فوز اليمين المتشدد في الانتخابات المحلية بالنمسا يمهد الطريق أمام مشاركته في الحكومة الائتلافية القادمة

عربي ودولي

بوابة الفجر

 تعاظمت خلال الأسبوعين الماضيين في النمسا ردود فعل الفوز الكبير، الذي حققه حزب الحرية اليميني المتشدد "اف ب او" في الانتخابات البرلمانية المحلية، التي جرت مؤخراً بولايتي "بورجنلاند" و"شتاير مارك"، وأصبحت تشي باحتمال حدوث تغير جوهري في طبيعة النظام السياسي الاشتراكي الحاكم في النمسا، على خلفية التنامي المستمر في شعبية ونفوذ حزب الحرية اليميني، بعد ظهور هذا التقدم واضحاً في نتيجة انتخابات الولايتين الجنوبيتين "بورجنلاند" و"شتاير مارك"، التي وصف المحللون نتيجتهما بأنهما بمثابة زلزال سياسي ضرب النمسا.

ويتوقع محللون أن تكون نتيجة الانتخابات الأخيرة، هي بداية لحدوث تحول في طبيعة التحالفات الحزبية والتوجه السياسي للحكومة التي ستقود النمسا مستقبلاً، كنتيجة يرى كثيرون أنها منطقية يرجعونها إلى تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم "اس ب او" بشكل كبير، وظهور مؤشرات قوية إزاء سعي الشريك الائتلافي الحالي، حزب الشعب المحافظ "او فاو ب" إلى التخلي عن الحليف الاشتراكي التقليدي وعقد تحالف في المقابل مع حزب الحرية اليميني المتشدد، طمعاً في تقدم المحافظين لتبوأ منصب رئاسة الوزراء، الذي يضعه حزب الشعب المحافظ نصب عينيه ويسعى إلى انتزاعه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يسيطر على منصب رئاسة الحكومة منذ سنوات طويلة.

ومن جانبها تسعى قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، الذي يتولى رئاسة الحكومة الائتلافية الحالية بالتعاون مع حزب الشعب المحافظ منذ انتخابات عام 2014، بعد خسارته الكبيرة وتقلص شعبيته بشكل واضح، إلى تحقيق التماسك الداخلي والعمل على مواجهة الانقسامات التي بدأت في الظهور عن طريق الاصطفاف وراء رئيس الحزب، المستشار فيرنر فايمن، رئيس الوزراء، خاصةً بعد ظهور تطورات جديدة لا تقل في خطورتها عن خطر تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي وصعود شعبية حزب الحرية اليميني المتطرف في المقابل.

ويتمثل التطور الأخطر في خروج رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ولاية "بورجنلاند"، هانس نيسل، عن سياسة الحزب العامة، وكسر أهم محرمات المعسكر الاشتراكي بعقد تحالف مع حزب الحرية اليميني المتشدد وتشكيل الحكومة الجديدة في الولاية بمشاركة اليمين المتطرف، الذي يشارك لأول مرة منذ عام 2000 في تشكيل حكومة محلية، ما سيعطي دفعة قوية للحزب اليميني ويجعله أكثر قدرة على المشاركة في حكومات محلية أخرى على مستوى الولايات الأخرى، لا سيما وأن هذا التطور يأتي قبل إجراء انتخابات ولاية "النمسا العليا" البرلمانية في شهر سبتمبر القادم، والانتخابات البرلمانية الحاسمة والأكثر أهمية في ولاية فيينا خلال شهر أكتوبر القادم، تمهيداً لإجراء الانتخابات البرلمانية العامة في عام 2018.

ومن جانبه تورط رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رئيس الحكومة المستشار فيرنر فايمن، في أزمة ثقة وبدى في مظهر القائد الضعيف أمام مؤيدي الحزب، بعد إقدام حاكم ولاية "بورجنلاند" على التعاون مع اليمينيين متجاهلاً موقف رئيس الحزب، كما أن عدم استجابة رئيس الحزب، المستشار فيرنر فايمن، لمطالب قيادات حزبية ناشدته بإقصاء هانس نيسل عن عضوية الحزب، بعد خروجه عن قرار راسخ اتخذته الهيئة العليا للحزب تعهدت فيه بعدم التعاون مع اليمين المتطرف، أدى إلى ضعف موقف رئيس الحزب فيرنر فايمن، الذي ظهر عاجزاً إزاء اتخاذ قرارات قوية تنقذ سمعة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، متعللاً بترك المجال مفتوحاً أمام رؤساء الحزب في الولايات المختلفة لتحديد طبيعة تحالفاتهم على مستوى الولاية، مما أدى إلى ظهور مطالب بتغيير رئيس الحزب، المستشار فيرنر فايمن، رئيس الوزراء، متهمين إياه بضعف السيطرة على الحزب وقياداته الفرعية في الولايات المختلفة.

وعلى صعيد آخر تعرض الاشتراكيون إلى تطور آخر مؤلم، عندما تنازل رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ولاية "شتاير مارك"، فرانس فوفيس، عن كرسي حاكم الولاية، لصالح رئيس حزب الشعب المحافظ، هيرمان شوتسنوفر، في ضربة جديدة للحزب، الذي يستحق مقعد حاكم الولاية بعد فوز الاشتراكيين بالمركز الأول من حيث عدد الأصوات في انتخابات الولاية بواقع 2ر29% مقارنة بحزب الشعب المحافظ الذي جاء في المركز الثاني برصيد 5ر28%، ولكن خضوع الاشتراكيين للضغوط التي مارسها عليهم المحافظين، عن طريق تهديدهم بالتخلي عن التحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أثناء تشكيل حكومة الولاية، والتحالف في المقابل مع حزب الحرية اليميني، بشكل يؤدي إلى خروج الاشتراكيين من حكومة الولاية لأول مرة منذ سنوات طويلة وانتقالهم إلى مقاعد المعارضة، مما جعل الاشتراكيون يتنازلون عن كرسي حاكم الولاية مقابل البقاء في حكومتها المحلية، وهو القرار الذي عمّق جراح الحزب الاشتراكي، وأظهر الحزب في موقف العاجز أمام مواجهة مؤامرات حزب الشعب المحافظ على شريكه الائتلافي سعياً لاحتلال منصب رئيس الحكومة سواء على مستوى الولايات أو مستوى المركزي مستخدماً دائماً ورقة التهديد بالتحالف مع اليمين المتطرف، كما أدى تنازل الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن كرسي حاكم الولاية مقابل بقاءه في تشكيل حكومة الولاية، إلى ظهور الحزب وكأنه يسعى فقط إلى الحفاظ على السلطة والبقاء في تشكيل حكومة الولاية، على حساب الثوابت الاشتراكية، بينما فضّل مؤيدو الحزب في المقابل أن يرفض الاشتراكيون الابتزاز ويمتنعون عن التحالف مع المحافظين ويتوجهون في المقابل إلى مقاعد المعارضة.

وعلى الصعيد التحليلي يرجع المحللون السبب الرئيس وراء تقلص شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم بشكل كبير، إلى استغلال حزب الحرية اليميني المتشدد، المعروف بسياساته العنصرية المعادية للأجانب بشكل عام والعرب والمسلمين بشكل خاص، مشكلة زيادة عدد اللاجئين القادمين من سوريا والعراق وليبيا، ونجاح الحزب في الاستفادة من هذه المشكلة دعائياً عن طريق استخدام سياسات دعائية تركز على إثارة مخاوف المواطنين النمساويين والتهويل من الآثار المترتبة على الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين القادمين من سوريا والعراق وليبيا، في ذات الوقت الذي تحرص فيه حكومة النمسا على الوفاء بالتزامها الأخلاقي إزاء توفير ملجأ آمن للأفراد، الذين هربوا من جرائم تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق وليبيا.

وفي ذات السياق يتوقع المراقبون استمرار صعود نجم حزب الحرية اليميني المتشدد وحصده للمزيد من الأصوات الانتخابية المؤيدة في انتخابات ولاية "النمسا العليا"، المقرر اجراؤها في شهر سبتمبر المقبل، وانتخابات ولاية فيينا في شهر أكتوبر، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى اشتراك الحزب اليميني المتشدد في حكومة الولايتين، بشكل يدعم موقفه استعداداً للانتخابات البرلمانية العامة، التي ستجرى في عام 2018، بسبب تركيزه على تحميل اللاجئين مسؤولية معظم المشاكل الحياتية، التي تواجه المواطنين العاديين مثل زيادة نسبة البطالة، والخوف من وصول الإرهابيين المتطرفين إلى النمسا تحت غطاء اللجوء السياسي وكذلك زيادة نسبة الجريمة في النمسا. 

وفي المقابل يتوقع محللون سياسيون أن يقدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي على تغيير قياداته، إذا ما استمرت شعبية الحزب الاشتراكي في التدهور خلال الانتخابات البرلمانية المحلية المقبلة بولايتي "النمسا العليا" و "فيينا"، وذلك في إطار سياسة الدفع بدماء جديدة وشخصية كاريزمية تنقذ شعبية الحزب خلفاً للقيادة الحالية، التي يرى محللون أن الوهن أصابها وأنها أصبحت ضعيفة بعد مرور سنوات طويلة في سدة الحكم، وهي الخطوة التي قام بها حزب الشعب المحافظ عندما دفع بنائب رئيس الحكومة الحالي، راينهولد ميتل لينر، إلى رئاسة الحزب، خلفاً لرئيس الحزب السابق، ميخائيل شبندل اجر.