أحمــد متولــى يكتــب: اغتصــاب "انتيجــون" بنت الحــرام فــى العتبــة!

الفجر الفني

بوابة الفجر

"قال يا فرعون إيه اللى فرعنك؟ قال ملقتش حد يلمنى" .. مثل شعبي يلخص أحداث المسرحية التراجيدية "هنا انتيجون" والتى تعرض حاليًا على مسرح "الطليعة" بالعتبة، بمجهود مميز يحسب لشباب مسرح الطليعة برئاسة الفنان القدير محمد دسوقى مدير عام الفرقة.

 

"أنتيجون" أسطورة يونانية قديمة لسوفوكليس، تتحدث عن مواجهة الحاكم الدكتاتور، الذى ينتهك كل الحرمات لخدمته وخدمة أغراضه الشخصية فقط على حساب أفراد الشعب، وهذه هى رسالة الفن فى كل وقت وعبر العصور، ومصر كانت خير دليل على ذلك فى فترات زمنية طويلة كان أخرها وقوف المصريين أمام فساد نظام "مبارك" وإطاحتهم بالإخوان من "الحكم" عندما خالفوا ما وعدوا به من إعادة الحقوق لأصحابها والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية التى نادوا بها فى ميادين مصر المختلفة، وستظل هذه القصة مستمرة مع وجود كل حاكم ديكتاتوري اتسم حكمه بالقهر والظلم.

 

الحكاية تبدأ بقصة "أوديب" الذي قتل والده وتزوج أمه وأنجب منها أربعة أبناء هم : "إيتيوكليس" وأخاه الأ‌صغر "بولينيس" و"أنتيجون" وأختها "إسمين"، وعندما اكتشف "أوديب" جريمة قتله لوالده وزواجه من أمه، فقأ عينيه وترك السلطة لولديه "إيتيوكليس" و"بولينيس" إلا أنهما اختلافا على الحكم، فاتفق "إيتيوكليس" مع خاله "كريون" على طرد أخيه الأ‌صغر، ليدخل الأ‌خوان فى صراع ويقتل كل منهما الآ‌خر، ويصبح الخال هو الحاكم، ويقرر لحظة تملكه السلطة أن يشيع جثمان حليفه "إيتوكليس" في احتفال يليق بالأبطال، بينما يأمر بعدم دفن جثة "بولينيس" لتنهشه الوحوش المفترسة عقوبة لخيانته، ويتوعد من يدفن الجثة ويخالف أمره، بالموت الرهيب.

 

هنا تظهر "انتيجون" ابنة الحرام من الزواج الغير شرعي لـ"أوديب"، وتقاوم الملك الظالم وقراراته وتقوم بدفن جثة أخيها، فيعرف "كريون" ذلك فيقرر قتلها، رغم حب ابنه "هيمون" لها، وتموت "انتيجون" وهى تدافع عن حقها وحق أسرتها المشروعة بعدما أغتصب "كريون" حقوقها، وعندما يعلم ابن "كريون" بذلك يقتل نفسه وتتبعه أمه حزنا عليه وهي تلعن زوجها "كريون" الذي خرب البلاد على شهوة التسلط والإنفراد بالرأي.

 

حزن وغضب ثم حب وابتسامة ثم موت يفاجئنا بهم المخرج تامر كرم فى تجربة امتزجت فيها الموسيقى والغناء والتعبيرات الحركية بالإضافة للديكور فى نسيج عمل راقي جمع بين التاريخ والحاضر، أبدع فيها د. علاء قوقة "الملك كريون" بأدائه التمثيلي البارع مع بطلة العرض هند عبد الحليم "انتيجون"، ذات الصوت الملائكي، واعتمد فيها مخرج العرض على الإسقاطات السياسية وبما يدور فى الشارع السياسي المصري من خلال الأسطورة باعتبارها هى المتنفس عن المشاكل فى ذلك الوقت.

 

العرض الذى شاهدته لم أجد فيه العراف الحكيم الأ‌عمى "ترسياس"، والذى يوجد فى القصة الأصلية التى كتبها سوفوكليس، فهل قصد المخرج حذف دوره بما يخدم العرض أو لتقليل الفترة الزمنية للعرض؟! فهذا يعود له، على الرغم من أن دوره قد يضيف للعرض ليرى المتفرج كيف يكون الأعمى لديه بصيرة، ومن هو مبصر أعمي وليس لديه ما يرشده للصواب.

 

المسرحية تعيد لأذهاننا ما كان يقدم على المسرح الغنائى الاستعراضي قديمًا، وهو المسرح الذى كان يجمع بين القصة والأغنية والاستعراض الراقص فى نفس الوقت، من خلال الآلات الموسيقية التى تواجدت في خلفية ديكور المسرح، لتؤكد أننا لسنا فى أزمة مسرح كما يقال، وأن عروض مسارح الدولة هى عروض يتهافت عليها الجمهور، حتى ولو عروض بعيدة عن الكوميديا باعتبارها الشيء المتعارف عليه للخروج من مشاكل الحياة العامة والانعزال عن العالم الخارجي، وعلى المهتمين بالعملية المسرحية فى مصر أن يقدموا عروض تحترم فكر المشاهد وتنافس ما يعرض داخل شاشات السينما وقنوات التلفزيون الفضائية حتى تجذب الجمهور إليها مرة أخرى بعد الانهيار التام الذى شهدته المسارح الخاصة فى مصر.. وهذه هى فرصة مسرح الدولة للتعبير عن ذاته.

 

قصة اغتصاب "كريون" لحقوق "انتيجون" لابد أن تثير العديد من التساؤلات لدينا جميعاً وتجعلنا نبحث أين تبدأ حقوق الشعب ومتي نقول للحاكم قف أنت تعديت حدودك؟ لقد وجب علينا القول والتحذير حتى لا تصبح طاغية مثل "كريون" أو فرعون مثل "مبارك"!