تقرير يكشف الأخطار العابرة لمحافظ شركات التأمين
أصدر الاتحاد المصري للتأمين نشرة تشمل تقرير بحثى حول "الأخطار العابرة لمحافظ شركات التأمين" ، واستعرض أبرز الحوادث الكارثية الكبري منذ أحداث 11 سبتمبر وبرج التجارة العالمي وصولاً إلى إنفجار مرفأ بيروت.
وتمثل الأخطار الطبيعية أكبر مصدر للمطالبات بالنسبة لشركات التأمين لكن انفجارات وكوارث مثل استهداف برجي التجارة (سبتمبر 1992) وحريق ميناء عبد الله بالكويت (يونيو 2000) وانفجارات ميناء تيانجين الصيني (أغسطس 2015) وانفجارات ميناء بيروت بلبنان (أغسطس 2020) كبدوا شركات التأمين مبالغ في غاية الضخامة.
ولكن، كيف أثرت تلك الحوادث على إجمالي نتائج شركات التأمين؟ وما هي الحلول؟
تسببت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 في خسائر فادحة في الأرواح والصحة والممتلكات والدخل. وكانت استجابة الحكومة الفيدرالية وشركات التأمين الخاصة والجمعيات الخيرية للخسائر التي تعرض لها الأفراد والشركات ذات نطاق وحجم لم يسبق له مثيل من قبل.
دفعت شركات التأمين أكثر بكثير من أي حدث واحد آخر في تاريخ الولايات المتحدة. والتبرعات الخيرية والتوزيعات من المنظمات الخيرية لم يسبق لها مثيل.
وبلغ حجم التعويضات من شركات التأمين لأولئك الذين قتلوا في الهجمات على مركز التجارة العالمي (WTC) والبنتاغون وموقع تحطم بنسلفانيا والشركات والأفراد في مدينة نيويورك المتضررين من الهجوم على مركز التجارة العالمي 19.6 مليار دولار وهي تمثل أكثر من نصف التعويضات الإجمالية لهذا الحادث.
عام 2000 وقع انفجاراً ناجم عن تسرب غاز في مصفاة نفط بميناء الأحمدي الكويتية أسفر عن حدوث أضرار مادية في بعض مواقع المصفاة بلغ 444 ألف برميل وعن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 49 آخرين.
أسفر انفجار بمستودع بميناء تيانجين عام 2015 شمال الصين والذي يحتوي على مواد كيميائية خطرة وقابلة للاشتعال عن مقتل أكثر من مائة شخص وإصابة مئات آخرين وتدمير مناطق واسعة من المدينة وكانت له قوة تعادل ثلاثة أطنان من مادة تي إن تي شديدة الانفجار وقد أدت إلى خسائر كبيرة في البضائع المخزنة بالميناء كما تم حرق ساحة لوجستية تحتوي على عدة آلاف من السيارات بما يعادل حوالي 1500 سيارة.
وصرح الاتحاد الدولي للتأمين البحري (IUMI) إن ما مجموعه حوالي 70 ألف سيارة تضررت في الانفجارات وقدرت الخسائر العالمية في إعادة التأمين بحوالي 3.5 مليار دولار ووفقًا لشركةSwissRe حوالي 8 مليارات دولار، وقالت شركة تيانجين CIRC إن أكبر خسارة فردية كانت لدى شركة China Automobile Trading التي فقدت 3000 سيارة مستوردة في الانفجارات، وقد دفعت شركة China Continent Insurance مبلغ 1.37 مليار يوان (266 مليون دولار أمريكي) لهذه المطالبات في يناير 2016. كانت انفجارات ميناء تيانجين أكبر خسارة للتأمين وإعادة التأمين من صنع الإنسان في عام 2015.
في الثلاثاء 4 آب/أغسطس 2020 شهد العالم كارثة انفجار ميناء بيروت وقد تسبب الانفجار الهائل الذي وقع في مخزن بميناء بيروت في دمار كبير للمباني والممتلكات فضلاً عن عشرات القتلى وآلاف الجرحى نتيجة تخزين 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم التي خُزنت بطريقة غير آمنة في مستودع في الميناء وقد قتل ما لا يقل عن 200 شخصا في الانفجار وأصيب نحو 5 آلاف آخرين.
وبالرغم من أنه لم يحن الوقت بعد لتحديد حجم الخسائر الفعلية لهذا الحادث إلا أن المحللون قدروا أن إجمالي قيمة الخسائر الناجمة عن الانفجار في مستودع ميناء بيروت المؤمن عليها نحو 3 مليارات دولار بالإضافة إلى خسائر اقتصادية بقيمة 15 مليار دولار، ومن المتوقع أن الكثير من هذه الخسائر لم يكن مؤمنا عليه.
وقد ذكرت شركة AM Best أنه بالنسبة للسوق الدولية من المتوقع أن تتأثر خطوط الأعمال البحرية والممتلكات، أما محلياً في لبنان فإن التأمين على الممتلكات يمثل جزءًا صغيرًا من صناعة التأمين اللبنانية التي تهيمن عليها ثلاث قطاعات: التأمين على الحياة والتأمين الطبي وتأمين السيارات.
واستنادًا إلى أحدث البيانات المتاحة شكلت هذه القطاعات مجتمعة ما يقرب من 85٪ من إجمالي أقساط التأمين المكتتبة في لبنان في عام 2018 وكان التأمين على الممتلكات يمثل خطًا متناميًا - حيث مثل 6٪ من إجمالي أقساط التأمين المكتتبة في عام 2018.
تلك الكوارث التي ذكرت آنفاً لها سمة مشتركة وهي أنها عادة ما تنشأ بسبب الانفجار وهو مغطى طبقا لوثيقة الممتلكات لكنها تصبح عابرة للمحافظ التأمينية (Cross Class Claims) إذ أن التعويضات التي تنجم عن تلك الحوادث عادة ما تسبب مطالبات تحت عدد كبير من أنواع / محافظ التأمين الأخرى وذلك على سبيل المثال لا الحصر:
المحفظة / نوع التأمين
السببية (Causation)
التأمين البحري بضائع
الفقد والضرر المادي الذي يلحق بالبضائع أثناء وجودها بالميناء
أجسام السفن
الضرر المادي الذي للسفينة أثناء رسوها في الميناء وقت الانفجار
الحوادث الشخصية
إصابات العمال والموظفين
تأمينات الحياة
الوافيات والإصابات و العجز بأنواعه
تأمين توقف الأعمال
توقف المصانع نتيجة توقف خطوط الإنتاج
التأمين الصحي
لعلاج المصابين
تأمين السفر
تعطل الطيران وارد جدا في المدن المتضررة
تأمين المعدات
الكثير من المعدات تتضرر
تأمين السيارات
تلفيات وأضرار كثيرة تلحق بالسيارات
تأمين المسؤولية المدنية
الجهة التي ينشأ عنها الانفجار سيتعين عليها دفع تعويضات كثيرة للمتضررين
· لقد قمنا بتعريب مصطلح Cross Class Claims ليصبح - المطالبات العابرة للمحافظ – حيث إن اللفظ هنا يدل على حادث واحد بمنشاة أدى إلى حدوث العديد من المطالبات التي ستؤثر على العديد من المحافظ / الحسابات التأمينية المختلفة.
· تلك النوعية من المطالبات تتضرر منها شركات التأمين بشكل كبير وقد تؤدي إلى إفلاس بعض الشركات كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسوف نلقي الضوء هنا على كيفية تضرر شركات التأمين بشكل سيئ جداً.
كيف تتضرر شركات التأمين رغم وجود اتفاقات إعادة التأمين؟
1. عدد ضخم من الحوادث ذات المنشأ الواحد - Large Number of Claims
2. التراكم غير المعلوم – Unknown Accumulation
3. حدود التعويض تحت الاتفاقيات غير النسبية مثل اتفاقيات فائض الخسارة – Excess Of Loss .
عدد ضخم من الحوادث ذات المنشأ الواحد
· إن حادث واحد مثل التي ذكرت أعلاه ينجم عندها آلاف المطالبات التي تأتي في وقت واحد لشركات التأمين مما يسبب شلل مؤقت لإدارة التعويضات التي عادة ما تكون غير مستعدة لمثل هذا الكم من المطالبات في وقت واحد لذلك يتم دفع مبالغ إضافية لموظفي التعويضات وكذلك الاستعانة بالعديد من الموظفين سواء بشكل مؤقت أو دائم.
· كذلك مقدري الخسائر الذين يجدون أنفسهم مطلوبين لمراجعة العديد من الحوادث في وقت واحد وبالتالي فإن سعر الساعة يتم زيادته لمواجهة هذا الضغط.
كل ما سبق يرفع تكلفة تسوية المطالبة الواحدة عن المعدل الطبيعي للتكلفة وبالتالي زيادة معدل الخسائر الكلي، مما يرفع معامل التشغيل المجمع – Combined Operation Ratio والذي يتكون من مجموع النسب التالية:
نسبة التعويضات + نسبة المصروفات + نسبة العمولات
التراكم غير المعلوم
· كثيرا ما تفاجأ شركات التأمين في مثل هذه الحوادث بأن لديها العديد من المطالبات غير المتوقعة في وقت واحد وذلك لإنها قامت بإصدار العديد من وثائق التأمين تغطي الكثير من الممتلكات التي تراكمت في مكان واحد للعديد من الأسباب مثل تراكم البضائع داخل ساحات الحاويات.
· التراكم يؤدي لسداد الكثير من التعويضات وبالتالي تتأثر اتفاقيات إعادة التأمين مما يقلل عمولة شركة التأمين في المستقبل فيما يخص الإسنادات المستقبلية وكذلك ضياع المشاركة في الأرباح على الاتفاقيات النسبية –Profit share under proportional treaties ناهيك عن نسبة الاحتفاظ الصافي تحت اتفاقيات المشاركة - Net retention under the quota share treaties
· بالنسبة لتأثير التراكم على الاتفاقيات غير النسبية فإن حد الاحتفاظ Priority الذي تكون شركة التأمين مستعدة له يتضرر بشكل بالغ وذلك لأن الشركة يتعين عليها سداد الكثير من التعويضات في أنواع تأمين عادة ما تكون إعادة تأمينها غير نسبية مثل السيارات والحوادث الشخصية والمسؤولية المدنية وتكون مبالغ التأمين/ التعويضات هنا لكل حادث منفرد أقل من حد الاحتفاظ تحت الاتفاقية.
وهذا يقودنا إلى المشكلة الثالثة وهى:
حدود التعويض تحت الاتفاقيات الغير نسبية مثل اتفاقيات فائض الخسارة
· لا تخلو اتفاقية إعادة تأمين غير نسبي من حد أقصى للتعويضات المدفوعة خلال مدة التأمين و هذا الحد عادة ما تتجاوزه إجمالي قيمة التعويضات الواجبة السداد بسبب ذلك الحادث، وبالتالي فإن فائض هذا الحد يتعين على شركة التأمين سداده بالكامل من حسابها الخاص مما يؤثر على هامش الملاءة وقد يؤدي ذلك لتخفيض التصنيف من قبل هيئات التصنيف العالمية ورفع تكلفة إعادة التأمين في المستقبل ويكون ذلك إما في صورة مباشرة متمثلاً في سعر إعادة التأمين الغير نسبي أو صورة غير مباشرة في إعادة التأمين النسبية، عن طريق خفض عمولة الإسناد وإلغاء شرط المشاركة في الأرباح وخفض السعة الاكتتابية.
الحلول المقترحة
1. إدارة التراكم - Managing Accumulation
2. المعاينة وإدارة المخاطر - Surveys and Risk Management
3. اتفاقيات وقف الخسارة – Stop Loss Treaties
إدارة التراكم
· لطالما كان التراكم غير المعلوم كابوس المكتتب، وهو لا يزال كذلك حتى مع تقدم علوم الاكتتاب المتنوعة، ودائما ما يفاجأ المكتتب بحجم التعويضات التي يجب عليه سدادها بعد الكارثة لذلك تظهر أهمية إدارة التراكم لتفادي العواقب السيئة التي ذكرت أعلاه.
· من المعلوم أن إدارة التراكم صعبة لكن ليس مستحيلاً ويكون ذلك بعدة طرق نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
§ الاهتمام بتسجيل إحداثيات الممتلكات بدقة وعدم إصدار عروض الأسعار والوثائق إلا بعد الحصول على تلك الإحداثيات وتسجيلها بدقة على برامج الاكتتاب وذلك لمعرفة التراكم في أي منطقة بشكل دوري وبدقة و سهولة.
§ عمل اختبار الضغط – Stress Test وتكراره مرة كل عام على الأقل وذلك لوضع تصور عن أسوأ سيناريو قد يواجه الشركة.
§ الاعتماد على إعادة التأمين الاختياري في المناطق التي يزيد فيها التراكم عن حد معين.
§ الاهتمام بدراسة الحد الأقصى للخسارة المقدرة – EML وليس الحد الأقصى للخسارة المحتملة –PML حيث إن الأولى تمثل السيناريو الأكثر تشاؤماً وبالتالي تتجنب الشركة الاحتفاظ المفرط الذي يؤدي لكارثة مالية فيما بعد، لكن ذلك يجب أن يكون بالتوازي مع الاهتمام بالإسناد المباشر لاتفاقيات إعادة التأمين لتحقيق ما يعرف بـ Estimated Premium Income (EPI) وذلك لضمان سريان وتجديد اتفاقيات إعادة التأمين بشكل سلس.
المعاينة وإدارة المخاطر
· المعاينة السابقة للإصدار في غاية الأهمية حيث إنها تقدم للمكتتب صورة واضحة عن الخطر المراد تأمينه، فالمعاين هو عين وأذن شركة التأمين ومن أهم ما يقدمه المعاين للمكتتب هو حساب علمي ممنهج للـ EML.
· كذلك يقوم المعاين بتقديم الإحداثيات الخاصة بالممتلكات المراد التأمين عليها لتسجيلها.
· يقدم المعاين النصيحة للمؤمن له بخصوص جودة الخطر مما يسهم في تحسين المخاطر وتقليل معدلات الحوادث.
اتفاقيات وقف الخسارة
· تسهم تلك النوعية من الاتفاقيات في تثبيت معدل الخسائر المجمع لشركة التأمين عند حد معين متفق عليه مسبقا مما يساعد على ضمان استقرار نتائج الشركة وقت الأزمات.
دور الاتحاد المصري للتأمين
إن الكوارث الطبيعية حول العالم يعتبر من الموضوعات الهامة التي يتم أخذها في الاعتبار ضمن منظومة التأمين وضمن ترتيبات منظومة اعادة التأمين على مستوي العالم، وعلى الجانب الأخر تقع على كافة الشركات المصرية العاملة في مجال التأمين وإعادة التأمين مسئولية وطنية تتمثل في نشر الوعى بين أفراد الشعب المصري للدور الذى يمكن أن تلعبه الحماية التأمينية في التخفيف من الآثار الناتجة عن مثل هذه الأحداث، ومن جانبه يقوم الاتحاد المصري للتأمين حالياً باستكمال دراسة إنشاء مجمعة لتأمين الأخطار الطبيعية لتساهم في زيادة الطاقة الاستيعابية الحالية لشركات التأمين العاملة بالسوق المصري لمواجهة مثل هذه النوعية من الكوارث.