أستاذ علم الحشرات : القوارض والزواحف تصوم في رمضان

إسلاميات



كتب الله تعالى علينا الصوم كما كتبه على أمم سابقة، لقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» وما نعرفه عن هذه الأمم أنها من البشر مثلنا، ولكن ما لا نعرفه هو أن حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه اقتضت أن تجري سنة الصوم في عالم الكائنات الحية نباتية أو حيوانية، كيف ذلك؟

هذا ما سنعرفه من خلال الحوار مع الدكتور «محمود ثروت» أستاذ علم الحشرات بجامعة عين شمس، وصاحب العديد من المؤلفات والموسوعات العلمية.

كينونة الصيام

في البداية يقول الدكتور «ثروت» إن عالم الحشرات يقدم لنا أنماطا من الصيام تدل على قدرة الله سبحانه وتعالى، وإذا كان المعلوم في دنيا الناس أن تناول الطعام والشراب أحد أسباب نمو الكائن الحي وتطوره؛ فلكي نقف على أسرار هذا الصيام لا بد لنا من معرفة سريعة أيضا بدورة حياة هذه الكائنات الحية.

وإذا كان صيام المسلمين يعني الامتناع عن الطعام فترات النهار من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، ويبدأ تناول الطعام والشراب من غروب الشمس حتى بداية النهار التالي، فهناك كائنات حية أخرى خلقها الله تصوم معنا، ولكن تختلف عنا في أن صيامها طوال العام، ويشبه صيامها صيامنا في الامتناع عن الطعام والشراب والتكاثر.

فعلى سبيل المثال تقوم الفراشات بجميع أنشطتها, خاصة الغذاء اعتبارا من غروب الشمس وحتى طلوع الفجر، والفراشات عبارة عن حشرات يطلق عليها «حرشفيات الأجنحة»، وهي كثيرة الألوان متنوعة في أشكالها.. والأطوار الصغيرة «غير كاملة النمو» من الفراشات وهي اليرقات، فهي أيضا تتغذى ليلا وتصوم نهارا.

الطيور

أما في عالم الطيور -يقول الدكتور محمود ثروت- فهناك عدد لا بأس به من الأنواع يختصر نشاطه على فترات الليل بدءا من الغروب وانتهاء بالشروق، وهي الفترة التي تقوم فيها الطيور بالتغذية والطيران والتزاوج، أما أثناء النهار فهي تخلد للراحة أو النوم, حتى إن هناك نوعا من الطيور أطلق عليه البدو العرب اسم «أبوالنوم» لأنهم اعتادوا رؤيته أثناء النهار في حالة نوم في مناطق الكثبان الرملية فسمي «أبوالنوم»، وهذا الطائر ينشط مع حلول الغروب فيطير فاغرا فمه أثناء الطيران ليلتقط حشرات ليلية ويكون في هذه الحالة يتغذى وهو طائر.

الكروان

ينطبق نفس السلوك على طائر «الكروان»، وهو طائر يميل إلى النشاط, ويفضله مع حلول الغروب وقرب طلوع الشمس، وفي الليالي القمرية، حيث يتغذى ويحصل على ما يبتغيه من مواد غذائية مثل السحالي والفئران والحشرات الليلية أثناء تلك الفترات، ولا ينشط في النهار إلا إذا كان مضطرا لذلك لشدة جوعه أو لإزعاجه في مسكنه.

البُوم

«البوم» من الطيور ليلية النشاط، وتوجد منها أنواع عديدة تنتشر في المدن والقرى بالقرب من الإنسان، ومنها ما يعيش في الصحاري، فمثلا البومة الماصة، وأم قويق، وبومة بتللر، وقصيرة الآذان، تعيش كلها على حواف القرى وداخلها، أما البومة اللامة، أو ذات القرون، أو طويلة الآذان، فهي تعيش في المناطق الصحراوية وهي أضخم أنواع البوم على الإطلاق.

وجميع الأنواع السابق ذكرها تقوم بالتغذي على الطيور الصغيرة والجرذان والفئران والثدييات الصغيرة الأخرى أثناء الليل.

الثعابين

أما «الثعابين» -يقول الدكتور محمود ثروت- فلها قصص كثيرة، فهي كائنات عديمة الأرجل تعيش في جحورها طوال النهار وإن خرجت تسكن أسفل الصخور هربا من أشعة الشمس صيفا، وتلجأ إلى البيات الشتوي شتاء، حيث تصوم تماما عن الأكل، وهذا يعني أنها صيفا تصوم نهارا، وشتاء تصوم ليلا ونهارا فيما يسمى البيات الشتوي.

ورغم اختلاف سلوكيات الثعابين والحيات فإنها جميعا تتفق في سلوك واحد وهو الاختباء نهارا والصيام عن الطعام، ولا تمارس نشاطها إلا ليلا.

التارد جرادا

هناك كائنات ثُمانية الأرجل، لها ثمانية أرجل تتحرك ببطء وتعيش في الأماكن الرطبة، وهي عبارة عن حيوانات صغيرة الحجم ترى بالعين المجردة وهي تتغذى على الطحالب في الأماكن الرطبة التي تعيش فيها، هذه الكائنات أيضا تصوم نهارا تماما، حيث تمتنع عن النشاط والحركة والتغذية وتنشط ليلا للحصول على ما تريد، هذا نوع من الصيام، ولها نوع آخر من الصيام قد يصل إلى مدد طويلة وتضطر إليه بصفة خاصة خلال موسم الجفاف، فعندما تجف المياه التي تعيش بها تجف هي الأخرى وتتحول إلى ما يشبه أوراق الشجر، وتشل تماما عن الحركة، هذا السكون قد يستمر لعشرة أعوام حتى إذا سقط المطر أو طالتها رطوبة بأي شكل فإن أجسامها تتفتح مرة أخرى وتمتلئ حيوية وتعود إلى نشاطها الطبيعي، فسبحان الله الذي يحيي ويميت!

الخفافيش

أما «الخفافيش» فهي حيوانات ليلية تسبح في الفضاء في الظلام الدامس بمهارة وبراعة رغم ضعف إبصارها، فهي تتحرك بخفة وتتعرف على ما حولها عن طريق صدى الصوت والتقاطه.

وتتغذى «الخفافيش» على الحشرات, تصيدها أثناء الطيران، ومنها أنواع «تعض» ظهور الأبقار فيسيل منها الدم فتقوم بلعقه فيطلق عليها «مصاصة الدماء»، وهي الفكرة التي استوحى منها كتاب السينما عمل أفلام مصاصي الدماء المختلفة.

و»الخفافيش» تتوقف تماما عن النشاط والتغذية أثناء النهار، فتكون مختبئة داخل الأماكن المهجورة والكهوف والحجرات المظلمة ولا تتركها إلا مع الغروب، وجميع الخفافيش تصوم نهارا مثل الإنسان في رمضان.

العناكب الحرة

تتغذى العناكب على الحشرات أثناء الليل، حيث تلدغها أولا فتشل حركتها ثم تمتص السوائل الموجودة في أجسامها، وهذا يعني أنها تصوم نهارا، فهي لا تتغذى في وجود الضوء.

القوارض

ويستطرد الدكتور «محمود ثروت» في حديثه قائلا: إن «القوارض» عبارة عن حيوانات تتبع رتبة من رتب الثدييات منها ما يسمى «بالجرذان» ومنها ما يسمى «بالفئران»، والجرذان أكبر من الفئران في الحجم, وكل منهما ينشط في فترة الليل بدءا من الغروب وحتى شروق الشمس، حيث يتغذى ويتكاثر ويتحرك كيفما شاء باستخدام حواسه السمعية والشمية المرهفة مع ضعف إبصاره، هذه الحيوانات تتغذى على كل شيء ما عدا المعادن، وهي تلوث كل شيء، وتتواجد حيثما يوجد الإنسان، ولكنها كما قلنا تصوم نهارا وتقوم بأعمالها المتلفة المدمرة ليلا.

القواقع

ويختتم الدكتور «ثروت» حواره بالحديث عن «القواقع» حيث يقول إنها حديث الساعة، حيث أصبحت في السنوات الأخيرة مصدرا لشكوى الكثير من المزارعين لشراهتها بأعدادها الوفيرة في إتلاف النباتات والمزروعات مما يعود بالخسارة على هؤلاء المزارعين، وهي تتغذى على الأوراق النباتية، وتنشط لهذا الغرض من الغروب وحتى الشروق لليوم التالي، أما النهار فهو للاختباء والراحة، أي تعتبر صائمة، وهذا يتم شتاء، أما في الصيف فهي تكاد تكون مختفية وهو ما يسمى بالسكون أو «البيات الصيفي» فهي طوال فترة الصيف صائمة، وهي حيوانات ليلية شتوية، فسبحان الله العظيم!