تفسير سورة البقرة من الأية (25 ) إلى (29)

إسلاميات


{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

وَبَشِّرْ أَخْبِرْ الَّذِينَ آمَنُوا صَدَّقُوا بِاَللَّهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْ الْفُرُوض وَالنَّوَافِل أَنَّ أَيْ بِأَنَّ لَهُمْ جَنَّات حَدَائِق ذَات أَشْجَار وَمَسَاكِن تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا أَيْ تَحْت أَشْجَارهَا وَقُصُورهَا الْأَنْهَار أَيْ الْمِيَاه فِيهَا وَالنَّهْر الْمَوْضِع الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاء لِأَنَّ الْمَاء يَنْهَرهُ أَيْ يَحْفِرهُ وَإِسْنَاد الْجَرْي إلَيْهِ مَجَاز كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا أُطْعِمُوا مِنْ تِلْكَ الْجَنَّات . مِنْ ثَمَرَة رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي أَيْ مِثْل مَا رُزِقْنَا مِنْ قَبْل أَيْ قَبْله فِي الْجَنَّة لِتَشَابُهِ ثِمَارهَا بِقَرِينَةِ وَأُتُوا بِهِ أَيْ جِيئُوا بِالرِّزْقِ مُتَشَابِهًا يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا لَوْنًا وَيَخْتَلِف طَعْمًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مِنْ الْحُور وَغَيْرهَا مُطَهَّرَة مِنْ الْحَيْض وَكُلّ قَذَر وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مَاكِثُونَ أَبَدًا لَا يَفْنَوْنَ وَلَا يَخْرُجُونَ . وَنَزَلَ رَدًّا لِقَوْلِ الْيَهُود لَمَّا ضَرَبَ اللَّه الْمَثَل بِالذُّبَابِ فِي قَوْله : ( وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا وَالْعَنْكَبُوت فِي قَوْله : ( كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوت مَا أَرَادَ اللَّه بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاء ؟ الْخَسِيسَة فَأَنْزَلَ اللَّه

{26} إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ

إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب يَجْعَل مَثَلًا مَفْعُول أَوَّل مَا نَكِرَة مَوْصُوفَة بِمَا بَعْدهَا مَفْعُول ثَانٍ أَيّ مَثَل كَانَ أَوْ زَائِدَة لِتَأْكِيدِ الْخِسَّة فَمَا بَعْدهَا الْمَفْعُول الثَّانِي بَعُوضَة مُفْرَد الْبَعُوض وَهُوَ صِغَار الْبَقّ فَمَا فَوْقهَا أَيْ أَكْبَر مِنْهَا أَيْ لَا يَتْرُك بَيَانه لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُكْم فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْ الْمَثَل الْحَقّ الثَّابِت الْوَاقِع مَوْقِعه مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا تَمْيِيز أَيْ بِهَذَا الْمَثَل وَمَا اسْتِفْهَام إنْكَار مُبْتَدَأ وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي بِصِلَتِهِ خَبَره أَيْ : أَيّ فَائِدَة فِيهِ قَالَ تَعَالَى فِي جَوَابهمْ يُضِلّ بِهِ أَيْ بِهَذَا الْمَثَل كَثِيرًا عَنْ الْحَقّ لِكُفْرِهِمْ بِهِ وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهِ وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَته

{27} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

الَّذِينَ نَعْتَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مَا عَهِدَهُ إلَيْهِمْ فِي الْكُتُب مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْد مِيثَاقه تَوْكِيده عَلَيْهِمْ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل مِنْ الْإِيمَان بِالنَّبِيِّ وَالرَّحِم وَغَيْر ذَلِكَ وَأَنْ بَدَل مِنْ ضَمِير بِهِ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض بِالْمَعَاصِي وَالتَّعْوِيق عَنْ الْإِيمَان أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ هُمْ الْخَاسِرُونَ لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ

{28} كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

كَيْفَ تَكْفُرُونَ يَا أَهْل مَكَّة بِاَللَّهِ وَقَدْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا نُطَفًا فِي الْأَصْلَاب فَأَحْيَاكُمْ فِي الْأَرْحَام وَالدُّنْيَا بِنَفْخِ الرُّوح فِيكُمْ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّعْجِيبِ مِنْ كُفْرهمْ مَعَ قِيَام الْبُرْهَان أَوْ لِلتَّوْبِيخِ ثُمَّ يُمِيتكُمْ عِنْد انْتِهَاء آجَالكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بِالْبَعْثِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ تُرَدُّونَ بَعْد الْبَعْث فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَقَالَ دَلِيلًا عَلَى الْبَعْث لِمَا أَنْكَرُوهُ

{29} هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض أَيْ الْأَرْض وَمَا فِيهَا جَمِيعًا لِتَنْتَفِعُوا بِهِ وَتَعْتَبِرُوا ثُمَّ اسْتَوَى بَعْد خَلْق الْأَرْض أَيْ قَصَدَ إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ الضَّمِير يَرْجِع إلَى السَّمَاء لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْجُمْلَة الْآيِلَة إلَيْهِ : أَيْ صَيَّرَهَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى ( فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى خَلْق ذَلِك ابْتِدَاء وَهُوَ أَعْظَم مِنْكُمْ قَادِر عَلَى إعَادَتكُمْ