بوابة الفجر تبحث: المصريون بين التدين و التظاهر به



أمل فرج: أصحب النفوس الضعيفة هم من يتظاهروا بالتدين لتحقيق أهداف نفعية

عبد الجليل : بعض أبناء الأمة لديهم إنفصام فى الشخصية

عاشور : التظاهر بالدين من أبغض الكبائر

بعد الأحداث الأخيرة و إنتاج الفيلم المسئ للرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم جاءت المشاعر الغاضبة من جموع المسلمين حول العالم و خاصة المصريين و جاءت إحتجاجتهم التى أثارت العديد من علامات الإستفهام ، فكيف لمسلمين أن يثورا و يحتجوا لإهانة نبيهم و يفعلوا عكس ما أمرهم به من إلتزام بأخلاقه و صفاته و سلوكه ، و من الطرائف أن تجد شخصاً يثور و يغضب و يحتج على إهانة نبى الإسلام وأثناء إحتجاجه يقوم بسب الدين ؟ .

و قياساً على ذلك ترى فى المجتمع المصرى علامات التدين فى كل مكان و فى نفس الوقت ترى العديد من مظاهر الإنفلات الأخلاقى فنجد تزايد معدل الجريمة و السرقة و الرشوة و التحرش الجنسى و الإغتصاب.

فللأسف الشديد أصبح الدين شكلاً، و ليس لسانا يذكر و قلباً يعى و يلبى و يرضى الله فى كل شأن ،و تناسى الكثير حديث الرسول -صلى الله عليه و سلم- الدين المعاملة ، و الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، و إختزل البعض الدين فى مظاهر شكلية لا تعبر عن الدين بأى شكل من الأشكال ، و أصبح التدين لديهم جلباب قصيراًو لجية طويلة و سواكاً و غيرها من المظاهر الشكلية ،أو يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة و من سار معهم أصبح فى طريق الهداية و من عارضهم فهو فى طريق الضلال .

و من جانبها تقول الدكتورة أمل فرج أستاذ علم النفس و الإجتماع : إن التظاهر بالتدين دون إلتزام حقيقى بالدين أو أخلاقه، يكون من أصحاب النفوس الضعيفة لتحقيق أهداف نفعية ، و من أشكاله الأتجار بالدين ، فهو أفة تصيب التدين ككسب بشرى فتقضى عليه أو تكاد ، و للإتجار أو التظاهر بالدين أشكال عديدة منها الإستغلال السياسى للدين ، و الإستغلال الإقتصادى للدين و الذى يتمثل فى جعل الغاية من النشاط الإقتصادى هو الربح و الوسيلة هى الدين .

و إستكملت فرج: و هنا يكون التدين رد فعل على أسلوب حياة سابق مناقض لقيم و قواعد الدين ، و من ثم التحول المفاجئ من النقيض عدم التدين إلى النقيض التدين الشديد و نتيجة لذلك فإنه يتسم بالغلو و التشدد الذى يلزم منه تجاوز ضوابط الدين ذاته، ما لم ينتقل من حالة رد الفعل إلى حالة الفعل المحدود بقيم و قواعد الدين.

.

و من جهته يقول الدكتور سالم عبد الجليل ،وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة إنى أرى أن المتابع لحال كثير من أبناء الأمة يجد إنفصاماً فى الشخصية الأسلامية ، فلربما تجده باكياً فى محرابه و فى الوقت نفسه ظالماًلإخواته و متعدياً على جاره ، و تلك هى الكارثة التى حلت على الأمة و لا صلاح إلا بتحقيق عقيدة تثمر خلقاً و عبادة تثمر معاملة ، ذلك لأن الدين يقوم على عناصر أربعة هى العقائد ، و الأخلاق ، و العبادات ، و المعاملات و لا يجوز الفصل بينهما على الإطلاق ، و الإ كان التدين منقوصاً ، مغشوشاً، و العقيدة لا تصح إلا إذا أنتجت أخلاقاً حسنة ، و العبادة لا تكتمل لا تكتمل إلا بالمعاملة الطيبة .

و أضاف عبد الجليل : و إن هؤلاء -المخادعون- لهم سمات و خصائص إشتركوا فيها فصارت من خواص تكوينهم ، و هذه الصفات تجعلهم يخدعون البسطاء من الناس على إعتبار إنهم ملهمون سيكفونهم فى الدنيا و يقودوهم إلى الجنة فى الاَخرة و الله أعلم بسرهم و نجواهم.

و إستطرد عبد الجليل قائلاً: و المسلم العاقل هو الذى يخلع نفسه من ثوب التظاهر و يبتعد عن الوقوف للناس بكل مرصد ينزع شهادتهم له، بل يقدر الأمور و يضعها موضعها و صدق على بن أبى طالب - كرم الله وجهه- حين أجاب سائلاً عن وصف العاقل قائلاً الذى يضع الشئ موضعه قيل فصف لنا الجاهل قال قد فعلت أى الذى لا يضع الشئ فى موضعه ، لكن فى الوقت الحالى نجد كثيراً يدعون التدين و كأن مواضع الأشياء قد تاهت منهم ، فمكان الشئ حيث مصلحته و على قدر جلب النف يكن الجهد.


و على سياق متصل يقول الشيخ محمود عاشور ، عضو مجمع البحوث الأسلامية : إنه من أكبر البغض والمقت عند الله عز وجل أن يكون الإنسان في أقواله يتظاهر بالأمور الطيبة الفاضلة بينما إذا نظرنا إلي أفعاله وجدناه علي النقيض من ذلك, وهنا أقول إنه علي من تتوالي علي ألسنتهم نصائح التدين في أمور شكلية لا تمثل شيئا من جوهر الدين ألا يتخذوا من هذه الدعوات وسيلة إلي الوصول لغرض دنيوي زائل لأن الله عز وجل لا يخفي عليه شيئا في الأرض ولا في السماء فعلينا أن نعلن إسلامنا إعلانا حقيقيا شاملا من خلال السلوك الذي يتوافق مع جوهر الدين في العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات وسائر الأمور الدنيوية .

و إستكمل عاشور : والقرآن الكريم يأمر المسلم بأن يكون ظاهرة كباطنه وأن تكون الأفعال مطابقة للأقوال وبعيده عن الرياء وحب السمعة والرغبة في الثناء, ونجد في القرآن الكريم الكثير من الشواهد التي تنهي عن ذلك منها قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون, فالله عز وجل يأمرنا بالإخلاص في عبادته إخلاصا ينفي أي مظهر من مظاهر الرياء وعلينا جميعا أن نفرق بين الأمور الشكلية وبين جوهر الدين الذي يتمثل في المعاملات والسلوك الطيب.


و من جانبنا نطالب علماء الدين و الدعاة بالتصدى لتلك الظاهرة التى أصبحت تهدد كيان المجتمع المسلم و تفقد الناس الثقة فى كل من يتصدى للدعوة الإسلامية و تفتح باباً للهجوم على الإسلام نتيجة تصرفات البعض الذين يجهلون تعاليم اللإسلام.