فضل العناية بكبار السن

إسلاميات



حث الإسلام على العنابة بكبار السن ورعايتهم واحترامهم وتوقيرهم والبر بهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا». وفي رواية: «ويوقر كبيرنا». وكبير السن له مكانته عند الله، ولا يزاد في عمره إلا كان له خيرا. قال رسول الله عليه وسلم: «لا يتمن أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه أنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا.

كما أن توقير الكبير والتشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم».

ويظهر التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم، ففي إلقاء السلام أمر صلى الله عليه وسلم أن «يسلم الصغير على الكبير»، وأن يبدأ الصغير بالتحية ويلقيها على الكبير احتراما وتقديرا له. وأمر صلى الله عليه وسلم ان يبدأ بتقديم الشرب للأكابر، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: «ابدأوا بالكبراء أو قال: بالأكابر»، وقد مارس ذلك صلى الله عليه وسلم عمليا، تقول عائشة رضي الله عنها: «كان يستنّ وعنده رجلان فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر».

وقد طبع أفراد المجتمع المسلم بذلك الخلق وتوارثوا توقير الكبير واحترامه وتقديره.



غير المسلم

ولم تقتصر هذه الرعاية على المسنّ المسلم، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم، مادام يعيش بين ظهراني المسلمين.

يذكر أبو يوسف في كتابه «الخراج»، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، فقال: من أي أهل الكتب أنت؟ قال: يهودي. قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: اسأل الجزية والحاجة والسنّ. قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله، فرضخ له - أي أعطاه - من المنزل بشيء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ» فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.



وبالوالدين إحسانا

أوصى الله بالوالدين خيرا، وأمر ببرهما وجعل الإحسان إليهما قرين عبادته، قال تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (الإسراء: 23)، كما جعل شكره قرينا لشكر الوالدين، قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» (لقمان: 14). وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله، دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها، وعكس ذلك فقد جعل الشرك قرين العقوق لهما، ففي الحديث أن الكبائر ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين..» ولقد نهى الله عز وجل عن نهرهما بأدنى الكلمات، وهي: «أف»، وقال بعض العلماء: «لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أف لحرّمه». ولقد أتى بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة، في محبة الله، لما رواه بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها».

قال ثم أي؟ قال: «بر الوالدين». قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». بل جعل للوالد حرية التصرف في مال الابن أخذا من الحديث: إن رجلا قال: يا رسول الله: إن لي مالا وولدا، وإن ابي يريد ان يجتاح مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انت ومالك لأبيك». ولا يقتصر بر الوالدين على الوالد المسلم أو الأم المسلمة، بل الابن مطالب ببرهما حتى وإن كانا كافرَين، وليس هذا فحسب، بل وإن جاهداه على أن يشرك بالله فعليه واجب برهما من غير طاعة لهما في الشرك.

روى الامام مسلم في صحيحه عن مصعب ابن سعد، عن ابيه: سعد بن أبي وقاص: انه نزل فيه آيات من القرآن، قال: حلفت أم سعد ألا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله أوصاك بوالديك، وأنا امك وأنا آمرك بهذا، قال: فمكثت ثلاثا حتى غشى عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا» لقمان: 15.