بالصور.. "بائعو المناديل" ضحية المجتمع أم وسيلة لـ"التسول" ؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


"اشتري مني كيس مناديل"، "ساعدوني بأي حاجة" عبارتين اعتدنا أن نسمعهما كثيراً أثناء السير في الشارع أو حتى في المواصلات العامة خاصة داخل عربات مترو الأنفاق، فغالباً ما تجد سيدة أو رجل عجوز أو حتى طفلاً يتوسلون إليك حتى تشتري منهم أو تساعدهم، فباتت هذه الوسيلة طريقة جديدة للتسول بحسب رؤية جزء من المجتمع لهم، أو طريقة خلقوها لأنفسهم بهدف التحايل على ظروفهم المعيشية الصعبة.

قصص عديدة يحملها كل شخص قادته ظروفه للنزول إلى الشارع من أجل بيع المناديل، وقامت "الفجر" برصد عدد من "الشحاتين" بالشارع للوقوف على حالاتهم والتعرف على السبب الذي قادهم لذلك.

"أم آية" عين مُنكسرة وجسد مُنهك

البداية كانت مع "أم آية"، عجوز في سن الـ 64 عام، تسير مُنهكة وهي تحمل في يدها اليمنى "شنطة بلاستيك" واليسرى بها عبوتين من أكياس المناديل، تمر بجانب المارة في الشارع بمنطقة السيدة زينب، وعلى وجهها علامات الإنكسار وهي تطلب منهم أن يشتروا منها المناديل أو مساعدتها.

"أعمل إيه .. أبيع مناديل ولا أخلي بنتي المُطلفة تعمل حاجة وحشة؟"، هكذا بدأت "أم آية" حديثها، موضحة أن إبنتها مُطلقة ولديها أربعة أبناء، وأنها تقوم ببيع المناديل حتى تستطيع أن تصرف عليهم، خاصة وأنهم يعيشون في شقة يصل إيجارها الشهري إلى 500 جنيهاً، مضيفة أن لديها 6 بنات أخريات تزوجن، وزوجها توفى منذ 20 عام، وهي التي تتحمل عناء الأسرة.

وأوضحت بنظرة كلها مشقة، أنها تقوم ببيع المناديل منذ عامين، لافتة إلى أنها في أيام شهر رمضان تبدأ البيع بعد الإفطار حتى الواحدة من منتصف الليل، وأن ذلك يكون سراً دون أن يراها أحداً من جيرانها قائلة: "بأنزل من غير ما حد يشوفني .. لأن ممكن لو حد شافني يعايرني ببيع المناديل".

وعن ما  تتعرض له في الشارع من أذىً، أوضحت أنها في بعض الأوقات يتم القبض عليها ولكن يفرج عنها بعد الكشف عن بطاقتها الشخصية، مُستنكرة بعض تصرفات أفراد الشرطة في حقها، قائلة: "في ضابط وحش بيشتمني"، على حد قولها.

وردت "أم آية" على ما يردده البعض بأن بائعي المناديل متسولين، قائلة: "مسيرك يا رضا تبقي زي كده"، منوهة إلى أن من يقول ذلك قد يتعرضون لما تعرضت له من ظروف تجبرهم على أن يسلكوا نفس طريقها ويتخذون بيع المناديل طريقة لجلب الرزق، متابعة: "محدش ضامن نفسه".

المُنتقبة والمديونيات

وأثناء الجلوس أمام مسجد الإمام الحُسين، مرت علينا سيدة مُنتقبة مُرددة نفس العبارة بإلحاح شديد "اشتري مني كيس مناديل أو اديني أي مساعدة"، وحينما تحدثنا معها أوضحت أنها من أبو كبير بمحافظة الشرقية، وأن هذه المرة هي الأولى التي تبيع فيها بمنطقة الحسين، مُبررة قدومها إلى هذا المكان بأنه يقال أن "المصراوية كرما ومش بيقصروا مع الغريب".

وأكدت أنها لم "تشحت" كما يقول البعض وأنها تبيع المناديل، موضحة: "اللي بيديني حاجة زيادة عن سعر كيس المناديل بتكون إكرامية منه .. الكيس بيقف عليا بنص جنية وبكسب زيه".

 وأوضحت بحزن شديد في صوتها أنها جاءت للقاهرة حتى تبيع المناديل بسبب المديونيات  والحصول على أموال تستطيع من خلالها أن تصرف على أبنائها "إبراهيم وسحر"، بالإضافة إلى دفع إيجار الشقة التي يسكنون فيها والذي وصل إلى مبلغ 500 جنيهاً، مستكملة: "الدنيا ضيقة وجوزي سواق يوم بيشتغل وربنا بيرزق ويوم ما بيشتغلش".

كذبة الأخوة في محطات مترو الأنفاق

وداخل عربة السيدات بمحطة مترو أنفاق "جامعة القاهرة"بالخط الثاني، يبيع الطفلين حسام، 7 سنوات، ومحمود 10 سنوات، المناديل للركاب، وحينما أعطت احدى الركاب جنيهاً لـ"حسام" ترك لها المناديل وقالت له: "أنا مش عايزاه أنا بأساعدك .. خده بيعه"، ورفض حسام ذلك وتركها وهو يجري ليصعد لعربة مترو أخرى.

وبعد أن صعدا "حسام ومحمود" لعربة المترو الأخرى ذهبت خلفهم لأحدثهم، وبسؤالهم عن سبب موقفهم مع السيدة التي أرادت مساعدتهم قالا في بؤس شديد:"علشان عايزين نخلص بيع ونروح بدل ما أمنا ما تضربنا".

ورويا مأساة عن حياتهم، وسبب عملهم ببيع المناديل في هذا السن الصغير، قالا أنهم أخوين ووالدهم توفى، وأن والدتهم "رجلها مكسورة"، ويقومون بالصرف عليها من خلال بيع المناديل.

وبعد حديث معهم عن ظروفهم وشرائي للمناديل التي كانت معهم حتى يستطيعوا العودة لوالدتهم بدونها، قال لي "حسام" وعلى وجهه علامات الأسف: "بصراحة أنا كذبت عليكي احنا مش أخوات وأمنا مش تعبانة ومحمود اللي بيقولي أقول كده".

وحينما نظرت لـ"محمود" حتى يعترف بالحقيقة، أكد أنه يعتبره أخ أصغر له وأنه لم يكذب، مضيفاً: "اللي بيخلونا نبيع قالولنا نقول كده علشان نصعب على الناس ونبيع".