عادل حمودة يكتب: زهايمر نبيل العربى

مقالات الرأي



■ بالمستندات.. استنكر ما كتبناه عن مكافأة نهاية الخدمة قبيل القمة العربية وهو الذى طالب بمناقشة القضية على هامش المؤتمر فى شرم الشيخ فى رسالة وجهها إلى وزراء الخارجية العرب!

■ الأمين العام أضعف من أن يفرض القضية على القمة ومشكلة مكافأة نهاية الخدمة جمدت إلى سبتمبر المقبل!

■ تقرير هيئة الرقابة المالية يكشف عن فساد فى التعيينات والقروض ونقل الخبراء إلى معينين للحصول على المكاسب الإدارية!

■ ميزانية الأمانة العامة أكثر من 60 مليون دولار لا ينفق منها على الأنشطة سوى 16 % فقط والباقى رواتب ومكافآت ومصروفات عامة!

أخيرا.. عرف الغضب طريقه إلى لسان نبيل العربى.. أخيرا.. سمعناه يزأر ويبرق ويرعد دون أن يرتعش صوته.. أخيرا.. نطق بكلمة استنكار.. كنا ننتظرها منذ سنوات.. لكن.. استنكاره للأسف كان مصابا بالحول.. فلم يصب الإرهابيين أو الانفصاليين أو المجرمين.. وإنما أصاب المصلحين.. استنكاره كان نوعا من الشلل الرعاش.. انقلب مثل حساء ساخن على صدره.. فلوث كلماته قبل أن يغرق ثيابه.

كنت قد أخرجت من ملفات الجامعة ما يثبت أن أمينها العام ترك الكوارث السياسية التى تعيشها الأمة العربية وتفرغ لقضية نهاية الخدمة.. وتمديد عقود المقربين منه.. وإنفاق ميزانيات البرامج والأنشطة على الموظفين.. إلا قليلا.

أصيب الرجل بدوار.. ووسط شخصيات دبلوماسية رفيعة لنخفف من ضغوطنا عنه.. وفقد المستفيدون منه أعصابهم فلم يجدوا سوى السباب يردون به علينا.. وأبرزهم لا أعرف عنه سوى أنه صهر كاتب سياسى راحل.. فهل هذه موهبته الوحيدة؟.

وعلى غير عادته.. وبعيدا عن طبيعته.. قرر نبيل العربى الاستنكار.. بل.. أضاف إليه الاستغراب.

استنكر إثارة أمور تتعلق بقضايا مالية وإدارية لصرف النظر عن القضايا المهمة والتحديات الخطيرة التى تمر بها المنطقة خاصة ما يتعلق بالأمن القومى ومكافحة الإرهاب.

واستغرب بإثارة تلك الأمور قبيل انعقاد القمة العربية فى شرم الشيخ.

عندك حق يا دكتور.. لكن.. أليس ذلك ما كتبناه.. ألم نتهمك بترك الكوارث السياسية والتفرغ لمكافأة نهاية الخدمة وغيرها من القضايا المالية والإدارية التى انشغلت بها؟.. هل أصيبت بالزهايمر فنسيت ما قرأت؟.

والأخطر.. هل نسيت ما كتبت بخط يدك ووقعت عليه؟.

لقد أرسل نبيل العربى خطابا إلى وزراء الخارجية العرب قبل قمة شرم الشيخ قال فيه نصا:

أكتب لمعاليكم بخصوص القرار الذى صدر عن الدورة الحالية (143) لمجلس الجامعة يوم الاثنين الموافق 9 مارس 2015 والمعنون، مكافأة نهاية الخدمة لموظفى الجامعة العربية، والذى جرى توزيع مشروع قرار بشأنه خلال انعقاد الجلسة وقد أثار اعتماد هذا القرار احتجاجا قويا لدى موظفى جامعة الدول العربية بفئاتهم وجنسياتهم المختلفة لما يمثله من ضرر بالغ بحقوقهم ومكتسباتهم الوظيفية ورأيت أن أرفق لإطلاعكم صورة من المذكرة المرفوعة من الموظفين فى هذا الشأن.

وحيث إن القرار المشار إليه أعلاه ينص صراحة على أن يبدأ التنفيذ فى الأول من إبريل 2015 فإننى أقترح مناقشة الموضوع على هامش الاجتماع المقبل لمجلس الجامعة التحضيرى للقمة العربية يوم 26 مارس الجارى بشرم الشيخ كى يتسنى للأمانة العامة أن تعبر عن ملاحظاتها حول تنفيذ هذا القرار خاصة أن مجلس الجامعة قد قرر كذلك فى دورته الحالية (143) أن تبدأ اللجنة المعنية بالتطوير الإدارى والمالى أعمالها اعتبارا من شهر إبريل المقبل مع الأخذ فى الاعتبار الملاحظات التى أبدتها جميع الدول حيال هذا الأمر.

وتفضلوا معاليكم بقبول فائق الاحترام وعظيم التقدير.. دكتور نبيل العربى.. الأمين العام.

بنفسه قال.. بنفسه اعترف.. بنفسه كتب.. وطالب أن يكون موضوع مكافأة نهاية الخدمة على جدول أعمال مجلس الجامعة قبل قمة شرم الشيخ.. هل نستنكر أن يثير هذا الأمر لصرف النظر عن القضايا المهمة والتحديات الخطرة التى تمر بها المنطقة؟.. هل نستغرب من إثارته قبيل مؤتمر القمة؟.

لو كان فى مناقشة الأمور الإدارية والمالية جريمة فقد ارتكبها الأمين العام.. ولو كان فى توقيت فتحها قبيل القمة العربية مؤامرة فقد شارك فيها الأمين العام.. فقد ترك الإرهاب ومتاعب الأمن القومى وقرر مناقشة قضية مكافأة نهاية الخدمة فى شرم الشيخ قبل ما فى جدول الأعمال من قضايا سياسية وأمنية ملحة وعاجلة.

ولن يجرؤ نبيل العربى على فرض موضوع مكافأة نهاية الخدمة على مؤتمر شرم الشيخ.. فهو أضعف من ذلك.. وقد جمد الموضوع تماما حتى سبتمبر المقبل لتنظره مصر بعد أن تتولى رئاسة القمة!.

ولسنا ضد أن يأخذ موظفو الجامعة العربية ما يرونه من حقوق.. هذه ليست المشكلة.. المشكلة أن مكاسب الموظفين طغت على مهمة الجامعة.. واستنزفت غالبية أموالها.

إن تقرير عام 2015 الصادر عن الهيئة العليا للرقابة المالية -وتحت يدى نسخة منه- يفجر مخالفات يصعب تجاوزها.. ويصعب قبولها.

منها.. إهمال الأمين العام فى تشكيل لجنة تستثمر بعضا من أموال الجامعة.. مما كبدها عمولات بنكية كبيرة.

ومنها.. عدم قيام الأمين العام بإعادة النظر فى سقف الاحتياطى العام السابق تحديده بمبلغ 35 مليون دولار.. مخالفا ما تنص عليه اللوائح.

ومنها.. أن عدد العاملين بعقود أكثر من عدد العاملين المعينين بنسبة 164 %.

وقد بلغت موازنة الجامعة عام 2013 أكثر من ستين مليون دولار بزيادة مليون و120 ألف دولار عن السنة السابقة.. وقد وصلت تكاليف القوى العاملة إلى 42 مليوناً و200 ألف و783 دولاراً بنسبة لا تقل عن 70 % من الميزانية واستهلكت المصروفات العامة 8 ملايين و64 ألفاً و681 دولاراً بنسبة 43.13 فى المائة.. بينما لم تزد مخصصات الأنشطة والبرامج عن 9 ملايين و783 ألفاً و586 دولاراً.. بنسبة 16,29 %.

وبلغت ميزانية البعثات والمكاتب الخارجية (27 مقرا) 19 مليوناً و344 ألفاً و997 دولاراً.. لم ينفق منها على البرامج والأنشطة سوى 990 ألفاً و608 دولارات.. بما يقل عن واحد على عشرين.. والباقى (أكثر من 18 مليون دولار) أنفق على الموظفين والمكاتب والتنقلات.. مع العلم أن هناك دولاً مثل بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا لا تعترف بتلك البعثات.

بل.. أكثر من ذلك فإن القطاعات التى تنفق على الأنشطة والبرامج لا تتابع تنفيذها.. مما شاب بعضها بالقصور.. حسب التقرير.

وحسب التقرير أيضا.. فإن هناك أخطاء محاسبية تصل إلى حد الجريمة المالية.. منها عدم الالتزام بلائحة المشتريات.. وتركيز الشراء على شركات بعينها.. دون طرح مناقصات تصل إلى أسعار عادلة.

فى 3 إبريل 2013 دفعت الأمانة العامة 83 ألفاً و445 جنيها لفندق فيرمونت (مستند رقم 1152) تكلفة مأدبة غذاء دون معرفة من دعا إليها ولا من حضرها وجرى الأمر شفهيا.

ودفعت الأمانة 82 ألفاً و200 جنيه قيمة شراء شعار فضى للجامعة من شركة الزهراء للدعاية والإعلان (المستند رقم 1442) يوم 28 إبريل 2013 بالأمر المباشر دون الحصول على عروض أفضل.

ودفعت مبلغ 13 ألفاً و600 جنيه ثمن خمسة مكاتب لشركة رويال للأثاث تبين أنها لم تكن أقل العروض ودون مبرر للترسية على الأعلى سعرا.

وهناك أمثلة كثيرة لا نريد التوقف عندها.. وكلها تثبت أن الأمين العام فشل فى المهمة الإدارية التى يوليها اهتمامه قبل أن يفشل فى المهمة السياسية التى لا يتوقف عندها طويلا.. إن من يعجز عن حل مشكلة داخلية يصعب عليه مواجهة مشكلة خارجية.

لقد عجز نبيل العربى عن استرداد ما اقترض موظف فى الجامعة اسمه يوسف جاسر عبد المحسن الشمرى (أكثر من خمسة آلاف دولار) بعدما قدم استقالته وغادر القاهرة.. وهناك حالات مشابهة تصل إلى نحو مليونى دولار.. فهل يعيد الأمين العام الحقوق العربية المغتصبة وقد فشل فى الحفاظ على حقوق المنظمة المسئول عنها؟.

وأفهم أن تكون هناك مبالغ على موظفين اقترضوها.. لكن.. لا أفهم أن تكون هناك مبالغ مقيدة على شركات.. مثل شركة تأمين كارلتون (8194 دولاراً) وشركة النصر للهندسة والتبريد (1439 دولاراً) والشركة العالمية للنجف والكريستال (2107 دولارات) ومكتبة مجدى (908 دولارات).

إن إجمالى الحسابات الدائنة الشخصية وغير الشخصية) تزيد على الثلاثين مليون دولار.

وهناك أكثر من طريقة لدخول الجامعة.. بالتعيين.. أو بالتكليف.. أو بعقود الخبراء.. ويسهل التنقل بينها.. حسب رغبة الأمين العام.. فلو شاء نقل متعاقداً أو خبيراً إلى معين ليحصل على مكافأة نهاية الخدمة فعل.. ولو شاء أن يمد الخدمة لمن خرجوا على المعاش.. فعل.. لقد استمر عدد لا بأس به ممن تجاوز سن 62 سنة فى مناصبهم.. منهم أحمد عادل محمد كمال ورمضان داود محمد وأحمد شمس الدين وشهاب الدين أحمد وسعيد محمد صادق وفكرى محمد حسين ونور الدين محمد حسانين وفرج الله أحمد سيد أحمد.. حسب التقرير.

والخبير شخص متخصص فى شىء محدد نلجأ إليه ليفيدنا به.. لكن.. الخبير فى الجامعة العربية باب خلفى لتعيين أشخاص فى مناصب إدارية.. فحسب التقرير نفسه.. عين 48 خبيرا عام 2013 فى مناصب إدارية بالبعثات الخارجية.. منهم ستة تولوا رئاسة بعثات ومكاتب خارجية.. على خلاف اللوائح التى تمنع تكليف الخبراء بمهام إدارية.. هم أحمد أمين فتح الله (رئيس بعثة نيويورك) وبطرس عاسكر (رئيس بعثة باريس) ومحمد الفاتح الناصرى (رئيس بعثة أنقرة) ولحبيب أدامى (رئيس بعثة بروكسل) ومحمد بن رجاء الحسينى (رئيس بعثة واشنطن) ومحمد عبد الله إدريس (رئيس مكتب الصومال) ومحمد منصف أمين عواد (رئيس مكتب جوبا).. ولا نعرف ما الخبرة التى يتمتع بها هؤلاء.. ولكننا.. نعرف أن ما يتقاضونه شهريا يترواح ما بين 15 ألفاً و6 آلاف دولار.. كما أنهم من سكان البلاد التى عينوا فيها.

وبعيدا عن تلك الفوضى الإدارية التى تعيشها الجامعة العربية أتوقف طويلا عند الشعور المفاجئ الذى انتاب أمينها العام بالقلق من الإرهاب ورغبته فى حماية الأمن القومى.

لقد ساهم نبيل العربى مباشرة فى الكوارث الإقليمية التى قسمت دولا عربية وفجرت فيها حروبا أهلية ومنحت التنظيمات الإرهابية فرصا ذهبية لتفرض سطوتها عليها.. مثل ليبيا وسوريا.

فى الطابق العاشر من فندق شيراتون الدوحة طبخت الثورة الليبية هناك.. وتشكل المجلس الوطنى السورى (أول جسم للمعارضة السورية).. وفرضت قطر على الجامعة العربية (التى كانت وراء اختيار أمينها العام) التصويت على طلب الحظر الجوى على ليبيا.. حسب ما ذكر عبد البارى عطوان فى كتابه عن الدولة الإسلامية صفحة 12.

نبيل العربى شاهد صامت (لا نقول أخرس) على ضرب ليبيا.. وتقسيم سوريا.. وتوليد المنظمات الإرهابية فيهما.. وذبح مئات الضحايا هناك.. وتهديد الأمن القومى الذى أكتشف أهميته فجأة.. وتذكره مؤخرا.. فهل يبرئ ساحته أم توجب محاسبته؟.

صحيح أن الأمين العام لا يملك من نفسه شيئا.. وربما يكون كل همه تقاضى راتبه الذى يقترب من 25 ألف دولار شهريا.. لكن.. لو كان ضميره السياسى حيا لقدم استقالته.. خاصة أن كثيرا من كبار المسئولين العرب لا يردون على مكالماته.. كما وصفت قراراته بوصمة عار أحيانا.

وحسب ما ذكرت صحيفة مصرية قريبة منه (عائليا) فإنه يصر على ترك منصبه قبل انتهاء مدة ولايته وعدم الانتظار للعام المقبل.. ولست أتصور صحة ذلك.. فلا يزال أمامه 14 شهرا.. سيحصل خلالها على 350 ألف دولار لن يتركها بسهولة.