مى سمير تكتب: لماذا لا توِّجه داعش ضربات للولايات المتحدة الأمريكية؟

مقالات الرأي



دراسة كندية تقدم الإجابة عن السؤال الصعب وبالأدلة

■ قيادى بداعش : الأموال تتدفق علينا من أمريكا 
■ القيادة المركزية للجيش الأمريكى تتهم البيت الأبيض بالضغط عليه لفبركة تقارير تضخم من ضربات التنظيم ■ هيلارى كلينتون فتحت مخازن أسلحة القذافى الجماعات الإرهابية بأحدث الأسلحة

مع تحول فرنسا إلى الهدف الرئيسى لتنظيمات داعش، أصبح هناك سؤال ملح ألا وهو لماذا تتجاهل داعش أمريكا التى من المفترض أنها تقود التحالف الدولى ضدها؟ ولماذا لا توجه داعش ضربات للولايات المتحدة الأمريكية؟ الإجابة عن هذه النوعية من الأسئلة قد تحتاج منا إلقاء نظرة على دراسة كندية حاولت كشف هذا الخيط الخفى الذى يجمع بين هذا التنظيم الإرهابى وأمريكا.

تحت عنوان «العلاقة السرية بين واشنطن وداعش: الدليل» قدم أستاذ العلوم السياسية فى جامعة سيدنى توم اندرسون ورقة بحثية تتناول تلك العلاقة الغامضة التى تجمع بين تنظيم داعش وبين الولايات المتحدة الأمريكية. بدأت الورقة البحثية بالإشارة إلى التقارير الصحفية التى تزعم أن الطائرات الأمريكية والبريطانية كانت تقوم بنقل الأسلحة إلى تنظيم داعش فى بداية الحرب فى سوريا وهى التقارير التى تؤكد أن واشنطن هى فى حقيقة الأمر تلعب لعبة مزدوجة فى الشرق الأوسط وتدعى أنها تحارب التنظيم الإرهابى لكنها فى الكواليس تقدم له الدعم والمساندة.

المؤكد أن أغلب قادة تنظيم القاعدة كانوا بالفعل رهن الاعتقال الأمريكى. زعيم داعش إبراهيم البدرى المعروف باسم «أبو بكر البغدادى» تم احتجازه لمدة عامين فى معكسر بوكا بالعراق. فى عام 2006، قامت أمريكا بإطلاق سراحه مع العديد من الإرهابيين الذين أصبحوا فيما بعد قيادات فى تنظيم داعش، وفى نفس العام أعلن الرئيس الأمريكى السابق بوش الابن خطته للشرق الأوسط الجديد حيث يتم استخدام العنف الطائفى كجزء من عملية الفوضى الخلاقة فى المنطقة. وفقا لتحقيق صحفى لسيمور هيرش فى 2007 يحمل عنوان «إعادة التوجيه»، فإن الولايات المتحدة وضعت خطة من أجل استخدام تيارات السنة المعتدلة من أجل احتواء النفوذ الشيعى الذى سيطر على العراق فى أعقاب الغزو الأمريكى فى 2003. كان المفترض أن تقوم هذه القوى السنية المعتدلة بعمليات سرية من أجل إضعاف إيران وحزب الله الأعداء الرئيسيين لإسرائيل. وبحسب هذه الخطة طبقت الولايات المتحدة سياسة الصحوة السنية فى العراق والتى أسفرت عن الإفراج عن العديد من الارهابيين، سواء الذين ألقى القبض عليهم فى عهد صدام حسين أو فى مرحلة ما بعد الغزو الأمريكى. ولكن هؤلاء الارهابيين لم ينتظروا كثيرا بعد خروجهم من السجون إلى العودة من جديد للانضمام للتنظيمات الارهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والذى أصبح فيما بعد تنظيم داعش.

فى ظل هذه الحقائق يصبح من السهل تصديق الادعاء أن أبو بكر البغدادى هو عميل للمخابرات المركزية الأمريكية أو للموساد الإسرائيلى. هناك بالتأكيد أرضية صلبة تدعم هذا الادعاء، لكن بالتأكيد من المهم وجود أدلة مادية تؤكد مثل هذا الادعاء، إذا ما هى الأدلة التى تثبت العلاقة القوية التى تجمع بين الولايات المتحدة وداعش؟

تستعرض هذه الورقة البحثية الأدلة التى تؤكد هذه العلاقة المحرمة بين واشنطن وداعش. أولا، اعتراف المسئولين الأمريكان بمعرفة مصادر تمويل داعش وعدم التدخل لتجفيف هذه المصادر. فى سبتمبر 2014، اعترف الجنرال مارتن ديمسى قائد الجيش الأمريكى أمام لجنة استماع فى الكونجرس أن أمريكا تعلم تماما مصادر التمويل التى تدعم داعش بما فى ذلك حلفاء عرب مهمون، وتم تبرير هذا التمويل بأنه محاولة لمساعدة المعارضة من أجل إسقاط نظام بشار الأسد. الأخطر من اعترافات الجنرال ديمسى، اعتراف القيادى الداعشى فى باكستان يوسف السلفى الذى ألقى القبض عليه فى باكستان بتهمة تجنيد أعضاء لصالح تنظيم داعش فى سوريا، وأكد السلفى فى اعترافاته للسلطات الباكستانية أن الدعم المالى والعسكرى يتدفق على داعش من الولايات المتحدة.

دليل آخر يشير إلى أن الغرب لا يحاول بشكل جاد أن يميز بين المعارضة المعتدلة وبين التنظيمات الإرهابية. أمريكا قدمت التدريب والدعم العسكرى واللوجستى لما وصفتهم بالمعارضة المعتدلة على الرغم من إدراكها جيدًا أنه لا يوجد اختلاف فكرى حقيقى يفصل هذه الجماعات عن تنظيم مثل داعش هذا إلى جانب اتفاق هذه التنظيمات سواء المعتدلة أو الارهابية فى تحقيق هدف واحد ألا وهو اسقاط نظام بشار الأسد. تضيف الورقة البحثية أن التقارير الصحفية رصدت مرارا وتكررا قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم العسكرى لداعش بشكل مستتر. فى ديسمبر 2014، نشرت الصحافة الأمريكية تقريرًا عن دعم أمريكا للثوار السوريين بأسلحة ثقيلة، نفس هذه الأسلحة وصلت بطريقة غامضة إلى يد داعش والتى استخدمتها فى محاربة نظام بشار الأسد وتوسيع رقعة الأرض التى تسيطر عليها فى سوريا.

على ناحية أخرى هناك دليل آخر يأتى من قلب المخابرات المركزية الأمريكية، فى تقرير تحت عنوان (فى الغالب، البنتاجون يكذب تحت ضغط البيت الأبيض) أشار جاك مورفى الضابط الأمريكى السابق فى القوات الخاصة والذى خدم أيضا كقناص لصالح الجيش الأمريكى، أن الحرب الأمريكية على تنظيم داعش ليست بالصورة التى تظهر للعالم، مؤكد أن التقارير عن الضربات الجوية التى تشنها القوات الأمريكية ضد داعش لا تتمتع فى الكثير من الأحيان بالدقة أو بالصحة. بحسب هذا التقارير فإن البنتاجون قد فبرك تقارير بشأن الضربات العسكرية التى تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش وذلك تحت ضغط من البيت الأبيض. فى الوقت الذى تسعى فيه إدارة أوباما لإعطاء الانطباع بأنها تسعى للقضاء على داعش، تبدو الحرب الأمريكية على التنظيم وكأنها مزدوجة الأهداف. تسعى أمريكا بالفعل للقضاء على التنظيم فى العراق، أما فى سوريا فإن الوضع مختلف، وتحمل كواليس الحرب الأمريكية على داعش الكثير من التقارير التى تؤكد أن أمريكا تدعم داعش فى سوريا وتقدم للتنظيم هناك مساعدات سواء لوجستية أو عسكرية، فى المقابل يسعى البيت الأبيض لإخفاء دوره الداعم للتنظيمات الارهابية بالضغط على البنتاجون من أجل فبركة تقارير عن العمليات العسكرية التى تشنها أمريكا ضد التنظيم.

اعتراف جاك مور تحول إلى حقيقة مؤكدة عندما تقدم أكثر من 50 محلل للمعلومات الاستخباراتية بالقيادة المركزية بالجيش الأمريكى فى شهر سبتمبرالماضى بشكوى رسمية ضد إدارة البيت الأبيض واتهامها صراحة بأنها تضغط على البنتاجون من أجل فبركة التقارير المتعلقة بالحرب الأمريكية على داعش.

ومن قلب وزارة الدفاع الأمريكية ظهرت وثيقة سرية فى منتصف هذا العام كشفت عن عمق العلاقات بين البيت الأبيض وداعش. وكانت منظمة المجتمع المدنى Judicial Watch أو (المراقبة القضائية) قد كشفت تقريرا سريا لوزارة الدفاع الأمريكية، يعترف فيه البنتاجون بأن داعش هى صناعة أمريكية. نشرت المنظمة مجموعة من الوثائق التابعة لوزارة الدفاع الأميريكية حصلت عليها نتيجة دعوى قضائية رفعتها المنظمة ضد الحكومة الأمريكية. تعرض هذه الوثائق أحداث بنغازى عام 2012 .وتتضمن إحدى الوثائق معلومات مقلقة تشير إلى أن البنتاجون كان مدركا من بداية اشتعال الثورة السورية أن الجماعات المتطرفة هى من تلعب الدور الرئيسى فى المشهد، وأن نظام الأسد سيبقى وسيحتفظ بالسيطرة على مساحات من الأراضى السورية، وأن الوضع سيتحول إلى حرب بالوكالة، وأن الدول الغربية ودول الخليج وتركيا ستدعم جهود المعارضة السورية، وستتحول سوريا إلى بؤرة من الفوضى. وأضافت الوثيقة أيضا، أن البنتاجون كان مدركا أن تدهور الوضع فى سوريا سوف ينعكس بدوره على العراق وبالتالى ستكون فرصة مواتية لتنظيم داعش، والذى كان لايزال فى ذلك الوقت فرعًا لتنظيم القاعدة فى العراق، من أجل السيطرة على مواقع مثل مدينة الموصل والرمادى، وهذا ما حدث بالفعل. تكشف هذه الوثيقة أن أمريكا كانت على علم بالطبيعة الإرهابية لعدد كبير من جماعات المعارضة فى سوريا وعلى الرغم من ذلك حرصت على تقديم دعم لوجستى وعسكرى لها، وفتحت هيلارى كلينتون مخازن أسلحة القذافى من أجل مد هذه التنظيمات بأحدث الأسلحة.