عمر طاهر يكتب: صنايعية مصر «7».. نجيب المستكاوى

الفجر الفني

عمر طاهر يكتب: صنايعية
عمر طاهر يكتب: صنايعية مصر «7».. نجيب المستكاوى


(1)

قبل ظهور نجيب المستكاوى فى الخمسينيات كان النقد الرياضى فى مصر عبارة عن مربع صغير شبه مهجور فى صفحة داخلية فى جريدة «الأهرام» يعلق على الأحداث متى ظهرت، ثم تغيرت الصيغة بظهوره.

هل تريد أن تعرف ما هو حجم التغيير الذى أحدثه؟

بعد ظهور المستكاوى بسنوات، كان الكاتب الكبير موسى صبرى رئيسا لتحرير «الجمهورية»، طلب المشرف الرياضى لجريدته ناصف سليم فى مكتبه، قائلا: «لاحظت أن توزيع الصحيفة يزيد فى الأيام الثلاثة التى تقام بها مباريات ثم يقل»، قال له ناصف سليم: «طب اعمل إيه يعنى؟ أقول لاتحاد الكرة العبوا ماتش كل يوم؟»، فقال صبرى: «لا.. أريدك أن تفتعل مشاجرة صحفية كروية مع نجيب المستكاوى، بحيث تكتب مهاجما له فيرد عليك فترد عليه وهكذا فيزيد التوزيع»، رفض ناصف سليم الفكرة لصداقته مع شيخ النقاد المستكاوى، فكتب موسى صبرى بنفسه مهاجما واصفا المستكاوى بأنه «الديك الفصيح»، فرد عليه المستكاوى فى سطور قليلة ولمرة واحدة متحدثا عن كُتاب السياسة الكبار الذين أفلسوا فبدؤوا «يتمحكون فى الكورة».

ما بين فكرة أن النقد الرياضى لا يمثل شيئا، وتحوله إلى سبب جوهرى للحراك الصحفى، تقع مسيرة نجيب المستكاوى.

(2)

كان الدكتور طه حسين مستشارا لدار الكتاب العربى للنشر، هاتفهم فى مرة يسألهم عن الكتاب الذى يعملون عليه فى المطابع حاليا، فقالوا له كتاب مترجم لـ«جان جاك روسو» اسمه «أزمة الضمير الأوروبى»، كان العميد قد سبقت له قراءة الكتاب فى لغته الأصلية، فطلب منهم أن يراجع الترجمة قبل النشر.

قبل أن يدخل الكتاب إلى المطبعة كان نجيب المستكاوى ألمع لاعب كرة قدم فى مدارس طنطا ثم كلية الحقوق، قد استقر به المطاف موظفا فى وزارة الشؤون الاجتماعية، على هامش المسيرة قرر مع زوج شقيقته جودت عثمان أن يترجما كتاب جان جاك روسو، إلى أن هاتفه طه حسين يطلب مقابلته بعد أن راجع الترجمة.

بعدها أصبح المستكاوى ضيفا ثابتا فى صالون العميد، وقبلها صدر الكتاب بتقديم العميد قائلا: « تعالوا إلى لذة المعرفة، ومتعة الفهم، وسمو التذوق».

من هذه الأرضية اخترع نجيب المستكاوى مهنة جديدة تماما على مصر اسمها النقد الرياضى، تم صب قواعدها على خرسانة أدبية متينة وسقيت بذائقة فنية رفيعة، فأصبحت مدرسة.

(3)

المستكاوى الآن موظف فى وزارة الشؤون الاجتماعية بعد الثورة مباشرة، تحديدا فى إدارة شؤون الرياضة، حيث لم يكن لها وزارة بعد، أسندت إليه أمانة اللجنة الرياضية المسؤولة عن تصفية اللجنة الأولميبية من الباشوات والبكوات.

كانت مهمته تقتضى الرد الدائم على أسئلة مندوبى الصحف فى الوزارة، أوقعته المهمة فى ملل شديد من فرط الإجابة عن الأسئلة نفسها كل دقيقة، فكتب بيانا يشرح فيه كل ما حدث بالتفصيل ووزعه على الصحفيين حتى يريح دماغه، وقع البيان فى يد كمال نجيب المسؤول عن كتابة المربع الرياضى الصغير فى «الأهرام»، أعجبته لغة الكتابة، فسحب المستكاوى من يده إلى بشارة تقلا صاحب «الأهرام».

قال له تقلا: «معك الآن صفحة كاملة فانظر ماذا ترى؟»، فكر المستكاوى كيف يرى ولا فريق عمل تحت يده؟، أهل الصحافة لا يهتمون بالعمل فى الرياضة، لكن ربما يجد من أهل الرياضة من هو مهتم بالعمل فى الصحافة، فكان أن شكل فريق العمل الصحفى من كل من: كامل المنياوى «حكم ملاكمة»، وحسن عفيفى «حكم كرة قدم»، وحسن فضل «حكم رجبى»، ثم بدأ العمل.

(4)

على مدى سنوات ثلاث كانت الصفحة حديث الوسط والجمهور، ولم يكن يوقع باسمه خلالها، كان يضع المادة ولا اسم فى الصفحة سوى اسم كمال نجيب فى مربعه الصغير.

نقلت بقية الصحف التجربة، لكن الإعلانات التجارية لم تكن تعرف سوى صفحة المستكاوى فى «الأهرام» فتقتطع منها مساحات، ثم صدر قانون عدم الجمع بين وظيفتين فاستقال المستكاوى من الوظيفة وتفرغ لـ«الأهرام».

فى هذا اليوم كتب كمال نجيب عنه يقدمه للناس ويحكى عن مجهوده الصامت فى السنوات الماضية، ثم طلب كمال نجيب أن يتفرغ لمنصب سكرتير التحرير على أن يتولى المستكاوى رئاسة القسم الرياضى.. وهو ما حدث.

أصبح الأمر الآن أصعب من ذى قبل، فما اخترعه المستكاوى فى «الأهرام» تحول إلى عرف ثابت فى كل صحيفة مصرية أخرى، وكان عليه أن يقبل المنافسة، فترك المنافسين يسيرون فى الطريق العمومى ثم اخترع لنفسه طريقا جانبيا مدهشا.

( يتبع غدا).