حسين معوض يكتب: حوار الكلمات الطائرة بين الصحفى والسفير

مقالات الرأي



هيكل يدخل على خط أزمة رئيس مجلس إدارة الأهرام أحمد السيد النجار والسفير السعودى أحمد القطان

■ هيكل اقترح على أحمد النجار ومحمد عبد الهادى رئيس تحرير الأهرام كتابة مذكرة تفصيلية بـ«الخناقة» للرئاسة
■ الأخضر الإبراهيمى يسأل عن «النجار»: من هذا.. وكيف يجلس على مقعد بهذا الحجم؟!

تسربت أخبار المعركة الكلامية بين السفير السعودى احمد القطان ورئيس مجلس إدارة الأهرام احمد السيد النجار.. تقول التسريبات أن الاثنين كانا ضيفين على السفير الجزائرى نذير العرباوى.. كانت الدعوة على شرف وزير خارجية الجزائر الاسبق ومبعوث الامم المتحدة الأخضر الإبراهيمى.. التسريبات لعبت دور البطولة فى جلسات النميمة السياسية مساء الاربعاء قبل الماضى، وفى صباح اليوم التالى تحولت التسريبات إلى أخبار مؤكدة لم ينفها أى من أطرافها، وتأكد أن ما حدث ليس مشادة لكنها مشاجرة تطايرت فيها كئوس المياه الفارغة.

غادر السفير السعودى القاهرة، وطاردته أخبار تؤكد انه غادر إلى السعودية احتجاجا على تطاول رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام فى حقه.. والحقيقة أن السفير السعودى غادر إلى لندن وليس إلى السعودية، ولم تكن للمشاجرة علاقة برحلة العمل المحددة سلفا.

قبل أن ندخل الغرفة المغلقة التى جرى بداخلها أسخن مشهد سياسى بين القاهرة والرياض نؤكد قيمة وقامة أطراف تم توريطها فيما حدث، نقصد مؤسسة الأهرام والأخضر الإبراهيمى.

لعبت «الأهرام» أدواراً تجاوزت فى بعض الفترات ما تقوم به وزارة الخارجية فى ملف العلاقات العربية، كان المقال أو التحقيق المصور يطور علاقات ويزيح سنوات من البرود فى العلاقة بين مصر وشقيقاتها.. وكانت الدولة تعرف قيمة وتأثير الأهرام وتستخدمها فى اتجاه مصالحها الدولية والإقليمية وتأمين أمنها القومى.

لا يتخيل عاقل أن تتحول الأهرام على يد أحمد السيد النجار من «وزارة خارجية بديلة» إلى «مجلس أمن» لا تمنح سوى شهادات الحرب ومبررات الهيمنة والخلاف.

كان اللقاء على شرف شخصية لها مكانتها فى عالمنا العربى وعلى المستوى الدولى.. الأخضر الإبراهيمى، صاحب مناصب سياسية مرموقة سواء وزيرا لخارجية الجزائر بين عامى 1991-1993، أو كونه مبعوثا للأمم المتحدة فى أفغانستان والعراق، عين الإبراهيمى مبعوثا مشتركا للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا عام 2012، خلفاً للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان.

بعيدا عن السجل الحافل بالمناصب والمهام فإن الأخضر الإبراهيمى جزء مهم من ذاكرة العالم العربى، فى حضرته يجب أن يصمت الصحفى الباحث عن القصة الصحفية أو السياسى الباحث فى تشابكات الأزمات وطرق الحل، أو حتى هواة النميمة السياسية أو هواة النبوءات والاستراتيجيات فى زمن تتفكك فيه دول وتتحدث عصابات دولية عن أحقيتهم فى «الخلافة الإسلامية».

نعود للمشهد الأزمة.. كانت الجلسة ضيقة للغاية فى منزل السفير الجزائرى، حسب معلوماتنا فإن أحمد السيد النجار اختص المملكة العربية السعودية بالنقد، انتقد السياسة الخارجية للمملكة، موجها حديثه للسفير السعودى، اتهمها بتقسيم سوريا واليمن، واتهمها بقمع الثورة فى البحرين.. السفير السعودى طلب من النجار أن يتحدث بلهجة خالية من الحدة، والتوقف عن توجيه الاتهامات.. هنا ثار النجار، ووجه حديثه للسفير :«انت مش هتعلمنى اتكلم ازاى»، احتد النقاش بكلمات قليلة، بعدها طارت العقول مع كئوس المياه على ترابيزة منزل السفير الجزائرى.

الأخضر الإبراهيمى لم يصدق ما شاهده، ذهب لكبير الجلسة الأستاذ محمد حسنين هيكل، سأله: من هذا الشخص؟ هيكل رد ببراءة: رئيس مجلس إدارة الأهرام، وجاءته علامات الاستغراب على وجه الإبراهيمى قبل أن ينطق الرجل: كيف يجلس مثل هذا على هذا المقعد؟ لم ينتظر الرجل إجابة من هيكل، وعاد إلى مقعده.

جاء إلى هيكل أيضا احمد النجار ورئيس تحرير الأهرام محمد عبدالهادى ليستعينا به لمواجهة الأزمة، فطالبهما هيكل بكتابة مذكرة ورفعها فورا لرئاسة الجمهورية!! وهو ما يعنى أن الأستاذ هيكل أرضى كل الأطراف التى جاءته تشكو وتطلب العون والنصيحة.

لم يطل المشهد لدقائق لكنها دقائق ثمينة فى عمر الزمان، تلخص كثيرا من الازمات فى الداخل والخارج.

احمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام تجاوز دوره كصحفى أو ممثل واحدة من اعرق الصحف فى العالم العربى، بدلا من أن يستمع للضيف الكبير، الاخضر الإبراهيمى، انخرط فى التحليل، وتجاوز التحليل إلى السب والتطاول، وهو ما لم يتحمله السفير أمام أعين شخصيات مرموقة ومؤثرة والصمت فى حضرتهم على اتهامات النجار يعنى الاعتراف بما يقول.

الأهم أن النجار لم يجرؤ على كتابة تحليلاته واتهاماته فى الأهرام التى يرأس مجلس إدارتها.. فلماذا تجرأ على السفير وعلى السعودية فى جلسة خاصة؟ وإذا كان الرجل يملك من الحكمة ما يمنعه من النيل من السياسات الخارجية لبلد صديق على صفحات الأهرام فأين ذهبت الحكمة فى لحظة المواجهة التى استدعاها بنفسه.. وكيف لم تمنعه حكمته من تحويل جلسة ضيقة إلى فجوة كبيرة فى العلاقة بين بلدين؟ جلسة ورط فيها بلاده فى موقف قد لا تحتاج اليه، وورط بلاد صديقة فى مشهد هى فى غنى عنه فى أوقات عصيبة على العالم العربى.

النتيجة أن احمد السيد النجار لا يمكن أن ندعى انه رجل حكيم، ومع هذه الحقيقة يجب أن نتساءل عن سر صمته عن السياسات الخارجية السعودية التى لا ترضيه فى جريدته، التفسير الوحيد هنا هو أن احمد السيد النجار شخصية متناقضة أو غير أمينة فى مواقفها وفى كتاباتها وانه يكتب ما لا يغضب السلطان، وهو يعرف أن الهجوم على السعودية فى الجريدة الحكومية يغضب اهل السلطة فى مصر.. وهو ما يعنى باللغة العامية أن «النجار بياكل عيش».. وليس للمسألة علاقة بالمواقف والقناعات والنضال والغيرة على البلدان العربية ولا بالأمن القومى المصرى..

فلماذا «لم يأكل النجار عيش» فى حضرة الأخضر الإبراهيمى والجمع المرموق الذى حضر اللقاء الخاص فى بيت السفير الجزائرى؟ ربما خرجت حساباته عن المعقول، ربما ظن أن التوتر الذى تناقلته بعض الوكالات عن العلاقة بين البلدين يكفيه أو يقنعه بلعب دور «القشة» التى تقصم ظهر البعير.

لم يخطئ النجار وحده.. تناوب على نفس الخطيئة هو والسفير السعودى احمد القطان، الرجل لم يتحمل أعباء الدبلوماسية، لم يتعامل مع الاستفزاز بحكمة يفترض انه أهلا لها، أيضا كان طرفا فى بداية مناوشات انتهت إلى «خناقة بلدى» لا تليق بمقامه ومكانته.

قد نقبل أو نتفهم أن ينفعل صحفى، وإن كان مسئولا عن صحيفة بحجم الاهرام، لكن من غير المقبول أو المفهوم هو تحول رجل حكيم بحجم الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى محام لخصمين، ويساهم فى تحويل خلاف بين شخصين إلى أزمة بين بلدين.

يجب ألا تدفع بلدان ثمن أخطاء وانفعالات صحفى وسفير، مهما كانت القيمة والقامة، فقد خرج بهما الانفعال من دائرة المنطق والعقل والدبلوماسة.