"الفقر و ضيق المعيشة" يدفعان قاطنى العشوائيات للجنون

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


 

 

هل تخيلت يوما أن تجد عيادة لعلاج الأمراض النفسية بمنطقة شعبية ؟، وهل سألت نفسك ما هى طبيعة الأمراض التى قد يعانى منها قاطنى هذه المناطق ؟، فمعظم وسائل الإعلام و السينما عرضت مشاكل العشوائيات مرارا وتكرارا ولكن لم يتطرق أحد إلى طبيعة الأمراض النفسية التى قد تلحق بهؤلاء جراء هذا الكم الهائل من المشاكل و المعاناة اليومية من ظلم و قهر و ضيق المعيشة ليستحق هؤلاء عن جداره لقب من هم "بره الكادر".

 

فى ميدان العباسية الشهير وبالتحديد شارع يحمل نفس أسم الميدان عيادة للأمراض النفسية فى هذا الشارع الذى يسوده الهدوء التام على عكس الميدان الذى يضج بالضوضاء وللوهلة الأولى من دخول العيادة السابق ذكرها و المتواجده بالدور الأرضى تدرك إنها عيادة للأمراض النفسية حيث يوجد " الشاذلونج" وبعض الأدوية وملفات الحالات التى تعرض علي الطبيب و بعض الكتب النفسية وتتكون العيادة من ثلاث غرف أحدهما مخصصة للمرضى الجالسين فى إنتظار دورهم فى الكشف و الأخرى خاصة بالطبيب ومكونة من مكتب وشاذلونج وبعض الشهادات العلمية المعلقة على الحائط وأخرى مخصصة للملفات الخاصة بالمرضى و الابحاث العلمية.

 

في هذا السياق قال الدكتور غياث أبو لغد إستشارى الأمراض النفسية و المخ و الأعصاب والدكتور المعالج بالعيادة السالف ذكرها  أن الإدمان وتعاطى المخدرات وما ينتج عنهما من أعراض و أمراض غير سوية مثل العنف و العدوان و الإنحلال الأخلاقى وهى ظواهر غريبة على الشارع المصرى قد تؤدى فى كثيرا من الأحيان إلى السرقة و النصب و الإحتيال و التى قد تتحول إلى أمراض مزمنة مشيرا أن التحرش  الذى قد يصل للإغتصاب يأتى فى المرتبة الثانية بالنسبة للأمراض الأكثرا إنتشارا فى المناطق الشعبية لافتا أن غالبية حالات التحرش ترفض ذكر اسمها بسبب قيود المجتمع.

 

وأضاف أبو لغد أن حالات زنى المحارم تأتى فى المرتبة الثالثة و التى إنتشرت بشكل ملحوظ فى الأونة الأخيرة وهو مؤشر خطير لافتا أن تعاطى المخدرات هو السبب الرئيسى لحالات زنى المحارم التى عرضت عليه وتابع الإكتئاب يأتى فى المرتبة الرابعة و الذى قد تصل بعض حالاته إلى درجة خطيرة نتيجة عدم التوزان و التكافىء الاجتماعى مؤكدا أن غياب العدالة الاجتماعية أدى  إلى وجود بيئة خصبة للأمراض النفسية و إنتشارها بشكل كبير.

 

وحمل أبو لغد الصيادلة و المستوردون مسئولية إنتشار المخدرات فى مصر قائلاً الصيادلة  سبباً رئيسياً فى ترويج الترامادول و بعض الأدوية المخدرة الغير معروفة فى السوق بالإضافة إلى مستوردو المخدرات.

من جانبه قال الدكتور هانى السبكى إستشارى الأمراض النفسية و العصبية أن كل المناطق الشعبية و العشوائية بلا إستثناء تعاني من كمية من المشاكل وتابع بالرغم من إختلاف هذه المناطق من حيث المكان وحجم وعدد السكان والمساحة فإنها تشترك فى المعاناة التى تواجههم وتدفعهم إلى العنف والعصبية والإضرار بالنفس والغير والبيئة المحيطة حيث تدنى مستوى المعيشة، وزيادة الفقر والأمية، وعمالة الأطفال، وإنعدام الخصوصية، والثقافة وتدهور الخدمات الصحية والأوضاع البيئية، وكل هذا يجعلهم يتعرضون إلي نوعين من الأامراض، والتي تنقسم إلي نوعين الأول أمراض "نفسية" مثل حالات الإكتئاب والإنفصام في الشخصية و التحرش والسرقة والنهب.

وأضاف السبكى أن الأمراض الإجتماعية مثل السرقة، والتحرش، و زنا المحارم، والشذوذ الجنسي، وإدمان  المخدرا ت، والإختلاط، الأسباب الرئيسية لها ضيق العيش، وقهر الظروف، والزحام، وعدم وجود فرص العمل.

وفيما يتعلق بالحالات التى لا ينساها قال السبكى، أن كل المواقف والأمراض متشابهة، ضاربا مثل لحالة فتاة تبلغ من العمر 13 او 14 سنة، وكانت تمارس الدعارة بتقنين من أهلها حتي تجلب لهم الأموال في نفس الوقت الذي يريد فيه أهلها بالدفع بأختها الأصغر منها في العمر لتقوم معها بالدعارة لزيادة الدخل والربح للأسرة، مضيفا ولا أنسي أيضا هذه الأسرة التي كانت تعمل بكاملها في تجارة المخدرات، وأسرة أخرى تقوم بعمليات السرقة بإلاكراه في العشوئيات، وغيرها من المواقف التي لا تنسي.

 

وأشار السبكي إلى أنه يغلب على المناطق العشوائية أيضا المسكن غير الأدمى، وغير الصحي، وزيادة عدد أفراد الأسرة فى الحجرة الواحدة، دون وجود التهوية والإضاءة والنظافة المناسبة، وتراكم المخلفات التى يتم التخلص منها بوضعها فوق العشش، وأسطح المنازل الأمر الذى يهيئ بيئة مناسبة لإنتشار التلوث والأمراض، بالإضافة إلى التلوث السمعي، والبصري، والهوائي.

 

وأوضح أن الزحام والتكدس السكانى وضيق الشوارع وصرفها الصحى الغيرصحى بطريق مباشر وغير مباشر يؤثر على السلوك النفسى بطريقة مباشرة عن طريق التأثر بالعدوى نتيجة السلوك الجانح، وبطريق غير مباشر على الآخرين، لذلك أصبح هناك عدوى العشوائية من خلال السلوك ومحاولة التقليد والمحاكاة، كما يقال من البعض" ده ولد بيئة".

وبالإنتقال لعيادة أخرى بالقرب من مستشفى القوات الجوية بميدان العباسية بمجمع ضياء الطبى توجد عيادة الأمراض العصبية و النفسية، أعلى فرن لبيع المخبوزات وعدد من المقاهى ومسجد وتتكون تلك العيادة المتواجدة بالدور الأرضى من غرفة واحدة ومكتب و شاذلونج وصاله إنتظار للمرضى وعدد من الشهادات العلمية التى يحملها الطبيب المعالج وعلى غير المتوقع إكتظت العيادة بالمرضى وكانت أغلب الحالات تعانى من الادمان و بعض الحالات امراض عصبية.

وقال الدكتور " جمال فرويز " إستشارى الأمراض النفسية و العصبية، أن المناطق الشعبية لها أمراضها و التى لا تختلف كثيرا عن المناطق الراقية التى يتواجد بها أيضا مناطق شعبية و عشوائية مؤكدا أن الأمراض المنتشرة فى الأماكن العشوائية مختلفة عن المناطق الراقية بسبب التلاصق بين البيوت و الذى ينتج عنه الإختلاط الأكثر من اللازم مع إنتشار التعاطى و الإدمان وخصوصا الترامادول و البانجو اللذان يذهبان بالعقل.

وأشار أن المدمن يلجأ لأية تصرفات غير مسئولة مما يؤدى لإنتشار كبير لزنى المحارم لافتا أن معظم النسب المسجلة عن حالات التحرش و زنى المحارم غير حقيقية، مؤكدا أن اثار تعاطى مخدر الترامادول ظهرت بشكل ملحوظ فى صورة زنى محارم و تحرش وسرقة وغيرها ضاربا مثل لأستاذ جامعى أزهرى كان يريد الجمع بين زوجتيه فى فراش واحد أثناء علاقته الحميمية معهم كحالة للإضطراب النفسى بالإضافة إلى حالات التحول الجنسى رغم إكتمال الأنوثة أو الرجولة كشذوذ جنسى.

وأوضح فرويز أن تداعيات ثورة يناير صاحبها إنهيار للمنظومة الأخلاقية ومن ثم ظهور العديد من الحالات النفسية كتعاطى المخدرات و التحرش و إنعدام القيم فى الشارع و غيرها، وأضاف أن هناك حالات تعانى من الإدمان دون وجود أسرة لهم و يعانون من الوحدة و يرفضون العلاج لعدم وجود دافع لهم للإقلاع عن الإدمان، مشيراً أن زيادة المواد المخدرة السبب الرئيسى لإنتشار الأمراض النفسية و خصوصا بعد الثورة.