عرق على الجبين.. ولقمة متغمسة طين.. وضحكة على وش حزين.. «هنا معاقل صناعة الفخار»

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

رجال وشباب وحتى أطفال، جميعهم يندى جبينهم من العرق بسبب مشقة العمل في ظل ارتفاع درجة الحرارة، بعضهم يكتسي ذراعهم بـ«الطين»، حيث يقوموا بخلطه بالماء ليصبح عجيناً، وبعضهم الآخر يجلس أمام «الفرن» يتحمل سخونة الحرارة التي تخرج منه لتمتزج بدرجة حرارة الجو، فضلاً عن آخرين يجلسون على الأرض منحنين على قطعة طين يقوموا بتشكيلها.
«صناع الفخار» في قرية «النزلة» بمحافظة الفيوم، أقدم قرية تختص بصناعة الفخار على مستوى الجمهورية، الذين يصنعون بأيديهم أبسط أنواع الفنون، والتي تشهد أغلبها على حضارات الأمم، وقد شاعت هذه الصناعة في مصر منذ عصور ما قبل التاريخ، وبداية تواجد المصريين في الدلتا ووادي النيل.
وأقدم أنواع الفخار كانت تصنع يدوياً، من الطين، ثم تترك لتجف تحت الشمس، وبعد اكتشاف النار، كان الفخار يحرق؛ ليصبح أكثر صلابة ومتانة، ويعمر أطول فتعتمد هذه الصناعة على الطين فقط وأدوات بسيطة مستغنين عن أي ماكينات أو آلات حديثة.
تعد قرية النزلة التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، من أقدم الأماكن لصناعة الفخار في محافظة الفيوم، والتي توارث الصناع فيها المهنة عن آبائهم وأجدادهم الذين عملوا بها منذ زمان واشتهروا بها في القرية، وتمسكوا بصناعتهم على الرغم من اندثارها بسبب المنتجات العصرية التي توجه إليها المصريين كبديل لها.
تتواجد منطقة «النزلة» في مكان منخفض يسمى وادي النزلة، لانخفاض مستواه عن الطريق بما يقرب من  15 مترًا، لكن شهرة «النزلة» راح بريقها نتيجة ما تعانيه القرية من إهمال، وبعد أن كانت  تحتوي على أمهر صانعي  الفخار في المحافظة، أصبح أهل البلدة من أصحاب الحرفة يهجرونها بحثًا عن الرزق بعد إهمال صناعة آبائهم.
وعلى الرغم من أهمية هذا المكان الذي يحوي صناعة من أهم الصناعات التي تعبر عن الحضارة المصرية، إلا أنها تعاني الإهمال من المسئولين، حيث يعتبر المكان بدائياً لا يوجد به أي إمكانيات، مياه الصرف الصحي تسيل على المكان لتغرق أجزاء منه وتهدد بقيته بالغرق.

وتحدث الحاج حسني، عن عمله في الفخار داخل قرية النزلة قائلًا: «أعمل في هذه الحرفة منذ ما يقرب الثلاثين عاما عندما كنت في العاشرة من عمري، أخذتها وتعلمتها أبا عن جد».

ويشير إلى أن الحرفة داخل القرية تديرها عائلة واحدة وقد كانت في الماضي مكونة من 600 فرد، لكن حاليا يعمل فيها بشكل منتظم حوالي 50 فردا. أما غير المنتظمين فعددهم 150.

يذكر الحاج حسني أن أهم ما يميز قرية النزلة أنهم حتى الوقت الحالي لا يزالوا يعملون بطمي النيل، وهي الطريقة المعروفة منذ عهد الفراعنة، ويقول: "نضيف عليه الرماد الناتج عن حرق الأفران أو تبن القمح الذي يستخدمه الفلاح، فنحن عندنا طينة بلدي. وهذه الطينة تختلف عن الطينة المستخدمة في قرية تونس؛ لذلك حرفتنا يمكن نعتها أنها تراثية".