منال لاشين تكتب: خطة شريف إسماعيل لاستعادة السيطرة على الحكومة

مقالات الرأي



■ استخدام البرلمان لإزعاج الوزراء المشاغبين

■ شجع الوزراء على تقديم شكاوى ضد بعضهم البعض لدى الرئاسة

■ اللعب بكارت مرض رئيس الحكومة لتحييد المنافسين منع استخدام المنح لتلبية طلبات النواب


«الرجل المريض» كان الاسم الذى أطلقه العالم على الدولة العثمانية فى ذلك الزمان التى ترهلت فيه دولة آل عثمان وفقدت سيطرتها على الكثير من الممالك والدول فى أطراف الامبراطورية التى غربت عنها الشمس والقوة معا.

ولكن تعبير الرجل المريض عاد مرة أخرى لوصف مسئول وليس دولة، ولكن لنفس السبب فقدان السيطرة، لم تكن مشكلة رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل مجرد مرض داهمه أو فقدان وزن فقط، ولكن المهندس شريف إسماعيل كان فى فترة سابقة قد فقد السيطرة على معظم وزرائه وبدأ بعض الوزراء ينافسونه بطريقة مستفزة على المنصب ويهددون بقاءه فى رئاسة الحكومة.

آخرون كانوا يتجاهلون رئيس الحكومة ويتوجهون بطلباتهم وأعمالهم وإنجازاتهم إلى الرئاسة مباشرة. الآن وتحديدا فى ظل حكايات مرض شريف إسماعيل كان الرجل يستعيد سيطرته على الحكومة ويكيل الضربات تحت الحزام إلى منافسيه ومعارضى بقاءه، وقد استغرقت هذه العملية وقتا وعملا متواصلا وقطع مرض شريف إسماعيل هذه العملية لوقت بسيط، ولكن العملية نجحت فى النهاية، ليصبح شريف إسماعيل فى أوج سلطته.. الآن حتى لو رحل شريف إسماعيل فقد تحقق له ما أراد لأنه أصبح يمسك بمعظم الخيوط فى يده وبالتأكيد ستساعد هذه العملية على إطالة عمره فى كرسى الحكومة.


1- وزراء مشاغبون

فى كل حكومة هناك وزراء خارج سيطرة رئيس الحكومة.. هذا عرف وتقليد مصرى أصيل جدا ورثه المهندس شريف إسماعيل وسيورثه لمن سيأتى بعده من رؤساء الحكومة، فوزيرًا الدفاع والخارجية يتبعان رئاسة الجمهورية مباشرة، وعندما يكون وزير الداخلية قويا فإنه يخرج من عباءة رئاسة الحكومة ويتحول إلى أحد مراكز القوى، ولذلك فمن البديهى ألا تكون هناك مشاكل بين رئيس الحكومة وهؤلاء الوزراء، لأن التقاليد المستقرة تخرج هؤلاء من سيطرة رئيس الحكومة، ومع ذلك فإن رئيس الحكومة شريف إسماعيل تجمعه علاقة طيبة مع الثلاثة، وهناك تعاون كبير بين مجلس الوزراء ووزير الداخلية لأن مواجهة الإرهاب تتطلب التعاون بين الداخلية وجهات عديدة من بينها رئاسة الحكومة.

ولكن متاعب شريف إسماعيل بدأت بتمرد بعض الوزراء عليه، وفى البداية كان الأمر يختص بوزير أو وزيرة واحدة ثم انتقلت العدوى، وبدأ عدد من الوزراء يتجاهلون الرجل بعضهم استغل أدبه وعدم حرصه على التكالب على السلطة، فالمهندس شريف إسماعيل فى ظل الأوضاع السيئة كان يركز اهتمامه على إنجاز الأعمال، حتى لو لم يمر هذا الإنجاز عليه أو يولد داخل رحم الحكومة، استغل البعض المشروعات القومية التى يقوم بإدارتها الجيش واعتبر نفسه غير خاضع لسلطة رئيس الحكومة ولكن للحق فان بعض الوزراء أدوا مهمتهم بكفاءة مثل وزير الاسكان الدكتور مصطفى مدبولى الذى تنفذ وزارته العديد من المشروعات مع الجيش ولكنه كان حريصا على علاقته برئاسة الحكومة وشريف إسماعيل ويحضر اجتماعات مجلس الوزراء، وإذا اضطر للغياب يعتذر عن حضور الاجتماعات، وذلك خلافا لوزراء آخرين يعملون بمفردهم وحتى الاجتماع الأسبوعى للحكومة يحرصون على عدم تواجدهم داخل القاهرة حتى لا يحضروا الاجتماع، وزراء آخرون حلوا محل رئيس الحكومة فى التعامل مع زملائهم الوزراء الأضعف وأصبحوا الجهة التى تتلقى الشكاوى وتحل المشاكل بعيدا عن مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة.هناك علاقة أكثر تعقيدا ففى داخل الكواليس يتردد أن وزير المالية عمرو الجارحى وسع دائرة نفوذه بين الوزراء لأنه المسئول على الفلوس «الكاش» ويمكن أن يحل مشاكل التمويل بكلمة أو توقيع صغير منه، وبالمثل فإن علاقة وزير المالية بمحافظ البنك المركزى تبدو للبعض أقوى وأمتن وأكثر تنسيقا من علاقته برئيس الحكومة.

حتى وزير التعليم الدكتور طارق شوقى علاقته برئاسة الحكومة ليست بالقدر المعتاد من المتانة، فتاريخيا كان كل وزراء التعليم من اختيار رئيس الحكومة وتحت سيطرته تماما، ولكن طارق شوقى ينفذ خطة تطوير التعليم المعتمدة من المجلس الرئاسى الاستشارى العلمى.كما أن اختياره من الأساس لمنصب وزير يرجع لعضويته للمجلس الرئاسى.

كله كوم وما فعلته الوزيرة سحر نصر ذات الوزارتين المهمتين «استثمار وتعاون دولى» من خروج عن سرب شريف إسماعيل كوم آخر، وبالنسبة للعاملين ببواطن الأمور فإن تمرد سحر نصر أغرى بعض الوزراء بالسير على نفس الدرب، وساعد حكاية مرض شريف إسماعيل آخرين على تجاهل سلطاته باعتبار أن موعد رحيله قد اقترب.


2- خطة السيطرة

وقد ساعدت بعض التحركات من جانب رئاسة الحكومة على ترسيخ الاعتقاد بان شريف إسماعيل سيترك منصبه بالفعل، تسرب خبر أن الحكومة تعد تقريرا عن إنجازاتها وأعمالها منذ بداية تسلم شريف إسماعيل مقاليد الحكومة، وأن التقرير سيرفع للرئاسة ويرسل للبرلمان فى آن واحد، وهو تقليد مشهور عند رحيل رئيس الحكومة، وتسرب خبر تقرير الإنجازات من البرلمان أو من خلال صحفيى البرلمان.

المثير أن البرلمان لعب دورا مهماً فى تثبيت أركان السلطة.فالملاحظة اللافتة للنظر أن رئيس الحكومة شريف إسماعيل لم يتعرض لهجوم حاد أو بالأحرى مهين من مجلس النواب، ولم يقاطع فى مجلس النواب، وعندما يتكلم فى البرلمان لا يقاطع بغضب أو بقصد الإهانة.فقوة شريف إسماعيل أو جزء كبير من قوته تعود لعلاقته بمجلس النواب، وليس سرا أن الحكومة كفت يدها عن حماية وزراء بعينهم فى البرلمان، وهذا ليس اتهاما لشريف إسماعيل بتحريض مباشر لنواب ضد وزراء، ولكن هناك فى السياسة عالم الإشارات غير المباشرة وطرق توصيل معلومة دون التصريح المباشر أو طرق مباشرة فى دعم وزراء برلمانيا دون غيرهم.

وربما يعد الهجوم العنيف على وزير التعليم الدكتور طارق شوقى نموذجا لما أقصده بدعم بعض الوزراء دون غيرهم تحت القبة، وذلك فى مقابل ترك وزراء للبرلمان أو بالأحرى غضبه، وذلك فى إطار احترام الحكومة لحق النواب لاستخدام الأدوات الرقابية ضد من لا يعجبهم من الوزراء أو توحد دعم مصر ضد وزير وشن حملات رقابية وبرلمانية عليه، وربما تكون الحملات العنيفة ضد وزير التخطيط السابق الدكتور أشرف العربى نموذجاً لهذه الحملات.فقد كان العربى من المرشحين لخلافة شريف إسماعيل، وترك شريف إسماعيل وزيره يدافع لوحده عن قانون الخدمة المدنية، وتحمل العربى وزر القانون وكان توتر علاقة العربى بالبرلمان أحد أهم أسباب خروجه من الوزارة.

ومن بين استخدام البرلمان لتحجيم بعض الوزراء حظر استخدام المنح الأجنبية فى تلبية طلبات النواب.فقد اكتشفت الحكومة أثر أزمة قانون الاستثمار استخدام بعض الوزراء للمنح الأجنبية لتلبية طلبات النواب والحصول فى المقابل على دعمهم، وتم التنبيه على جميع الوزراء بعدم استخدام المنح فى غير الغرض المخصصة له، لم يكن هذا قرارا حكوميا فقط، ولكن جهات أخرى تدخلت لوقف مهزلة استخدام المنح للحصول على دعم النواب أو بالأحرى تكوين لوبى مساند للوزير أو الوزيرة.


3- الرئاسة طرفا

لا يدرك بعض الوزراء أن الرئيس السيسى لا يقرب وزراء وليس لديه شلة، ولكن بعض الوزراء والوزيرات يتوهمن أن العمل فى مشروعات تحت رعاية الرئيس يجعل لهم مكانة أو حصانة خاصة، وقد وقع كل من وزيرى الاستثمار والتموين السابقين أشرف سالمان وخالد حنفى تحت هذا الوهم، خلال قمة الخلافات استخدمت مجلس الوزراء تكتيكاً جديداً، كل وزير يشكو من وزير أو وزيرة لمجلس الوزراء يكون الرد أو بالأحرى النصحية رفع الأمر إلى الرئاسة وعرض الأمر على جهات أخرى، لأن رئيس الحكومة لا يجب أن يشكو وزراءه فهذا دليل ضعف، ويحاسب عليه ولا تحسب له، ولكن إذا جاءت الشكاوى عبر قنوات غير رسمية أو شكوى غير مكتوبة من بعض الوزراء فالأمر يختلف، ويظهر الوزراء المشاغبون بصورة سيئة لدى الجهات العليا، وأنهم سبب المشاكل وغير متعاونين مع زملائهم الوزراء، وسبب تعطيل مصالح الناس، وهذه الطريقة أتت بنتائج مدهشة، وبالفعل تم تحجيم بعض الوزراء والوزيرات وبإشارات رئاسية.

وتبقى سبب آخر وربما يبدو غريبا دعم مركز وسلطة شريف إسماعيل.فحكاية مرضه وقرب رحيله عن الحكومة ساعدته على تقوية مركزه، لأن بعد انتشار حكايات المرض وفقدان رئيس الحكومة للكثير من وزنه أيقن المنافسون أنه راحل، وكفوا أيديهم عن استكمال الحرب ضده، وبدأوا فى التركيز مع المنافسين الآخرين على المنصب، وضربوا فى بعض، وهكذا بقى شريف إسماعيل بعيدا إلى حد كبير عن الصراع و«الزنب» فى المنافسة على مجلس الوزراء.