د. نصار عبدالله يكتب : عن العين الساهرة

مقالات الرأي



ماذا يكون شعورك عندما يتصل بك من المحافظة التى كنت تقيم بها فيما مضى، ضابط شرطة لا تعرفه ولا تربطك به أى صلة من الصلات سوى أنه ضابط شرطة وأنك مواطن!! يتصل لكى يقول لك إن شقتك المغلقة فى تلك المحافظة قد تعرضت للسطو!! حيث قام أحد اللصوص بتسلق مواسير المياه وكسر نافذة الحمام، ومنه إلى داخل الشقة!، ماذا يكون شعورك عندما يطلب منك ذلك الضابط فى أدب شديد أن تتوجه إلى شقتك فى أقرب فرصة ممكنة حتى تقوم بالتتميم على محتوياتها ومعرفة ما الذى ضاع منها تحديدا، ذلك أن اللص الذى تم ضبطه يزعم أنه لم يجد فيها ما يمكن أن يسرق !!، أثات قديم متهالك وكمية كبيرة من الكتب!!، أما الثلاجة والبوتاجاز فإن من المستحيل بطبيعة الحال أن يهبط بهما من نافذة الحمام مستعملا مرة أخرى مواسير المياه!!.. السطور السابقة ليست مجرد حالة افتراضية ولكن هذا هو ما حدث معى بالفعل عندما اتصل بى فى مقر إقامتى بسوهاج المقدم حسام أبو المعالى من قسم ثانى أسيوط لكى يبلغنى بأن شقتى القديمة المغلقة الكائنة فى شارع جودة الأسدى قد تعرضت للسطو..المعتاد أن المواطن هو الذى يبلغ الشرطة بأنه قد تعرض للسرقة..أما أن تقوم الشرطة بإبلاغ المواطن بما تعرض له، فهذا أمر جديد من نوعه!! وإن دل على شىء فإنه يدل على أن المواطن وإن غفل أو قصر نتيجة لظروف صحية معينة أو نتيجة لأى ظروف أخرى..إن غفل أو قصر فى متابعة ما يخصه فى بلد بعيد نسبيا عنه، فإن عين الشرطة قد تكون هى العين الساهرة البديلة، وما حدث معى مثال على ذلك، فأنا أقيم فى سوهاج حيث أعمل بجامعتها منذ ما يقرب من أربعين عاما،.. فيما مضى كانت جامعة سوهاج مجرد فرع من فروع جامعة أسيوط، وكنت حينذاك أقيم بشكل أساسى فى أسيوط، حيث كنت أسافر أسبوعيا إلى سوهاج ثم أعود إليها، ثم استقر بى المقام نهائيا فى سوهاج، ومع تقدم السن وتدهور الحالة الصحية، أصبح من النادر جدا أن أتردد على شقتى القديمة التى تركتها مقفلة فى أسيوط، لكننى تحسبا لأى ظروف طارئة (انفجار ماسورة مياه أو تسرب غاز مثلا)..تركت نسخة من مفاتيحها مع صديق عزيز، هو عصام نياظى عوض الذى لم يقصر يوما فى (التشقير) عليها وتفقد أحوالها بين الحين والحين..وعندما اتصل بى المقدم حسام أبوالمعالى الذى حصل على رقم تليفونى من مأمور اتحاد الملاك الدكتور جمال عسكر بادرت على الفور بالاتصال بالصديق عصام الذى خف فورا إلى الشقة مصطحبا معه الدكتور جمال، حيث تبين لهما أن شباك الحمام قد تم خلعه عنوة، وعندما قاما بالتتميم على محتوياتها مع متابعتى بالموبايل تبين لهما أن كل شىء تقريبا فى مكانه.. بصراحة شديدة وبغض النظر عن هذه الواقعة.. أنا متعاطف جدا مع الجهد الكبير الذى يقوم به الشرفاء من جهاز الشرطة الذين يتعرضون بين الحين والحين لحملات ظالمة تركز فقط على التجاوزات وتنسى الإنجازات التى كثيرا ما تصل إلى حد التضحية بالدماء والأرواح.. أما عن التجاوزات فهى موجودة بالفعل ولا يمكن إنكارها، ولكن المنتمين إلى الشرطة شأنهم فى ذلك شأن أى شريحة أو فئة أخرى من المصريين، فيهم الصالح والطالح، فيهم شهيد المهنة والواجب، وفيهم أيضا المتربح من المهنة والمستثمر لصلاحياتها لمآرب شخصية، هم فى هذا لا يختلفون عن غيرهم إلا من حيث إن أعباءهم أكبر، والثمن الذين يدفعونه وهم يقومون بواجبهم أفدح بكثير.. مع هذا فإن من بيننا من يركزون على ما كانوا يطلبونه منهم ولم يجدوه، أكثر مما يركزون على ما يلقونه منهم بالفعل دون طلب.