د.رشا سمير تكتب: عصابة "تحت السيطرة"

مقالات الرأي



أن تقع فى قبضة الحُب..فأنت تحت سيطرة مشاعرك..
أن تقع فى قبضة الإدمان..فأنت تحت سيطرة شيطان الشهوة..
أن تقع فى هوة اليأس..فأنت خارج سيطرة أحلامك..
فكلما رفعتنا الحياة إلى أعلى إنتظرنا أن تلقينا إلى أسفل..وكلما تصورنا أننا أحكمنا قبضتنا على أحلامنا جاءت الحياة بما لا تشتهى السفن لتجرنا إلى دوامات الإختبار..
هذا هو الشعور الذى تسلل خلسة إلى مسامى وأنا أشاهد مسلسل (تحت السيطرة)..
المسلسل الذى إقتحم كل البيوت المصرية هذا العام من خلال دراما رمضان التى وإن كثرت فقد قل الجيد منها..
مما لاشك فيه أن مسلسل تحت السيطرة إحتل أغلب الشاشات وكل المواعيد لدرجة أننا أحيانا كنا نشاهد الحلقة الواحدة ثلاث مرات متتالية مثل الدواء، فهو قدرنا كلما غيرنا القناة!..
مأساة رمضان أن بعض المسلسلات تحتل الصدارة لأن مواعيد عرضها تخدمها، وبعض المسلسلات لا تأخذ حقها لأن أوقات عرضها ضعيفة جدا على الرغم من المجهود المبذول فيها..
ولكن الحقيقة أن هذا المسلسل كان سبيله إلى قلوب المشاهدين واقعيته ونعومة السيناريو..فهى حكاية تمس كل بيت..خدمه مواعيد العرض والواقعية معا..
فمريم نعوم..سيناريست تمتلك موهبة الكلمة الموجهة التى تمس القلوب، فأنت تستمع إلى سيناريو مكتوب بحرفية ومفردات تم إختيارها بعناية، على الرغم من أن القصة مستهلكة، وأحداث المسلسل من السهل جدا توقعها، فموضوع الإدمان قُتل بحثا من أيام (حتى لا يطير الدخان)..وموضوع زمالة المدمنين المجهولين لم تعد خافية على أحد لأنها تم تناولها روائيا فى أكثر من رواية..
إذن فالقصة مستهلكة بلا جديد ولا يوجد بها ما يُقال ولكن الحقيقة أن أبطال المسلسل الذين يشكلون (عصابة) بحق إستطاعوا عمل شربات من الفسيخ..
نعم..أبطال المسلسل...عصابة..عصابة إستطاعت سرقة الكاميرا والسطو على المشاهد بمنتهى الإحترافية والسلاسة فى آن واحد..
نيللى كريم..نيللى ببساطة ليست ممثلة ولكنها حالة!..حالة مختلفة..موهبة تمشى على قدمين..لا أعلم لماذا تأخر ظهورها إلى الثلاث سنين الماضية الذين بدءا بمسلسل (ذات) مرورا ب(سجن النساء) وأخيرا (تحت السيطرة)..
لم أشعر لحظة أن نيللى تمثل..شعرت أنها أختى أو صديقتى وهى فى محنة..محنة أن تتخلص من سيطرة المخدرات على حياتها..من سيطرة الحُب على قراراتها..من سيطرة زوجها على مستقبل علاقتهما..
لن أتحدث عن لقطات الإدمان ودخولها المصحة ولكننى سأتحدث عن اللقطات الأخرى، اللقطات الناعمة التى تقدمها بكل هدوء وإحتراف..فمن لقطة الأغنية العجيبة التى كانت تغنيها لرضيعتها..إلى يوم لمست يد صغيرتها وهى فى الحضانة..ويوم وصلت إليها ورقة طلاقها..ويوم التقت عيناها بعين طليقها وهى تحاول الفرار منه على الرغم من قلبها الذى ظل يدنو منه بدلال طوال الوقت..
إنها ممثلة إستحقت لقب عملاقة الشاشة الصغيرة دون إنفعال ولا تشنج..بل بهدوء البركان الذى يثور ليلقى بحممه إلى الخارج..
وتأتى الجميلة التى هى بحق إسم على مسمى (جميلة عوض)..الفنانة التى أثبتت أن الموهبة لا تورث، فأكم من أبناء فنانين تم إقحامهم على الشاشة من منطلق التوريث..ولكن فى حالة (جميلة) الحقيقة أنها إستطاعت أن تقف على أرض صلبة وتؤدى دورا فى منتهى التعقيد بإحترافية شديدة..شعرت أنها إبنتى وكدت أن أصفعها على وجهها فى بعض المشاهد، وأبكتنى حين سقطت وكلما عاودت السقوط، فشعرت فى أحيان أخرى أننى أريد أن أخذها بين أحضانى وأهدهدها..إنها ممثلة دون شك تمتلك الموهبة وأتمنى أن تحسن أختيار أدوارها القادمة، وعندى يقين من أن نجمها سوف يسطع عاليا في سماء الفن..
لن أنسى كل الأدوار الأخرى والفنانين الذين استطاعوا إقتحام قلوب المشاهدين..
ظافر عابدين وتجربة ناجحة تستحق التكرار..
أحمد وفيق..دور مختلف واثق إستطاع به منافسة كل ممثلى الأدوار الأولى..إنه ممثل موهوب بحق..محترف واثق الخُطى عملاق..
إنجى أبو زيد..ودور سوف ينقلها بصدق الأداء إلى مكان آخر، فهى إكتشاف بالنسبة لنا كجمهور، إستطاعت بإنفعالات محسوبة أن تكتب إسمها بحروف من نور فى الدراما الرمضانية..
هانى عادل..كعادته ممثل بسيط ومعقد..قوى ولكن بسلاسة..موهوب موسيقيا وفنيا.
أحمد فراج..على الرغم من صعوبة الدور والرسالة المؤذية التى أوصلها للشباب إلا أنه بداية لنجم قرر أن يسطع..برافو أحمد، لقد أثبت أن الدور الجيد يصنع ممثل جيد..لقد إقتحمت قلوب الشباب، فتعاطفنا معك وكرهناك وأحببناك وسأمنا ضعفك..
أعتقد أن نقطة ضعف المسلسل الوحيدة كانت جيهان فاضل التى لم أفهم لماذا كانت إنفعالاتها ضعيفة وبطيئة إلى هذا الحد؟ إن إنفعالاتها كأم إكتشفت أن إبنتها مدمنة ومتزوجة من وراء ظهرها إنفعالات لا ترتقى لمستوى سيدة فقدت ورقة بمائة جنيه!
تحت السيطرة..مسلسل مس القلوب والبيوت المصرية لأن قصته واقع عاشه الكثير من الشباب..قصص سيطرة الأدمان على أجيال سقطت دون إرادة فى هوة المزاج، فضاعت أحلامهم..وتناثرت حياتهم أشلاء تحت أقدام الضعف النفسي..إنها رسالة إستحقت أن تصل للبيوت المصرية..واستحق صُناعها النجاح..