نادية صالح تكتب : رئيس الوزراء د.عبدالعزيز حجازى فى ذمة التاريخ.. درس فى العظمة والتحدى

مقالات الرأي



مع خيوط فجر يوم محتوم ومكتوب رحل أستاذى وأستاذ كثيرين غيرى طبعا من خريجى كلية التجارة جامعة القاهرة، ورئيس وزراء مصر د.عبدالعزيز حجازى، ومع جزع ودموع الفراق وكلمات الوداع والتوديع وتقديم واجب العزاء، دار شريط الذكريات، فقد كنت ومازلت صديقة للأسرة خصوصا للزوجة الفاضلة الراحلة الغالية «عصمت علام»، وللأبناء الدكاترة محمد وإبراهيم وخالد، وللأحفاد «كريم» أو «كوكو» حبيب قلب غاليتى «عصمت»، فهو أول الأحفاد وأعز الولد ولد الولد، وجاء بعده الأحفاد «شريف» و«طه» و«عبدالعزيز» والحفيدات «هنا» و«عالية» و«كينزى»، وللحق سيظل اسم د.عبدالعزيز حجازى مقرونا بالكرامة والتحدى والعمل الجاد، فى كل موقع شغله د.حجازى (لم يخش فى الحق لومة لائم) بدءا من مأمورية ضرائب السويس التى عين بها فى أول سنوات عمره والتى أفشل خلالها محاولة «رشوة» كشفها وأشهر للحق والأمانة، وكان مشواره الطويل سلسلة من الانتصارات والمجاهدة لتحقيق النجاح والعمل الجاد من أجل وطنه وبلاده، رغم مكائد الكائدين الكارهين للنجاح طوال سنوات أستاذيته بالجامعة وصولا إلى العمل العام والتنفيذى وزيرا ثم رئيسا للوزراء، ولعل من واجب كل من اقترب من عمل وكفاح ونزاهة هذا الرجل أن يضع ما يعرف أمام شباب لم يعاصره ولا يعرف عنه إلا أقل القليل، ويا أيها السادة أرجو أن تسمح هذه السطور ببعض من ملامح هذه السيرة والمسيرة للدكتور عبدالعزيز حجازى:

- د. عبدالعزيز حجازى من أوائل الاقتصاديين المصريين الحاصلين على درجة الدكتوراة من جامعة برمنجهام بالمملكة المتحدة (انجلترا).

- د. حجازى أستاذ (التكاليف) بتجارة القاهرة.. «ترن الإبرة تسمعها فى محاضرته» وله (إصبع) -يعرفه تلاميذه- يشير به إليك، بحزم وأدب لتغادر المدرج إذا دخلته متأخرا أزعجت هدوءه وقطعت أفكاره، لكنه لا يظلمك ابدا.. فالظلم هو عدوه الأكبر، لكنه يعلمك قدسية العلم والتعليم.

د.حجازى كان رب أسرة الإيمان.. أحد أشهر نظام الأسر الجامعية الذى عرف فى ذلك الوقت وكان مصدرا لتنوير الشباب والطلبة فى جامعات مصر وقتها، وقد تزوج د.حجازى من إحدى تلميذاته المحترمات (الآنسة عصمت علام) وصدق بزواجها ذلك القول المأثور بأن «وراء كل عظيم امرأة» فقد ظلت زوجة لرجل مهم.. جعلت من البيت جنة ونشأ الأبناء فى صحة وسلام نفسى.. فكانت «وردة» مشرقة إلى جواره واكتملت بها صورة المسئول الناجح والمحترم والذى لم تغادره النزاهة حتى آخر لحظات عهده المريرة ولاّه الزعيم جمال عبدالناصر خزانة مصر بعد نكسة 1967.. إيمانا وثقة فى علمه وقدرته، واستطاع أن يتخطى الفترة الصعبة للاقتصاد المصرى فى ذلك الوقت.

- عينه السادات نائبا لرئيس الوزراء ثم رئيسا للوزراء فى فترة حرب الاستنزاف فتخطى المصاعب الاقتصادية بعلمه وقدرته المشهود بها، وبعدما أدخل نظام الانفتاح واجه حرب الساسة والسياسيين وهوجم النظام حتى سموه انفتاح سداح مداح، وتظاهروا ضده بهتافات معادية «حكم النازى ولا حجازى»، «حجازى بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه» ولم يعبأ.. بل ظل يجاهد حتى قدم استقالته صونا لكرامته ولجهده ومشواره الذى أثبتا التاريخ أمانته وسلامته.

لم يدر ظهره للوطن.. بل ظل خادما لكل ما يمكن أن يسهم به من علم وجهد.. فهو ابن الأرض الطيبة، وهو المسلم المعتدل والمستنير- ولعل هذه الصفة لا يعرفها كثيرون عنه- فالدكتور حجازى له من الالتزام الدينى المعتدل ما يجعله فى قلبك إعجابا به وبإنسانيته.

- أخذت الجمعيات الأهلية المدنية وقتا وجهدا فى سنواته الأخيرة، ولم يغفل ولم يتقاعس عن مساندة حق طلبة جامعة النيل فى الحصول على حقهم فى جامعتهم وخاض معركة ضد الظلم الذى تعرض له الطلبة حتى أعاد لهم حقهم.

ولعل هذه الملامح السريعة تؤكد لنا أن التحدى والانتصار للحق ونصرة المظلوم كانت قضيته الأولى والأخيرة ولم يتوان عن الدفاع عنها.. ويجب أن نتدارس ونتعلم ونعلم الأجيال دور هؤلاء الرجال ونقدرهم فى حياتهم حتى لا يظل التقدير مقصورا على ما بعد الرحيل.. والتى أظنها كادت أن تكون سمه من سماتنا، وارجو أخيرا وليس آخرا أن نستحضر معا صورة الدكتور حجازى ونظرته الفاحصة.. الثابتة، والمتحدية.

- وبعد أن غادرنا ألا تجدونه فيلسوفا اقتصاديا مصريا عادلا.

أليس هو ذلك (الديكتاتور العادل) الذى يراه البعض -وأنا منهم- ضرورة أحيانا لتحقيق العدالة وسيادة القانون؟! سؤال تطرحه تأملاتى ونحن نودع الأستاذ ورئيس الوزراء المحترم د.عبدالعزيز حجازى فى ذمة التاريخ.. درس فى العظمة والتحدى!.