الجوزة على مصطبة على باب الدار متوجها بها إلى جمهور المصطبة وجلهم من الكادحين أو من الطبقة الوسطى الصغيرة، ولقد ضمن الدكتور أبوالعزم تلك الحكايات التى تنطوى على قدر كبير من الطرافة والإمتاع، ضمنها كتابه: «حكايات المعلم أحمد أبو الجدايل» الذى صدر فى العام الماضى عن دار عين التى يشرف عليها المؤرخ الأكاديمى الجاد المتميز: «الدكتور قاسم عبده قاسم»، «والدكتور قاسم نفسه كان رفيقا دائما لنا فى رحلات الغردقة ومرسى مطروح» ومن بين الحكايات الطريفة التى حكاها أبوالجدايل حكاية «الطهارة من نجاسة الكلب».. التى يروى فيها تجربته مع شيخ من الشيوخ داخل أحد المساجد.. يقول: »رفعت يدى وقلت له: الطهارة من نجاسة الكلب ازاى ياعم الشيخ.. عم الشيخ اتكهرب لما قلت له السؤال ده، وشه اتعكر، وكأنك رميت على نفوخه مية وسخة، وعينيه بحلقت وبقى لونها أحمر شرار، وزعق وجعّر وهو بيرد عليّه، إنت بتربى كلاب يابن الكلب، قلت له أيوه أنا بربى كلب فى بيتى، وأمى بتربى معزة!، قام عم الشيخ رد عليه وقال لى: وبتربيه ليه يا ابن الكلب، رديت عليه وقلت له: أصل الكلب بيحرس البيت والمعزة ولما حد غريب يدخل البيت بيهوهو.. قال لى ده كلام فارغ اللى قالوه لك فى المدرسة.. قلت له أنا ما دخلتش مدارس من أصله.. قال لى أفهم يا بجم: البيت اللى فيه كلب ما تدخلوش الملايكة أبدا.. قلت له ازاى ياعم الشيخ هيه الملايكة بتخاف من الكلب.. قال لى شيوخنا قالوا كده ولازم نطاوعهم.. قلت له وبعدين يعنى: الطهارة من نجاسة الكلب ازاى.. قال لى حسب المذهب الفقهى.. إنت مذهبك إيه يا ولد؟.. مذهبك إيه؟.. أنا بصراحة ما أعرفش مذهب يعنى إيه.. فضلت ساكت.. عم الشيخ لسانه فلت، وشتمنى، وكل ما يشوفنى ساكت يشتم أكتر وأنا ساكت، أنا بصراحة خايف أرد عليه الناس اللى قاعدة تضربنى على قفايا.. بصيت حواليه، وبدأت أستعد للرد عليه وأهرب، لقيت باب الجامع قريب منى.. ولما الشيخ زعق فيه تانى: مذهبك إيه يا ابن الكلب قلت له: مذهبى.. مذهبى هو أبوجلمبو يا ابن المره، وأخدت ديلى فى سنانى وقلت يا فكيك! ....رحم الله طلعت أبو العزم الذى ما زالت ذكرياتنا معه، وما زالت أعماله وإنجازاته.. وسوف تظل باقية.