طارق الشناوى يكتب: حكايات صغيرة.. ولكن!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


مَن يكتشف المواهب الجديدة؟ غالبًا فنان كبير يستطيع أن يستشعر تلك الموهبة ويشير إلى تفردها. إنهم كبار الذواقة الذين نأتمنهم فى العديد من شؤون حياتنا بعضهم متخصص فى غذاء الفم مثل ذواقة الأطعمة وهناك متخصصون فى الأنف مثل بائعى العطور، ثم إن ملعبهم هو الوجدان مثل مكتشفى المواهب الجديدة، وكالعادة هناك مراهنات خاطئة.

نور الشريف حكى أن نور الدمرداش وهو الذى كان يُلقَّب بملك الفيديو فى مطلع الستينيات رفض اعتماده ممثلا بالتليفزيون، بينما الذى قدمه هو تلميذ الدمرداش محمد فاضل فى مسلسل «القاهرة والناس». المفارقة أن العكس قد حدث، وهو أن محمد فاضل رفض منح الفرصة لمحمود عبد العزيز مما دفعه إلى الهجرة إلى فيينا، ليبيع مثل شباب تلك المرحلة نهاية الستينيات الجرائد هناك، والغريب أن الذى صحح خطأ فاضل هو نور الدمرداش وأسند إليه دورا فى مسلسل «كلاب الحراسة» لينطلق بعدها نجمًا استثنائيا.

ولدينا عديد من الحكايات المماثلة، مثلا عادل أدهم روى لى أنه عندما قرأ فى نهاية الأربعينيات أن شركة إنتاج يديرها نجمه المفضل أنور وجدى تبحث عن وجوه جديدة، قرر أن يتقدم إليها، وطلبوا منه أداء دور من إحدى المسرحيات العالمية، وقالوا له «اترك رقم تليفونك ولما نعوزك ح نتصل بك» ولكنه وهو فى طريقه لمغادرة المكتب تناهى إلى سمعه صوت أنور وجدى وهو يقول لمساعديه «هو كل واد عيونه خضرا وشعره أصفر يفتكر نفسه ح يبقى أنور وجدى»، وهكذا ابتعد أدهم، لقسوة هذه الكلمة، عشر سنوات عن السينما.

شىء من هذا ممكن أن تجده مثلا فى رأى المنتجة مارى كوينى عندما أراد المخرج عاطف سالم أن يصور عبد الحليم فى «تترات» فيلمه «فجر»، فوجئ عاطف باعتراض من المنتجة بحجة أن عبد الحليم ليس «فوتوجينيك» أى أن ملامحه تخاصم الكاميرا، ولم ينسَ حليم أبدا هذا الموقف وعندما صار نجم شباك بعدها بأسابيع قليلة بعد عرض فيلمه «لحن الوفاء»، طلبت التعاقد معه على فيلم جديد بثلاثة أضعاف أجره، فرفض بإصرار، فلقد كان الجرح غائرا.

ليلى مراد اعترض عليها فى البداية أحد أهم رواد الإخراج فى مصر والعالم العربى محمد كريم وقال إنها لا تصلح، ثم أصبحت هى المطربة السينمائية الأولى فى تاريخ الغناء كله وحظيت بأكبر أجر عرفته الشاشة الفضية، كانوا يقارنونها وقتها بنجمات هوليوود.

فيروز لم يكن منصور رحبانى متحمسا لها وكان رأيه أنها لا تصلح للغناء الراقص، ولكن بعد أشهر قلائل من هذا الانطباع الأول صار الثلاثى، الأخوان رحبانى وفيروز، هم عنوان الموسيقى فى لبنان وعالمنا العربى، وأكمل بالطبع زياد بنبضه العصرى هذا الإحساس الفيروزى.

لا أحد يستطيع أن يراهن فى كل مرة على الرابح، كلنا، حتى المتخصصين، تخونهم أحيانا البوصلة.