طارق الشناوى يكتب: سامي العدل.. رحيل على الهواء

الفجر الفني

بوابة الفجر


فى فيلم «شارع الحب» كان حسين رياض يقول لعبد الحليم بين الكواليس فى الأوبرا «إنت اللى ح تغنى الليلة دى يا منعم»، اكتشفت أن سامى العدل كان يبكى مثل الأطفال فى كل مرة، وهو يرى فيها هذا المشهد، الذى أخرجه عز الدين ذو الفقار بميلودرامية زاعقة، ورغم ذلك كان سامى العدل يتأثر إلى درجة الشحتفة والنهنهة.

ملمح لسامى العدل لم أعرفه، بل ولم أتوقعه من قبل، إلا فى اللقاء التليفزيونى الوحيد الذى جمعنا أنا وسامى وشقيقه الأصغر مدحت فى رمضان الماضى، وذكر فيه تلك الواقعة، فهو على عكس ما يبدو فى الانطباع الأول، حيث يحمل فى أعماقه فيضًا من الرقة.

كأنه آثر أن يودع الجماهير على الهواء، فهو لا يزال حيا يرزق أمامنا على الشاشة فى مسلسلين يحققان أعلى درجات المشاهدة «حارة اليهود» و«بين السرايات»، يؤدى فى المرتين دوره الأثير ابن البلد، إلا أنه وعلى غير العادة الوجه الطيب، لو أراد سامى العدل أن يختار نهاية له فى الحياة فلن يجد أفضل من تلك، أن تودعه الجماهير جسدا، وهو أمامهم على الشاشة، وحتى آخر نفس، كانت الأدوار الشريرة من نصيبه مثل «حسب الله» فى مسلسل «ريا وسكية»، تكوينه الجسمانى وملامح وجهه ونبرات صوته، وقبل ذلك استسهال المخرجين، لعبت دورا محوريا فى وضعه داخل إطار محدد، لكنه يبرع تماما عندما يعثر على دور به ملامح تعبيرية مثل «أحلى الأوقات» لهالة خليل، كان سامى أيضا له وجه آخر وهو المنتج المغامر القادر على أن يراهن على الجيل الجديد، وهكذا من خلال شركة الإنتاج التى تجمعه بأشقائه قدموا مثلا محمد هنيدى ومحمد سعد للساحة السينمائية كنجمى شباك.

سامى العدل التحق بمعهد المسرح فى نفس الدفعة، التى ضمت أحمد زكى، لم يكن سامى مغاليا فى حجم موهبته، لكنه كان يعلم أن عليه الاجتهاد فى كل شخصية يؤديها، لم يكن يطيق الغياب عن الاستوديو، فهو دائما حاضر فى المشهد، وفى نفس الوقت كان يعلم أنه ليس نجما للشباك، ولم يدخل فى معارك نتائجها محسومة مسبقا لإثبات أنه البطل الأول، بل قرر أن يصنع من أدواره الأقل مساحة من البطل دورا موازيا.

فى الوسط الفنى لم يكتف بأنه فنان محبوب من زملائه، أراد أن يستثمر هذا الحب فى إطفاء أى حريق يشتعل فى الحياة الفنية، فى الماضى أقصد خمسينيات القرن الماضى كان يلعب هذا الدور المنتج والمخرج حلمى رفلة، ثم مر زمن وصار فى السبعينيات فريد شوقى، هو الذى يتدخل لإيقاف أى صراع، وبعد رحيله أصبح سامى العدل هو الذى يعمل على رأب الصدع فى الوسط الفنى، وكلما اشتعلت النيران بين النجوم كان هو رجل المطافئ.

قبل عام وفى مثل هذه الأيام فى رمضان ومن خلال شقيقه مدحت العدل جمعنا لقاء تليفزيونى ساخن عبر قناة «سى بى سى»، وتباينت وجهات النظر فى عديد من الأعمال الفنية المعروضة، وفى اللقاء عدنا للماضى، كنت قد أشدت بفيلم من إنتاجه، وشارك فى تمثيله وهو «فيلم ثقافى»، ولكن اختلط الأمر عليه، وقال إننى هاجمته، واحتدم الموقف، ثم أذابه سامى بابتسامة، وتعانقنا بعد انتهاء الحلقة.

فى بداية رمضان عندما تناقلت الأخبار مرضه تواصلت مع مدحت العدل، وقال لى إنه يعانى من ضعف فى القلب، قلت له إنه محب للحياة، وسوف ينتصر، لكن يبدو أن سامى لم يرد أن يترك لحظة الذروة تفلت منه، فقال وداعًا فى عز حضوره على الشاشة.