نصف معامل التحاليل بيعت فى بورصة لندن.. بدون ضرائب!

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


آفة حارتنا ومدننا ومحافظاتنا وكل مصر النسيان. نواجه خطرا ما طارئاً وخطيراً فنشمر عن سواعدنا. ونعلن المواجهة. ثم يزول الخطر مؤقتا. فنقع فى دائرة النسيان وتتوقف المواجهة بالسكتة القلبية.. وهذا بالضبط ما حدث فى قطاع الصحة. فبعد خمس سنوات عاد الأجانب يسيطرون على أول ملف فى قطاع الصحة. فمنذ أيام بيع فى بورصة لندن 50% من أسهم شركة تمتلك معظم معامل التحاليل فى مصر. وبحسب تقارير صحفية فالصفقة كانت مربحة جدا وتفتح شهية الأجانب لتكرار البيزنس فى بقية ملفات الصحة وعلى رأسها المستشفيات الخاصة. فقبل خمس سنوات كانت هناك محاولة لبيع أكبر مجموعة من المستشفيات الخاصة الكبرى. وقد تمت مواجهة هذه الخطة، ولكن المواجهة كانت ضعيفة ومحدودة. وسرعان ما أخذتنا مشاكلنا وتحديات الحياة اليومية. لتتجدد الأزمة وبشكل عملى جداً. وتبدأ الخطة بشكل أوسع وأخطر.

صفقة مؤمنة

الاسم الشعبى لصفقة احتكار معامل التحاليل فى مصر هو صفقة مؤمنة. ومؤمنة هى الدكتورة مؤمنة كامل أستاذة التحاليل بقصر العينى، وعضوة مجلس الشعب المنحل، ولاشك أن للاسم أسبابه فأول صفقة استحواذ أو اندماج فى دنيا معامل التحاليل كانت بين معمل المختبر الذى تملكه الدكتورة مؤمنة ومعامل البرج، واحتفظ كل من المعملين باسمهما. فلم يشعر المواطن بالتغيير الذى حدث. وكان ذلك الحدث المهم فى عام 2012. وأطلق على الشركة الجديدة اسم (مجموعة التشخيص المتكاملة القابضة).. وبهذا الاندماج فإن الشركة أصبحت تحتكر أو تتحكم فى نحو 50% من معامل التحاليل فى مصر. ولكن سرعان ما تمت صفقة أخرى وهى انتقال حصص من الشركة إلى شركة أبراج كابيتل وشركة أكنيس للاستثمار المباشر، وفى صفقة لندن باعت كل من الدكتورة مؤمنة كامل والدكتورة هند الشربينى حصصهما فى الشركة.

ولاشك أن الصفقة كانت مغرية لمستثمرين من جنسيات عديدة، فلم يكن العرب وحدهم من أرادوا الاستحواذ على أسهم فى هذه الشركة. فقد كان هناك مستثمرون أمريكان وأوروبيون، ولذلك فقد ارتفع سعر السهم فى أول يوم لعملية الطرح بنسبة 20%. وبيع 75 مليون سهم بقيمة أكثر من 300 مليون دولار. وبلغة الجنيه فإن الصفقة تجاوزت 2 مليار جنيه. ولأن الصفقة تمت فى بورصة لندن فإن مصر محرومة من الضرائب المحصلة على الصفقة، ولكن الأخطر أن 50% من معامل التحاليل المصرية خرجت من الملكية المصرية عامة أو خاصة.

وفى ظل أرباح الصفقة. فمن الممكن أن تعيد الشركة الكرة مع معامل أخرى. ويرتفع حصة الكيان الاحتكارى إلى نسبة 60% أو 90%، فليس هناك أى مانع قانونى من وقف أى عملية احتكار أو استحواذ لا فى قطاع الصحة ولا غيره من القطاعات الاستراتيجية. فقد أنتج أحمد عز قانوناً مشلولاً وعاجزاً عن مواجهة الاحتكارات، وذلك فى ظل سيطرة المحتكرين على السياسة فى دولة الفساد التى حكمها مبارك.

وعندما وصل قطار الاحتكار لقطاع الصحة وتحت ضعظ الرأى العام توقفت الصفقة.

صفقة بدراوى

كانت صفقة المستشفيات تحت رعاية الدكتور حسام بدراوى، وهو صاحب أحد المستشفيات الكبرى، ولكن الأهم أنه رجل سياسة وفكر. وكانت الفكرة التى تم الترويج لها هى تطوير عمل المستشفيات ودخول القرن الواحد والعشرين. اندماج بين سبعة مستشفيات خاصة كبرى تحت شركة واحدة. يتبع ذلك اندماج آخر مع شركة بريطانية عملاقة فى مجال الطب. وكانت الخطة أن يتم التوسع فى هذا النموذج. فتندمج مستشفيات أخرى تحت شركة واحدة، وذلك استعدادا للاندماج مع شركة أمريكية أو فرنسية أو ألمانية. ولكن الخوف من الاحتكار وكوارثه أغضب الرأى العام. وهو ما أدى إلى توقف المشروع. ولم يكن الرأى العام وحده سبب وقف المشروع. فقد رفع تقرير من جهة سيادية جدا لمبارك يحذر من الصفقة. ويطالب بتشريعات لوقف مثل هذه الصفقات. ولكن لأن النية لم تكن خالصة لمواجهة الاحتكار. فقد اكتفى بقرار وزارى من وزير الصحة، ونص القرار على ضرورة الرجوع لوزير الصحة فى حالة بيع المستشفيات ومصانع الأدوية. ولكن وزير الصحة فى ذلك الوقت الدكتور حاتم الجبلى أسقط من القرار معامل التحاليل.. ولكن هذه التفصيلة ليست ذو أهمية كبرى. لأن القرار نفسه لم يوقف مسلسل بيع واحتكار المستشفيات ولا مصانع الأدوية.

القانون الغائب

فى حالة بيع معامل التحاليل فى بورصة لندن كان الأمر كله خارج السيطرة، استيقظنا على خبر إتمام البيع مثلما يحدث فى بعض صفقات آل ساويرس. صفقة ناصف ساويرس الذى باع حصته فى سوق الأسمنت لشركة لافارج الفرنسية. وانتقال نسبة مهمة من أسهم شركة شقيقه سميح ساويرس عبر بورصة سويسرا. الخسارة المالية تتمثل فى عدم تسديد ضرائب عن الصفقة، لأن العملية تمت فى بورصات عالمية. ولكن الخسارة الأهم هى ترسيخ الاحتكارات فى السوق المصرية. وانتقال قطاع مهم مثل الصحة إلى أيدى الأجانب.

والقضية ليست منع المستثمرين الأجانب من الاستثمار فى مصر، ولا حتى فى بيع حصص فى قطاع الصحة أو غيرها للأجانب. ولكن المشكلة أو بالأحرى المصيبة فى غياب قانون منافسة احتكار محترم وقادر على حماية المصالح المصرية.

فقانون الاحتكار الذى صكه عز لم يعط الحكومة الحق فى الاعتراض أو رفض أى كيان احتكارى مهما كان حجمه أو مجاله. فالقانون يترك لأصحاب الشركات والاستثمارات حرية البيع والشراء بأى نسبة أو فى أى مجال.

وحكاية القرار الوزارى غير ملزمة وقت الجد أو بالأحرى لو ذهبت مصر للتحكيم لإيقاف صفقة بيع المستشفيات. ومهما كان لدينا من مشاكل حالية ومواجهات مع الإرهاب. فإن قضية مواجهة الاحتكار لا تقل أهمية أو خطورة عن أى قضية تسيطر علينا. فيجب تغيير قانون مكافحة الاحتكار لمنح الدولة حق الموافقة أو الرفض لأى اندماج يؤدى إلى السيطرة على أكثر من 25 % من حصة السوق، ولكن هذه النسبة يجب أن ترتفع فى القطاعات الاستراتيجية. وعلى رأس هذه القطاعات قطاع الصحة. توفير العلاج والدواء للمريض المصرى. هذا المريض الذى يكتوى من نار أسعار العلاج والتحاليل والدواء ولا يستطيع تحمل المزيد من ارتفاع الأسعار. يجب أن نتحرك سريعا قبل أن يموت المصريون من نقص العلاج، فالمشرحة مش ناقصة قُتلة.