مفيد فوزي يكتب: الجميلات التافهات!

الفجر الفني

مفيد فوزي يكتب: الجميلات
مفيد فوزي يكتب: الجميلات التافهات!


بالطبع منتهى الظلم أن أقول (الجميلات تافهات) لأن الجميلات مبتدأ وتافهات هو الخبر، وهذا حكم جائر. ولكن «الجميلات التافهات»، تعنى نوعية من الجميلات ينفقن على جمالهن أضعاف أضعاف ما ينفقن على عقولهن، ولم يخطئ شاعر المرأة نزار قبانى حين قال إن «أسوأ مصادر إلهام الشعر هن ملكات الجمال»! وربما كان نزار يقصد الجمال حين يكون شمعياً رخامياً مملاً وبارداً. القاعدة تقول إن الكمال فى الجمال لابد فيه من (نقصان). والمتأمل لجميلة جميلات جيلى صوفيا لورين يلاحظ أن لها (ضب) صغير لم ينتقص من جمالها. وأغلب الظن أن بعض النساء الجميلات يكتفين بجمالهن فقط بحيث تبدو ضحالتهن ساطعة كشمس استوائية! ما تكاد الواحدة منهن تفتح فمها فتتساقط منه التفاهة. ولست أطالب الجميلات بثقافة سيمون دى بفوار ولكن بحد أدنى من الفهم. حد أدنى يتيح لها التواصل (الطويل) مع المجتمع.

شىء آخر غير منحيات الجسد والشفاه القرمزية والصدر الناهد. شىء ما فى مركز المخ تنطق به فنطيل النظر لهذا الجمال. وما أكتبه الآن بعيد تماما عن ملكات الجمال وطقوس اختيار الملكة المتوجة. إنما مقالى ينصب على الجمال الربانى والجمال المصنوع والمحتوى فى رأس الجميلة أو الخواء. إننى أعلم أن نصف نساء الأرض الجميلات يخضعن لعمليات تجميل من أجل الأجمل وربما فى أحيان كثيرة..

للأقبح. والحق أقول إنه لا توجد امرأة قبيحة، فكل امرأة تنطوى على نسبة ما من الجمال وتحتاج لإبرازها ولن يتأتى هذا إلا بوجود الذكاء. إن الذكاء كفيل بإضافة جمال غير منظور للمرأة. وإن خالفنى فى هذا المنطق بطرس غالى الكبير لأنه يرى أن الجميلة الغبية، يغفر جمالها هذا الغباء المستوطن، وقد فتنت يوما بـ(جورجينا رزق) ملكة الكون وقابلتها فى لبنان ورحت أسألها أسئلة عامة وأحزنتنى إجاباتها حينئذ. وقلت لنفسى سرا: كيف هذا الجمال الأسطورى يخاصم الذكاء؟! وقد غضبت يومئذ جورجينا رزق وقالت (فاكرنى سعيد عقل؟) تقصد المفكر اللبنانى الكبير سعيد عقل. أنا لم أسأل جورجينا عن أصل الكون ولكنى سألتها عن أصل «شجرة الأرز» عنوان لبنان.

لم أسأل جورجينا عن نظرية داروين ولكنى سألتها عن نظرية الحب فى حياتها. حقا إن المرأة الفاضلة (تلهم) والذكية (تثير الاهتمام) والجميلة (تجذب) والرقيقة، تفوز بك. صحيح أن الجمال للمرأة كالمال للرجل (قوة وسلطان). والمرأة الجميلة، أينما حلت فإن (بطاقتها) جمالها. إننى أجزم أن حنان المرأة وأنوثتها ورقتها هى النبع الجميل الذى يدير رأس الرجل. إن أوناسيس الملياردير وقع صريعا أمام رقة وأناقة جاكلين كنيدى فتزوجها. وملكة القلوب الأميرة ديانا لم تكن إليزابيث تيلورا جين راسل، إنما كانت (أيقونة رقة) ولم يكن الأمير تشارل يراها جيدا! وعندما راحت ديانا فى حادث سيارة مدبر بكاها العالم لرقتها التى توزع على قارة. إن فعل الخير عند الأميرة ديانا كان الجمال كله. نعم ربما لم تكن المرأة الجميلة طيبة ولكن المرأة الطيبة حتما جميلة. هنا يختلف مفهوم الجمال. فالجمال فى هذه الحالة لا مقاييس بالسنتيمتر محددة له، ولكنه كتلة معنويات تتجاوز رشاقة الجسد.

المرأة الجميلة يتسلل إليها فيروس (الغرور) الذى قد يتمكن منها دون أى مناعة. وقد قرأت عبارة للفنان أحمد سالم أحد فرسان الأزمنة الجميلة، وكان مشهودا بجاذبية مغناطيسية تجذب الجميلات. قال (إن أجمل النساء من لا تعرف أنها جميلة). ما يقصده الدونجوان أن أسوأ النساء من تعرف أنها جميلة وجمالها مؤثر، وبعض الرجال أمام هذا الجمال الفتاك يتحولون إلى (بقر يحين حلبه). والجمال نسبى، فقد لا تعجبنى ملكة جمال لأنى ألمح فيها فجاجة ما. ربما فى الصوت، أو فى ضحكتها أو فى طريقة كلامها. المهم، هناك فى هذه الجميلة ما لا أستريح له! زمان، كان محرما على السمراء دخول مسابقات الجمال. وقد ثبت لى أن ملكات جمال بلون النسكافية هددن عروش الشقراوات. سمراوات لهن عقول لا يهمهن طول الخصر ومقاس الصدر، فإذا ما تكلمت الملكة أصغت الحاشية لها! وحظ البنت الجميلة فى الزواج دائما عاثر ونصف أسباب «عنوستها» يعود لها، فهى (تستخسر) نفسها فى الرجال ولذلك يمضى العمر دون أى ارتباط لأنها لم تجد بعد الرجل «الجدير» بها. عيون المرأة، عنوان جمالها وربما تقودك إلى داخلها. أنت ترى أعماق المرأة الجميلة من عينيها. ولذلك (يتردد) الرجال الذين يبغون الزواج من بنات جميلات. سبب التردد أن الجميلة عنيدة وليست سلسة وصديقها الأكبر كوافيرها ومثيرة للغيرة والنكد المحتمل. وكم من حالات طلاق لم يدم فيها زواج الجميلات كثيراً والسبب دائما (التفاهة والغرور). هناك أيضا (الجميلة الثرثارة) التى تريد أن تقنعنا أنها جميلة ومثقفة فتثرثر فى الفاضية والمليانة. وأبراج النساء لها تأثير على سلوكهن. فالجوزائية جميلة لأنها عدة نساء فى امرأة واحدة! والمرأة الأسد شخصية قوية لا تهتم بجمال الشكل، والمرأة العذراء جمالها فى هدوئها، والمرأة الثور من كوكب الجمال والحب والعاطفة لا تسعى وراء الرجل.

أما المرأة الجميلة العقرب فالحب معها يبدأ بكلمة وينتهى بصدمة! والمرأة الجميلة عند محمد عبدالوهاب (جفن علم الغزل) وعندما أراد صلاح جاهين أن يصف صوت امرأة جميلة، قال (صوتك يا بنت الإيه.. بدن). الجميلات التافهات لا يشغلهن سوى أجسادهن. لا يقرأن كلمة، ولا يعترفن بماكياج الثقافة بل إن الثقافة ألد أعدائهن! أنهن (دائمات) النظر للمرايا فهى الصديق الصدوق. مع أن الجميلات يرين أنفسهن أكثر فى عيون الرجال، ولا شىء يغيظ الجميلة قدر تحول عينيك عنها. فهى تريد أن (تجمع كل العيون المشتاقة) فهذا يعطيها ثقة وقوة. أحيانا (تجن) امرأة جميلة بكل المقاييس حين ترى امرأة متواضعة «المقاييس» تسيطر على الرجال. وتفسير ذلك بسيط: هذه المرأة متواضعة المقاييس تكحلت بالبصيرة والذكاء وتمكيجت بالرقة والحلم وتسلحت بالبساطة والعفوية فاستخدمت الصوت الخفيض سلاحاً. إنها تعرف قيمة الإصغاء لآخر. إن الجمال المظهرى يسر العين وقد لا يبهج الفؤاد. صحيح أن العيون تنجذب إليه ولكن ماذا بعد؟ إن الجميلات من أتعس خلق الله زواجا. ربما كانت الغيرة عليها أو منها (الصخرة) التى تتحطم عليها سعادتها. كان أجدادنا يحذروننا من الجميلات الفاتنات كانوا يقولون (الجمال فى الأصل، وفى الطيبة وفى الرقة) وكل من تزوج جميلة، كان مغامرا وربما كان صيادا ماهرا! وبين شعوب العالم تحظى اليابانية الجميلة بإقامة أطول فى زواجها. إن أصعب الزيجات هى زيجات ملكات الجمال. إن جمالها - والمحافظة عليه - قبل الزواج والرجل والأطفال إنها تنذر نفسها لمسابقة الجمال القادمة حتى لا يضيع منها التاج إنه (شقاء)الجمال إن جاز لى الوصف.

ما أصعب امرأة جميلة ذات لسان سليط. إنه أى (اللسان السليط) يخصم كثيرا من رصيد جمالها. اللسان السليط يصدر لنا (قبحها) الذى لا نراه قبل أن تفتح فمها. ويصدق المثل القائل (أغضب امرأة تعرفها جيدا) ومحال أن تكون امرأة طيبة ذات لسان سليط وإذا اجتمعت الطيبة والجمال كانت ذروة المنتهى والمأمول. ولأنى مؤمن أن الجنس - كغريزة إنسانية - هو (اشتهاء اجتماعى)، فمهما كانت المرأة الجميلة ذات الدلال سليطة اللسان وسيئة التعاملات وكريهة الطباع، فقدت سحر جمالها وصار دلالها (مضروبا). ناهيك عن المرأة «الجميلة الخائنة» التى يراها كامل الشناوى (مزبلة فى طريق عام) ويراها الفنان صلاح طاهر (تورتة يحط على سطحها سرب من الذباب) ربما كان الجمال التافه (يزين لصاحبته المغامرة ضد الفضيلة) كما سمعتها من الموسيقار عبدالوهاب والمؤكد أن الثقافة (تكبح الجمال إذا انفلت) كما كان يردد مصطفى محمود. الجميلات التافهات، فراشات هائمة، ملونة بألوان الطيف يسقطن سريعا فى نقطة ضوء. لا يحتملن إضاءة العقول أبدا.. وتسقط ورقة التوت عن أى جميلة ضحلة، لتكشف عورة العقل. أعطنى امرأة دميمة لها عقل ذكى متوثب طموح متطلع مثقف وأنا أعطيها صوتى لتجلس على عرش ملكات الجمال!!

المقال نقلا عن المصري اليوم