عبدالرحمن صلاح يكتب: سلام إلى روحك الطاهرة يا أمي

ركن القراء

بوابة الفجر


أشعر أننى لأول مرة أمسك بالقلم، لا أعرف ماذا أكتب عنك، كيف أجسد تفاصيل علاقة نادرة بين اثنين من العشاق، طرفان ارتبطت روحهما وتكاملت منذ البداية.. اثنان يمثل كلاهما الحياة بالنسبة للآخر، لكن الأخير تحول إلى جسد تخلت عنه الروح الطاهرة التى فارقته دون ميعاد. 

إنها أمى أنا.. الشخص الوحيد الذى أكتب عنه وله، الإنسانة التى لا أريد سوى محاكاتها هى فقط.. لأستعيد معها كل ما مضى من حكايات تستحق أن أسردها فى مجلدات، وليس عدة أسطر.

أعترف فى يوم عيدك الذى تحول إلى مأتم بدونك، أننى العاشق.. أنا الذى أحب بكل ما يملك.. أنا الذى قدم كل ما لديه ليرضى محبوبته التى تستحق كل شيء.. ولما لا وهى كالملاك، هى الأنثى التى لم ولن أرى مثلها مرة أخرى.. أعطتنى الحب، الحنان، الاهتمام، بل الرغبة فى الحياة، وهذه الأخيرة فقدتها بعد أن ذهبت هي.. فى حياتنا القصيرة التى عشناها معًا، اتفقنا على كل شيء، سطرنا مستقبلًا هى جزء لا ينفصل عنه.. رسمنا خطوطًا عريضة لحياة مختلفة نحياها معًا.. لكن للأسف لم نتفق على الفراق، لم نتفق على الرحيل، بل لم نتفق على أن أستكمل حياتى وحدى دونها، أن أعيش بمفردى بعد أن كانت هى كل عالمي.

أقولها لكِ، ولأول مرة يا أفضل وأروع من رأيت، لقد كنت أدعو ربى فى كل صلاة بأن يكون يوم رحيلى قبلك.. أن أذهب أنا وتبقى أنتِ.. نعم كنت أتمنى ألا أعيش لحظة واحدة بدونك.. خاصًة مع وعود مشتركة بيننا بعدم الفراق.. لكنك خالفتى دون إرادتك هذه المرة.

والآن.. أخبرك وأنا فى الدنيا، أرض التعب والشقاء، أننى بدونك لا شيء، لا أتذوق للسعادة طعمًا، ولا أعرف للحياة معنى، بل تحولت إلى جسد بلا روح. 

أخبرك وأنتِ فى دار الخلد، عند مليكٍ مقتدر، أننى مازلت أعشقك، مازلت على العهد وفيًا مخلصًا، مازال قلبى لم يعشق سواكِ، بل مازلت محتاجًا لتراب قدميك.. أحتاج حضنك الدافئ، أفتقد خفة ظلك، ضحكتك الصافية، أذوب عشقًا فى حنانك وطيبتك.. ولما لا وأنت أعظم الأمهات؟.. أخبرك أننى أفتقد حديثنا الهادئ، سؤالك واهتمامك، بل إحساسك بكل ما يدور فى عقلى وقلبي.

أخبرينى بالله عليكِ ماذا صنعتى بي، كيف جعلتى منى عاشقًا بهذه الصورة، كيف تحولت إلى أسير حبك وظلك.. أخبرينى بربك لماذا تحولت حياتى بدونك للاشىء.. قولى لي أى شيئ، حدثيني مثلما اعتدنا معًا.. قولى لي كلامًا مختلفًا، أخبرينى لماذا اصطفاك ربك بالرحيل، وتركنى وحدى أموت كل لحظة بدونك؟.

أخبرينى ماذا أفعل وأنا أبحث عنك كل ليلة حينما أخلو بنفسى وأستعيد ذكرياتنا الجميلة.. تفاصيلنا التى عشناها معا.. أخبرينى بربك عن لقاء قريب يجمعنا دون فراق.

أقول لك بعد ثلاث سنوات من الرحيل: سأبقى عاشقًا لترابك، متذكرًا لكل ملامحك.. أعدك بزيارات إلى قبرك لا تنتهى سوى بوفاتي.. أعدك بحب لا يعرف سوى لغة الزيادة.. بل أعدك بأن تكون أسرتى التى أسعى لتكوينها، مثلما خططنا معًا، خاصة مع زوجة أشعر أنها ستكون قطعًة منك.

وأخيرًا وليس آخر، وقبل أن نلتقى فى موعد محدد عند المولى عز وجل، أقولك لك: سلامًا لروحك الطاهرة التى لم تفارقني..

سلام على من كان يكرمني الله لأجلها.