حسام السويفي يكتب: قانون مكافحة "الصحفيين"

مقالات الرأي

بوابة الفجر


من باب الخجل ربما ، أو من باب عدم المكاشفة والمصارحة باستعداء الصحافة ، أطلقوا عليه إسم مشروع قانون مكافحة الإرهاب ، ، ظنا منهم أن تمريره قد يكون أمرا يسيرا ومقنعا بهذا الإسم  للرأي العام ، في الوقت الذي يبدو فيه الأصوب لعنونته حين قراءتك الأولي له هو قانون مكافحة الصحفيين ، فالمشروع المعد لمكافحة الإرهاب كما يدعون ، تضمن العديد من المواد القانونية –لا تقل عن خمسة مواد -التي تحمل تهديدا صريحا لجموع الصحفيين بحبسهم علي ذمة قضايا نشر، في محاولة من النظام لمد خط القمع وتكميم الأفواه علي استقامته.

 

  إن من يدرك أهمية حرية الصحافة، سيعلم أنهم أرادوا حينما صاغوا مشروع القانون تحويل الصحفي إلي إرهابي بشكل مقنن ، تمنوا حينما كتبوه اعتبار ممارسة المهنة جريمة ، حددوا عقوبة تصل إلي العامين لمن يخرج علي نص مشروع قانونهم المزعوم ، لنجد أننا أمام مشروع قانون يضرب عرض الحائط  بحرية  تداول المعلومات ، وحق الصحفي في الحصول عليها من عدة مصادر، فضلا عن كارثة أخري تتمثل في بعض مواد القانون الهادفة إلي تحويل الصحفي  لمجرد موظف عند النظام ... مندوب للوزرات والهيئات وليس مندوبا لصحيفته اليهم ....يتلقي بياناته الرسمية منه ..وينسخها(copy paste)  لصحيفته ...ليتحول الصحفي مع مرور الوقت  إلي بوسطجي ..ساعي بريد...ناطق باسم الوزارة والنظام ...وليس ناطقا بلسان الشعب ... ليس من حقه أن يسأل أو يعرف من مصادره ما حدث ولما حدث وكيف حدث.

 

 إن المشرعين لهذا القانون نسوا أو تناسوا أن  العقل الجمعي للصحفيين لن يقبل بإعادة إنتاج قوانين مبارك القمعية ،والتي كانت تهدف إلي اغتيال الصحافة ووأدها حية .. ولن تجدي مبررات النظام وتصديره أسبابا لصياغة القانون علي هذا النحو من نوعية الحفاظ علي الأمن القومي في إقناع من يقطنون بشارع عبد الخالق ثروت بالموافقة علي تكميم أفواههم من خلال هذا القانون ، خاصة وأن دور الصحفيين  في ثورة يناير المجيدة لخلع مبارك ووعزل مرسي واسقاط حكم المرشد من بعده ، كان أكبر وأهم  وأعظم  من دور القائمين علي صياغة مشروع قانون مكافحة "الصحفيين".

 

ورغم نضال الجماعة الصحفية طيلة السنوات السابقة ، ونجاحها في إلغاء المواد الخاصة بالحبس في قضايا النشر، فإن  المادة 33 في مشروع  قانونهم المزعوم تعيد إنتاج حبس الصحفيين في قضايا نشر مرة أخري ، ليتم نسف المكاسب التي حصل عليها الصحفيون بعدم جواز حبسهم في قضايا نشر بجرة قلم من مشرع اتخذ من الفاشية شعارا له حين صياغته لمشروع القانون ، حيث  نصت  تلك المادة علي أنه  (يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية ،عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن ).

 

 المادة واضحة وصريحة ولا تحتاج إلي فك لشفراتها، أو حل لألغازها، فهي تجبر الصحفي علي نشر البيانات الرسمية للدولة فقط دون غيرها، ذلك لأن الدولة ستعتبر أي معلومات مخالفة لبياناتها حتي وإن كانت من مصادر ذات مصداقية للصحفي ومعه ما يثبت صحتها هي نشر لأخبار غير حقيقة ، ومن ثم يستوجب محاكمة الصحفي عليها وحبسه عامين خلف القضبان ليتساوي مع الإرهابيين ،لتصبح الصحافة من خلال مشروع القانون إرهابا والصحفي داعشيا ..لا فرق بينه وبين أبو بكر البغدادي، ناهيك عن مخالفة المادة 33 لنص المادة 71 من الدستور التي تؤكد عدم توقيع عقوبة سالبة في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، لنري انتهاكا واضحا للدستور المستفتي عليه من قبل الشعب .

 

ومما لا ريب فيه أن تعمد نشر الأخبار الكاذبة جريمة تستحق عقوبة رادعة لصاحبها خاصة في وقت الحروب والمعارك التي تخوضها الدولة ،ولكن شريطة الأ تتعدي العقوبة الغرامة فقط ، علي أن تكون جهة التحقيق دائما هي النقابة وليست النيابة ، فلا يجوز حبس الصحفيين في قضايا النشر، ونقابة الصحفيين لها أن تتخذ من الآليات والإجراءات العقابية التي تضمن عقوبة رادعة لمن يثبت في حقه تعمد نشر أخبار كاذبة .

 

ما لم يعلمه المشرع لهذا القانون أن ثمة فرق كبير بين حملة الأقلام وحملة الأسلحة ...بين من ينتقد النظام بكلماته ..وبين من يواجه النظام بطلقاته ....لا يستوون...ولذلك فإن من يساوي بين الصحفيين ويضعهم في خانة واحدة مع الجماعات الإرهابية يمارس إرهابا فكريا ضد الصحفيين ...يحاول اغتيال أقلامهم بالقانون .... يراهن علي الطبالين والأفاقين من حملة المباخر من الإعلاميين في برامج التوك شو ، الذين سيحاولون  بأوامر من جهات أمنية التي يعملون لصالحها ، أن يقنعوا الرأي العام بضرورة إقراره ، الإ أنهم سيخسرون رهانهم في نهاية المطاف ...فمن استعدي الصحفيين من أنظمة ديكتاتورية سابقة كان مصيره الخلع أو العزل ، بينما بقيت حرية الصحافة وستبقي دائما  ....  حلان لا ثالث لهما أمامكم ،فإما حذف تلك  المواد المقيدة لحرية الصحافة والموجبة لحبس الصحفيين ،أو أن تعلنوها صريحة وتغيروا اسمه ليصبح قانون مكافحة الصحفيين .