لماذا تسعى مصر والسعودية وتركيا لإنشاء تحالف جديد ؟

أخبار مصر

بوابة الفجر


نشر  المركز الإقليمي للدراسات الإستراتجية بالقاهرة، دراسة، عن احتمالات تشكيل تحالف مصري سعودي تركي جديد، مشيرًا إلى أنه في ظل تنامي نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، وهيمنة إيران على القرار السياسي في أربع دول عربية (هي: العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن)؛ تسعى المملكة العربية السعودية لتشكيل تحالف سني لمواجهة تلك البيئة الأمنية الإقليمية غير المستقرة.
 
 وقد تصاعد الحديث عن احتمالات تحالف مصري سعودي تركي مع تزامن زيارتي الرئيسين المصري "عبد الفتاح السيسي" والتركي "رجب طيب أردوغان" للمملكة العربية السعودية. وسيكون هذا التحالفُ المزمع نوعًا من الاصطفاف السني لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي حاليًّا في المنطقة، والمتوقع أن يتزايد في حال التوصل إلى اتفاق أمريكي-إيراني بشأن البرنامج النووي الإيراني، والذي سيحمل تغييرات إقليمية مع الاعتراف الدولي بالدور الإيراني الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
 
 
وتأتي أهمية هذا التحالف المحتمل في ظل رغبة إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في عدم الانخراط في قضايا منطقة الشرق الأوسط، لا سيما مع التوجه الأمريكي للقارة الآسيوية باعتبارها المنافس المستقبلي للولايات المتحدة، وتصاعد الحديث داخل الأروقة الأمريكية عن إسناد إدارة المنطقة وأزماتها لقوى إقليمية. وفي هذا الشأن تحدث السفير الأمريكي السابق في إسرائيل "مارتن إنديك" -على سبيل المثال- في مقالٍ له من جزأين على الموقع الإلكتروني لمؤسسة بروكنجز تحت عنوان "العودة إلى اللعبة العظمى الشرق أوسطية A return to the Middle Eastern great game"، عن خيارين أمام الولايات المتحدة، أولهما الشراكة مع إيران، أما ثانيهما فالتحالف المصري السعودي التركي الإسرائيلي، وهو الخيار الذي يُفضله إنديك، وكذلك كافة المحللين والكتاب الأمريكيين المعلقين على مقالة إنديك يفضلون الخيار الثاني.
 
وعلى الرغم من أهمية تشكيل تحالف سني قوي يضم المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا، فإن هناك معوقات تعوق إمكانية تحقيق هذا التحالف، لا سيما مع اختلاف مواقف ومصالح دول التحالف المحتمل حول قضايا المنطقة وأزماتها، والتي تهدد إمكانية نجاحه.
 
وفي محاولةٍ للتعرف على التغييرات الإقليمية الدافعة لبناء تحالف مصري - سعودي - تركي، وأبرز المعوقات الأساسية التي تعرقل بناء هذا التحالف، ومدى إمكانية المملكة العربية السعودية كلاعب إقليمي تذليل تلك العراقيل، والاحتمالات التي يُمكن أن ينطوي عليها شكل التحالف بين الدول الثلاث؛ تم طرح تلك التساؤلات على خمسة خبراء بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، وكانت إجاباتهم على النحو التالي:
 
د. عبد المنعم سعيد - رئيس مجلس الإدارة ومدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، قال إن كل الأمور في العلاقات الدولية والإقليمية -أيضًا- ممكنة، وغير ممكنة في الوقت ذاته؛ وما يحدد الاتجاه هو المعيار الذي يقوم عليه التحليل، أو السلوك السياسي. ومن هذا المنطلق فإن إمكانية تأسيس تحالف تركي - مصري - سعودي تقوم على مفهومين: الأول أن هناك استقطابًا سنيًّا وشيعيًّا في المنطقة، ومن ثم فإن التحالف يمثل القطب السني المنتظر في مواجهة القطب الشيعي القائم بقيادة إيران ويضم العراق وسوريا وحزب الله في لبنان، ومؤخرًا اليمن بقيادة الحوثيين. والثاني أن التحالف يمثل قوى الأمر الواقع في المنطقة Status quo powers في مواجهة القوى المضادة لهذا الأمر الواقع Anti Status quo powers.
 
القوى الثلاث في الأصل متنافسة إقليميًّا، ودرجة تقديرها للعداء مع الشيعة أو إيران تحديدًا متفاوتة، حسب الواقع الجيوسياسي لكل منها. ولم يحدث أن كانت هناك أحلاف سنية منذ الإمبراطورية العثمانية، وحتى في ذلك الوقت كان قيام الدولة السعودية في بعض منه ثورة عليها، وكذلك فعلت مصر مع قيام الدولة الوطنية.
 
الحقيقة أنه لا يوجد تاريخيًّا مثل هذا التحالف إلا من جانب السعودية ومصر، خاصةً بعد تحول الأخيرة من المنهج الثوري إلى منهج الأمر الواقع. وظهر ذلك في حرب أكتوبر ١٩٧٣ وما بعدها من تأييد لمنهج السلام العربي-الإسرائيلي بأشكال شتى، وفي العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة حتى مع ما يمر بها من توترات من وقت لآخر. تركيا على العكس كانت بعيدة عن العالم العربي حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وعندما عادت بقوة مع القرن الحالي فقد كان ذلك في إطار تنافسي أكثر منه تعاونيًّا. من هنا فإن هذا التحالف غير ممكن في المرحلة الحالية، ولكن ذلك لا يمنع أشكالا مختلفة من التعاون إذا فرضته الظروف.
 
وقال السفير الدكتور عزمي خليفة - مستشار أكاديمي لشئون العلاقات الإقليمية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية: بالرغم من نظرة دول الخليج العربي إلى تركيا باعتبارها قوة سنية يمكن التحالف معها لمواجهة الدور الإيراني المتنامي في المنطقة، لكن التحالف الخليجي-التركي لن يضم مصر في تحالف واحد لجملة من الأسباب منها: الخلافات المصرية-التركية بشأن دعم الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين، ونفي الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" أي حديث أو لقاء مع نظيره التركي "رجب طيب أردوغان"، والدعوة المصرية لإنشاء قوة عربية موحدة.
 
وما ينسف حجة تشكيل مثل هذا التحالف السني تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بإمكانية الحوار مع الأسد، وتراجع دور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا ومقتل قائد التنظيم في سرت بليبيا. بالإضافة إلى أن التوصل لاتفاق نووي أمريكي-إيراني يحول دون تشكيل ذلك التحالف عمليًّا. وأخيرًا فتدهور مكانة أردوغان داخليًّا أمام معارضيه يحول دون اتخاذه قرارًا بالانضمام لتحالف مصري - سعودي – تركي.
 
وبالإضافة إلى ما سبق فإن حركة إيران في المنطقة تستند إلى استثمار الوجود الشيعي في التركيبة السكانية للدول الخليجية لإحداث قلاقل تؤدي إما إلى تغيير هذه النظم أو على الأقل تغيير التوجهات الحاكمة للسياسات لهذه الدول، وهذا النمط من التحرك السياسي لا يتطلب تحالفات خارجية.
 
ولا تمنع معوقات تشكيل تحالف سعودي - مصر - تركي من دور تركي أدنى من التحالف العسكري، مثل تعاون اقتصادي لدول الخليج معها وليس لمصر علاقة به، أو مجرد تدريبات عسكرية مشتركة مثلا، أو الإمداد ببعض المهمات العسكرية أو الذخيرة.
 
د. مبارك مبارك أحمد - باحث مشارك متخصص في الشئون السياسية المصرية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، أوضح أن متغيرات عدة مؤثرة أسهمت في الدفع بإمكانية بناء تحالف مصري - سعودي - تركي لمواجهة التحالف الإيراني الرامي لفرض أجندته الإثنية على مستقبل تفاعلات المنطقة، لا سيما بعد تمدد طهران في أربع عواصم عربية هي: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. يرتبط أولها بانتقال السلطة في المملكة العربية السعودية إلى الملك "سلمان بن عبد العزيز"، وتبنيه لتوجهات خارجية تسعى لتحقيق التوازن بين الاحتفاظ بالتعاون الاستراتيجي مع مصر، والاقتراب من تركيا، بهدف تقويض التغلغل الإيراني في سوريا، باعتبار نظام بشار الأسد امتدادًا لإيران، وبالتالي استباق نتائج المحادثات النووية بين طهران وواشنطن بتغيير التوازنات الإقليمية على أرض الواقع.
 
أما ثاني تلك المتغيرات الدافع لمثل هذا التحالف فيرتبط بمقاومة تمدد المشروع الإيراني في المنطقة عبر تشكيل تحالف سني، لا سيما وأن ثمة علاقة طردية بين تفتت وانقسام الدول العربية وتمدد المشروع الإيراني. أما ثالث هذه المتغيرات فيتجسد في التشكك في جدية المظلة الأمنية الأمريكية لدول الخليج.
 
وبرغم تنوع دوافع تدشين التحالف الثلاثي، فإن ثمة تحديات ماثلة تواجه تنفيذه على أرض الواقع، يرتبط أولها بعلاقات تركيا بالتنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم داعش الذي يرتبط بعلاقات تعاون اقتصادي وعسكري بأنقرة. في حين يرتبط ثاني هذه التحديات باستضافة تركيا أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي لأنشطتها المناهضة للدولة المصرية. أما التحدي الثالث فهو مرتبط بتراجع وخفوت النموذج التركي، والذي لم يعد براقًا كما كان في بداياته بعد تحقيقه طفرات اقتصادية بحكومة ذات توجهات إسلامية، لا سيما وأن عملية انتقال رجب طيب أردوغان من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الدولة اعتبرها البعض بوادر للحكم الاستبدادي في تركيا.
 
والخلاصةُ أن تنوع التحديات السابقة وفي ظل غموض الموقف التركي من تنظيم داعش، وتوفيره بيئة حاضنة لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار انتقاد السياسة المصرية بما يخالف الأعراف الدولية - يعني أن تعثرَ بناء هذا التحالف سيكون هو المسار الأرجح ما لم تحسم أنقرة هذه الملفات العالقة. يُضاف إلى ذلك أن مصر بتاريخها الممتد ترفض الاصطفاف الطائفي، وهو ما تجلى بوضوح مؤخرًا في عدم توجيه دعوة لإيران وتركيا لحضور المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، وهي رسالة مفادها أن المشاريع الجيواستراتيجية التي تسعى كل منهما لجعلها أداة لتقسيم المنطقة على أسس مذهبية قوامها التنافس بين قوى الإسلام السني وقوى الإسلام الشيعي لن يكون بمقدورها أن تتحكم في تفاعلات الإقليم، لا سيما وأن التطرف والإرهاب الذي تم توظيفه من جانب الدولتين لتفتيت دول المنطقة ما زال يُلقي بتداعياته على واقعها الحالي، وهو ما يعني رفض مشروع الدولتين لتحديد مستقبل المنطقة، الأمر الذي يدفع بضرورة تبني المقترح المصري في اجتماع القمة العربية أواخر مارس الجاري حول إنشاء قوات عربية مشتركة لمواجهة التهديدات المضاعفة التي تُواجه الدول العربية، فضلا عن أهمية التركيز على تعزيز العمل العربي المشترك، وتطوير مؤسساته وفي مقدمتها جامعة الدول العربية التي تحتاج إلى إعادة النظر في تعديل ميثاقها، بما يتماشى مع خطورة التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي.
 
وقال محمد عباس ناجي - باحث أول مشارك متخصص في الشئون الإيرانية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية: بدايةً هناك عدة مشاكل هيكلية أمام احتمالات بناء تحالف مصري - سعودي - تركي تتمثل في، أولا أن التحالفات ليس لها مذهب، وبالتالي فإن المصالح هي التي تحدد المسارات العامة للتحالفات القائمة. وثانيًا أن كلمة تحالف تمثل أقصى درجات التعاون بين الدول، وهي بالتالي تعني أن هناك متطلبات أساسية في تكوين هذا التحالف على غرار الاشتراك في اللغة والتاريخ والجغرافيا والمصالح. فإذا نظرنا إلى الدول التي يتكون منها هذا التحالف فسنجد أن ثمة تباينًا كبيرًا في مصالحها ومن ثم سياساتها. ففضلا عن أن تركيا ومصر بينهما خلافات واسعة، لا سيما فيما يتعلق بالموقف التركي من ثورة 30 يونيو وعلاقاتها القوية مع جماعة الإخوان المسلمين التي اتخذ بعض قادتها من تركيا ظهيرًا إقليميًّا لهم بدا واضحًا في تأسيس ما يسمى بالبرلمان الإخواني في تركيا. فضلا عن أن الموقف التركي من إيران لا يتوافق مع المواقف والسياسات الخليجية والمصرية منها.
 
وتنظر تركيا إلى إيران برؤية مختلفة، فهي بمثابة "العدو الذي لا يمكن معاداته" أي أن هناك خلافات كبيرة بين الطرفين، لكن اعتبارات كثيرة لا تسمح بتحول تلك الخلافات إلى خصومة إقليمية أو صراع إقليمي محتدم بين الطرفين، بل على العكس، فإن تركيا ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران، ويضاف إلى ذلك تدخل أنقرة لتسوية أزمة الملف النووي الإيراني، وساعدت إيران على الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب تلك الأزمة. وتمثل الأزمة السورية خير مثال على طبيعة العلاقات بين تركيا وإيران. فرغم أن تركيا تدعم قوى المعارضة وتسعى لإسقاط نظام الأسد، فإن إيران تلعب دورًا رئيسيًّا في دعم الأخير، إلا أن ذلك لم ينعكس سلبًا على العلاقات القوية القائمة بين الطرفين، بما يعني في المقام الأول أن من الصعوبة دخول تركيا في حلف معادٍ لإيران.