فريد عوض حيدر يكتب: جودة التعليم والتعليم المصاحب

مقالات الرأي

بوابة الفجر


عندما نتكلم عن جودة التعليم فإننا دائما ً ما نتحدث عن التعليم المباشر؛ المراد من إلقاء الدروس وتحصيل المفاهيم , المطلوبة فى مقرر معين, ولكننا نغفل جانبا ً فى غاية الأهمية, ألا وهو التعليم المصاحب, والمراد به ما يتعلمه الطلاب والتلاميذ من معلميهم وأساتذتهم فى المؤسسات التعليمية المختلفة بطريق غير مباشر وغير مقصود .
إن هذا التعليم المصاحب هو تعليم القيم والأخلاق الرفيعة, وهى تنتقل إلى المتعلمين من غير أن يدرى المعلم, ومن ذلك ( على سبيل التمثيل ) قيم الصدق والعدل, والاستعداد المستمر للتعلم واحترام ذكاء الآخرين.

1 – قيمة الصدق
ولنأخذ فى الحسبان القاعدة القائلة : "فاقد الشئ لا يعطيه " ولنسأل سؤالا ً كيف يكتسب الطلاب والتلاميذ هذه القيمة من المعلم, إن المعلم يعلمها بسلوكه المعتاد, بمعنى أن تلامذته إذا عهدوا فيه الصدق فى القول, وأنه إذا قال فعل, وإذا وعد أوفى بوعده, وأحسوا مع ذلك بقيمة الصدق فى جودة العملية التعليمية؛ انتقلت إليهم هذه القيمة واكتسبوها مع أنها ليست من مفردات المقرر الذى يدرسونه.

2 – قيمة العدل
وأريد أن ألفت عناية الحضور الكريم إلى أهمية هذه القيمة فى الحياة التعليمية, بل حياة المجتمعات كلها؛ على اختلاف أجناسها وتنوع عقائدها, فعلى باب إحدى كليات الحقوق فى جامعة أمريكية, كتبت معانى قوله تعالى فى الآية الكريمة :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خبيرًا) سورة النساء - الآية 135: كيف يتعلم التلميذ من معلمه هذه القيمة الخلقية الرفيعة, إنه يكتسبها, وتصير عنده سلوكا ً؛ عندما يجد أستاذه يعدل بين تلاميذه, فى توزيع الدرجات وفى المناقشة, بل وفى توزيع نظراته عليهم أثناء محاضرته, وأثناء الحصة بالنسبة للمدرسة, وغير ذلك من السلوك الحميد الذى يرسخ هذه القيمة لدى المتعلمين.

3 – الاستعداد المستمر للتعلم واحترام ذكاء الآخرين
فالمعلم عندما يحترم ذكاء تلامذته, وعندما يدركون أنه دائم الاطلاع, ويرون أنه يشجعهم على ذلك, ولا يستهزئ بأحد منهم مهما كانت إجابته خاطئة, بل يشجع ويأخذ بيد الضعيف حتى يقوى, إن كلمة التشجيع من المعلم تفعل فعل السحر فى التلميذ وقد تنتشله من فشل محقق, إلى تفوق محقق, وعلى المعلم أن يتوقع أن فى تلامذته أذكياء؛ بل عباقرة, ويحضرنى مقف سلبى لمعلم مغرور؛ دخل على عدد من الخريجين فى تخصصه, ووجه الكلام إلى أحدهم قائلا ً : " أنت ذكاؤك 60% " فشعر الخريج بحرج شديد, وكان مطلعا ً وقارئا ً, فتوجه إلى المعلم وقال له : " إنى سأسلك سؤالا ً أريد منك أن تجيب عليه علما ً بأنه سؤال أتحداك به " وبالفعل سأل الخريج, السؤال وحار المعلم فى الإجابة, وكلما أجاب إجابة قال له الخريج إجابة خاطئة, وطلب من الخريج أن يجيب فقال له: ابحث عن الإجابة أنا ذكائى 60%. فيجب على المعلم أن يحترم ذكاء تلامذته مهما أوتى من ذكاء ومهما أوتى من علم, وليكن فى ذهنه دائما ً أن الله تعالى لم يختص أحدا ً بكل الذكاء بل وزعه على خلقه, كما وزع العلم على خلقه, وقال لهم : ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ سورة الإسراء الآية 85 فليست جودة التعليم فقط فى الدروس والمقررات بل فى التعليم المصاحب لقيم الصدق والعدل واحترام ذكاء الآخرين والتعلم المستمر, والتنمية الذاتية للمعلم والمتعلم, وغيرها من القيم الاجتماعية والانسانية التى نفتقد منها الكثير فى مجتمعنا هذه الأيام.

الكاتب هو الدكتور فريد عوض حيدر نائب رئيس جامعة الفيوم لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة