بوابة الفجر

في ذكرى ميلاد "الخال".. عبدالرحمن الأبنودي "حكاية شعب"

بوابة الفجر

"هذا هو الخال كما عرفته.. مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذي ظن البعض -وبعض الظن إثم- أن تقليده سهل وتكراره ممكن"، كلمات وردت في مقدمة كتاب "الخال" للكاتب محمد توفيق، وتناول الكتاب السيرة الذاتية للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، الذي يحل اليوم ١١ من إبريل، ذكرى ميلاده في عام ١٩٣٨م.

يعد الأبنودي واحدا من أشهر شعراء العامية في مصر، وله العديد من دواوين الشعر التي مزجت بين البساطة والرقي، وعبرت عن طبقات الشعب المصري بصدق، فعبد الرحمن الأبنودي، أو كما يلقبه محبوه بـ"الخال"، ابن قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، الذي تشابهت ملامحه السمراء ولهجته الصعيدية، مع الكثير من هموم البسطاء، الذين عبر عنهم في أشعاره، بكلمات عاشت في وجدناهم لسنوات طويلة، وتغنى ببعضها العديد من نجوم الطرب في مصر والعالم العربي.

جمعت كلمات "الخال" عبدالرحمن الأبنودي، بين الكثير من نجوم الفن قديما وحديثا، فدبت كلمات أغنياته الوطنية بصوت العندليب الراحل عبدالحليم حافظ، الحماسة في الجنود والشعب في أغنيات "عدى النهار"، و"أحلف بسماها وبترابها"، وأخرى رومانسية تضمنت طعم الفلكلور المصري، مثل "كل ما أقول التوبة"، و"أحضان الحبايب" في فيلم "أبي فوق الشجرة"، وغيرها من الأغاني التي حققت نجاحا كبيرا في مشواري "العندليب" و"الخال"، اللذان كانا خير معبر عن الشارع المصري وقتها.

ومن "حليم" صاحب أشهر الأغنيات والأفلام الرومانسية في تاريخ الفن المصري، للفنان محمد رشدي، صاحب الصوت الرنان والأغنيات ذات اللون الشعبي المحبب للجمهور، حيث أثرت كلمات "الخال" صوته العذب في أغنيات مثل "عدوية"، و"عرباوي"، و"تحت الشجرة يا وهيبة"، وكان للصوت النسائي نصيب من كلمات "الخال"، حيث ألف أغنيات لنجمات الغناء، أمثال: فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، شادية، صباح، وردة الجزائرية، ماجدة الرومي، وغيرهن.

وتغنى بكلماته عدد من نجوم الغناء المتواجدين حاليا على الساحة الفنية، وأبرزهم النجم الأسمر محمد منير، الذي تناغم صوته المميز مع كلمات شاعر العامية الأشهر عبد الرحمن الأبنودي، في أغنيات: "برة الشبابيك"، "يونس"، "يا حمام"، "يا رمان"، و"قلبي ميشبهنيش"، وقدم "الخال" بعض تترات المسلسلات المصرية الشهيرة، مثل "ذئاب الجبل"، "أبو العلا البشري"، و"مسألة مبدأ"، بصوت الفنان علي الحجار.

ويعود سر تلقيب الشاعر عبدالرحمن الأبنودي بـ"الخال"، هو حب الشعب المصري الشديد له وإقبالهم على أشعاره وأعماله المغناه، حيث كشف الروائي جمال الغيطاني، سر هذه التسمية، قائلا: "الشعب المصري عندما كان يحب أحدا ويثق فيه، كان يسميه الخال، لأن الخال لا يرث وليس لديه أية مطامع شخصية، ولذا فقد أطلقوا على الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لقب الخال"، وجاء ذلك خلال الاحتفالية التي أقيمت بمؤسسة جريدة الأهرام، احتفالا بذكرى ميلاد الأبنودي عام ٢٠١٤.

وبالتزامن مع حلول ذكرى وفاته الثانية، التي توافق ٢١ من إبريل الجاري، احتفلت جامعة مدريد في إسبانيا، بصدور أول ديوان للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، بعنوان "أحزان عادية"، باللغة الإسبانية، وقررت إدارة الجامعة تدريس أشعار الديوان لطلابها، وحضر الاحتفالية أرملته الإعلامية نهال كمال، وابنته "نور"، وعدد كبير من طلاب الجامعة، والدكتور باسم صالح، المستشار الثقافي بالسفارة المصرية فى إسبانيا، وأخرون.

حققت أعمال الخال الشعرية والأدبية، نجاحا كبيرا خلال مشواره، وكانت السبب في نقلة نوعية لشعر العامية في مصر، ونتيجة لذلك حصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٠١، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية، كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربي لعام ٢٠١٤، وكانت أخر أعماله، هي قصيدة حملت عنوان "مرسال"، ووجهها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد انتشار غلاء الأسعار وقتها.

رحل "الخال" عن عالمنا، قبل عامين في ٢١ إبريل عام ٢٠١٥، بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز الـ٧٧ عاما، وكان الأبنودي خضع لعملية جراحية بالمخ قبل وفاته، في مساء الأحد ١٩ إبريل، لاستئصال التجمعات الدموية، ومكث بعدها في الرعاية المركزة داخل المستشفى، حيث أوصى الأطباء بحجزه لعدة أيام، عانى خلالهم من تدهور عمل الرئة لديه، وتم منع الزيارات عنه بشكل كامل.