منظومة التموين الجديدة "كارثة" على الفقير ومحدود الدخل



أحمد الشيخ

المواطنون: السلع غير متوفرة والأسعار ارتفعت ومبلغ الدعم قليل جدا

خبير اقتصادى: القرار يرفع معدلات التضخم وأسعار الفائدة والحكومات المتعاقبة تراجعت عنه لصالح المواطن الفقير

التموين: تقفيل السنة المالية وإعادة برمجة ماكينات الصرف سبب التأخير وثمار المنظومة الجديدة لم تظهر بعد

ضمن سلسلة القرارت العشوائية التى اتخذتها الحكومة فى الفترة الأخيرة لتقليل نسبة الدعم بالموازنة العامة للدولة وفى غفلة من الجميع ودون إجراء أى حوار مجتمعى حوله، قرر وزير التموين تحويل الدعم العينى على بطاقات التموين إلى دعم نقدى، فيما أطلقت عليه الوزارة منظومة التموين الجديدة ، وبدون تخطيط بدأت الوزارة فى تطبيق المنظومة الجديدة على كافة محافظات الجمهورية فى وقت واحد بعكس منظومة الخبز التى تم تطبيقها على مراحل حتى بدأت تتضح معالمها.

وكان التسرع فى التطبيق سبب رئيسى فيما شهدته كافة محافظات الجمهورية من نقص فى المقررات التموينية وتأخر فى صرف الحصص للمستحقين فى هذا الشهر الكريم لمدة تجاوزت 20 يوما، ما أدى إلى تزاحم شديد على منافذ صرف السلع التموينية بجميع المحافظات ومشاجرات بين المواطنين وصلت إلى حد الاشتباك بالأيدى ووقوع إصابات، إضافة إلى نشاط السوق السوداء ورفعها لأسعار السلع استغلالاً لحاجة المواطنين البسطاء من محدودى الدخل الذين أصبحوا يشترون كافة احتياجاتهم منها بعد تأخر التموين عن توفير احتياجتهم الشهرية بعدة حجج تؤكد عدم وضع الوزارة لخطة التنفيذ قبل البدء فى تطبيق المنظومة الجديدة.

وتردد أهالي المحافظات من الإسكندرية إلى أسوان على محال البقالة التموينية ومكاتب التموين منذ بداية الشهر الكريم يطالبون بصرف مقررات شهر يوليو الجاري رحمة بهم، لكن لم تكن المقررات التموينية التقليدية أو السلع الجديدة التي وعد بها وزير التموين وعددها 20 سلعة، قد وصلت إلى منافذ التوزيع وتأخرت لمدة تجاوزت 20 يوم، ما أضطر أصحاب محال البقالة التموينية ببعض المحافظات لكتابة لوحات: عفوا لا توجد مقررات تموين لهذا الشهر ، وهو ما أدى إلى مشاجرات بين المواطنين ومسئولى التموين فى كل القرى والمدن.

واشتدت الأزمة بجميع المحافظات، ما دعى البقالين التموينيين لتنظيم وقفات احتجاجية أمام المحافظات، إلى جانب تقدم العشرات منهم بشكاوى جماعية ضد وكلاء وزارة التموين بالمحافظات، وسادت حالة من الغضب بين المواطنين في محافظات أسوان وجنوب سيناء ومطروح والأسماعيلية والدقهلية والبحيرة والمنيا وبنى سويف، مطالبين الحكومة بإلغاء المنظومة الجديدة، مؤكدين على الاكتفاء بالسلع الثلاثة الأساسية على أن تصرف بانتظام.

أما فى القاهرة والجيزة، لم يختلف الوضع كثيرا، ففي يوم 17 يوليو لم يصل لمنافذ توزيع السلع التموينية التابعة لوزارة التموين أو البقالين أى سلع من المقررات التموينية المستحقة ولا حتى السلع الثلاث الرئيسية، وبعد يوم 20 يوليو، بدأ صرف بعض السلع مع نقص فى السلع الأساسية مثل الزيت والأرز، الأمر الذى أدى إلى توقف العديد من المواطنين عن صرف مستحقاتهم التموينية حتى الآن فى انتظار الأرز أو الزيت.

مشكلات التطبيق

أهم المشكلات التي ظهرت من تطبيق النظام الجديد على حسب الرصد الذى أجرته الفجر لآراء المواطنين المترددين على مكاتب التموين أن مبلغ الدعم 15 جنيها قليل جدا عن الدعم العينى، حيث حمل كل فرد على البطاقة 10 جنيهات على الأقل عما كان يدفعه الفرد فى النظام القديم ، كما أنه لا يسمح بالصرف على دفعات كما كان فى النظام القديم فكان يمكن للمواطن أن يصرف السكر والزيت وينتظر الأرز حتى يتم توريدة للبقالين، أما فى النظام الجديد يجب على المواطن صرف قيمة الدعم كاملة فى مرة واحدة حتى لو لم يتوافر فى المنفذ سوى الصابون السائل فعليه أن يصرف بحصته كاملة صابون سائل أو ينتظر حتى تأتى السلعة التى يرغب فى صرفها، وهو ما قد يترتب عليه أن يمر الشهر دون أن تأتى هذه السلعة، وهو ما يتناقض فى نفس الوقت مع تصريحات وزير التموين الذى أكد ان النظام الجديد سيقضى على نقص السلع التموينية ولكن الواضح عند التطبيق أنه سيقضى على مخزون السلع الراكدة لدى الوزارة أو بعض المنتجين، وهو ما ينذر بأن كم الفساد سيكون أكبر فى ظل المنظومة الجديدة من خلال التركيز على سلع المنتج الذي يقدم هامش ربح أكبر، وإجبار المواطن على أن يشترى السلع المتوفرة مهما كانت وإلا ضاع عليه مبلغ الدعم وهو ما يؤدي إلى ضرورة نشاط الوزارة فى توريد السلع المتعددة التي وعدت بها إلى منافذ التوزيع وعلى رأسها السلع الثلاث الأساسية وتشديد الرقابة على مكاتب التموين والتعامل بجدية مع شكاوى المواطنين.

وأدى تأخر السلع التموينية بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية من زيت وسكر وأرز والتى بدأ التجار فى بيعها بأسعار عالية لزيادة الأقبال عليها فى هذا الشهر الكريم نتيجة لتأخر المقررات التموينية، إلى جانب ارتفاع أسعار النقل نتيجة لقرار الحكومة بزيادة أسعار الوقود والذى تزامن مع تأخير المواد التموينية، وتركت الحكومة المواطن بين فكي كماشة لا يمكن الفكاك منها مكتفية بإصدار القرارت التى ستنعكس بشكل سلبى على الحياة الاجتماعية فى مصر خلال الفترة المقبلة من خلال ارتفاع معدلات التضخم والفقر.

كارثة اقتصادية

وصف الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، القرار بالكارثة، مؤكداً أنه مقدمة لتحويل الدعم العينى إلى نقدى، وهى كارثة كبرى على المواطن فى مصر، خصوصاً الفقراء ومحدودى الدخل، لافتًا إلى أنه فى ظل غياب الدور الرقابى للدولة سيستغل التجار الجشعين ضعف الحكومة ويقومون برفع الأسعار دون مبرر حتى يحصلون على الدعم النقدى الموجه لمحدودى الدخل والطبقة المتوسطة، وبالتالى فإن المواطن سيحرم من الدعم العينى والنقدى فى اَن واحد.

وأوضح عبده، لـ الوطن ، أنه مع ارتفاع الأسعار سيزيد التضخم وبالتالى يضطر البنك المركزى إلى رفع سعر الفائدة، كما فعل فى الأيام الماضية حتى يواكب معدل التضخم السائد فى السوق، وهذا سيخلق ضغوطاً على الحكومة باعتبارها أكبر مدين من البنوك، مشيراً إلى أنه بلغت حجم مديونيتها فى الموازنة المنتهية حوالى 1750 مليار جنيه، وكانت ستصل إلى 204 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة، وبالتالى ديونها هتزيد وهو ما يمكن معه أن تفرض الحكومة مزيد من الضرائب على المواطنين.

وطالب الخبير الاقتصادى، الحكومة بالشفافية ومصارحة الشعب، مؤكداً أن الوزير يسعى إلى تقليص الدعم بكافة الطرق حتى يوفر للحكومة على حساب المواطن محدود الدخل.

أما عن المنظومة نفسها، يقول عبده، لـ الفجر ، إنها حددت قيمة دعم المواطن على بطاقة التموين فى حدود 15 جنيه وهو قليل جداً بالمقارنة بما سيتسبب فيه من ارتفاع فى الأسعار خصوصاً فى السلع الأساسية وهى (الزيت – السكر – الأرز – الشاى ) التى كان يعتمد عيها المواطن، وكانت تقدم له من خلال بطاقات التموين وبالتالى كانت تحفظ التوازن السعرى لهذه السلع فى السوق، أما الآن، يقوم المواطن بشراء هذه السلع من السوق وبالتالى سيزيد الطلب عليها، ما سيؤدى إلى ارتفاع أسعارها وبالتالى ضياع قيمة الدعم فى تغطية فرق السعر دون تحقيق أى استفادة للمواطن البسيط، مؤكداً أن الكثير من الحكومات المتعاقبة فكرت فى تطبيق الدعم النقدى ولكنها أعادت حساباتها وتراجعت عن ذلك حفاظاً على مصالح المواطن البسيط ومحدود الدخل.

وانتقد عبده اتخاذ الوزارة القرارت بطريقة عشوائية من أجل التوفير، مؤكداً أنه بعد 30 يونيو أصبح أهم حاجة المواطن وتوفير حياة كريمة له، مشيراً إلى ضرورة أن يكون هناك حوار مجتمعى حول هذه القرارت الخطيرة قبل إصدارها، محذراً من عودة المطالب الفئوية والإضرابات التى - ما صدقنا خلصنا منها – على حد قوله.

ووجه عبده حديثه للحكومة، قائلاً: يجب أن نضع أيدينا فى أيدي بعض من أجل زيادة الانتاج ووضع القوانين التى تدفع إلى تطوير البيئة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار حتى ينمو الاقتصاد ويزدهر بما يعود بالنفع على المواطن والدولة.

وزارة التموين

ورداً على تأخر صرف المقررات التموينية، قال محمود دياب، المتحدث الإعلامى باسم وزارة التموين، إن تأخر المقررات يرجع إلى أن شهر يوليو يشهد تقفيل السنة المالية وكثير من الشركات الموردة للسلع التموينية الجديدة والبالغ عددها 20 سلعة كان لديها جرد وتقفيل ميزانيات هذا الى جانب تعديل الوزارة للماكينات الخاصة بالبطاقات التموينية والتى كانت مبرمجة على 3 سلع فقط وهى الزيت – اسكر – الأرز بحيث تم فتحها حتى تستوعب السلع الجديدة.

وتابع دياب أن وزير التموين الدكتور خالد حنفى تداركاً منه لهذا الأمر أصدر قرارا بمد صرف الحصة التموينية الخاصة بشهر يوليو إلى شهر أغسطس بمعنى أنه من حق امواطن صرف السلع التموينية التى لم يستطيع صرفها خلال الشهر الجارى نتيجة ضيق الوقت مع حصته التموينية الشهر القادم.

وطالب المتحدث الإعلامى باسم وزارة التموين بالصبر من أجل إنجاح منظومة التموين الجديدة والاتصال بالخطوط الساخنة بالوزارة والتى تعمل على مدار الـ 24 ساعة فى حالة وجود أي شكاوى من البقال التموينى أو زيادة فى السعر عن الأسعار المعلنة، مؤكداً أن الوزارة تتعامل مع هذه الشكاوى بجدية حتى أن الوزير نفسه يتابعها يومياً، مطالباً المواطنين بالحفاظ لى حقوقهم وعدم التفريط فيها لأى سبب، مشيراً إلىأان الوزارة تستطيع القضاء على الفساد ولكنها تستطيع محاربته إذا قام كلاً منا بواجبه ولم يفرط فى حقوقه.

وأكد دياب أن مبلغ الدعم المحدد للفرد على البطاقة ليس له حد أقصى بمعنى اأه قابل للزيادة فى حالة زيادة أسعار السلع وتستطيع الوزارة فى اى وقت زيادته من أجل ضمان حصول المواطن على حصته التموينية .