عائشة نصار تكتب: الذئاب المنفردة .. الجيش البديل لـ«داعش»

مقالات الرأي

بوابة الفجر

عمليات الكرنك ولندن وكاليفورنيا و«شارلى إبدو» تكشف السلاح الجديد للتنظيم الإرهابى


ساعات قليلة فصلت بين تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأن «الولايات المتحدة الأمريكية فى مأمن من التعرض لهجوم إرهابى على غرار ما تعرضت له باريس مؤخرًا»، وأن «تنظيم داعش الإرهابى لا يمثل تهديدا لحياة الأمريكيين»، وأن «الولايات المتحدة قامت بتعزيز دفاعاتها جيدا»، وبين الصفعة الكبرى على وجه إدارته، بمذبحة إرهابية بالأسلحة النارية فى كاليفورنيا، نفذها الزوجان من أصل باكستانى تشفين مالك (27 عاما) وسيد رضوان فاروق (28 عاما)، خلال حفل خاص بمؤسسة لذوى الاحتياجات الخاصة، وأسفر عن مقتل 14 شخصا وإصابة 17 على الأقل.

وأثبتت التحقيقات أن تشفين - على الأقل- كانت قد أعلنت بيعتها «إلكترونيا» لخليفة «الدولة الإسلامية» أبوبكر البغدادى عبر حساب تابع لها باسم مزور على فيس بوك، وتم نفى أى صلة تنظيمية مباشرة للزوجين الإرهابيين بـ«داعش»، وأن العلاقة بين الطرفين لم تتجاوز ما وصفه تنظيم الدولة الإسلامية بنفسه فى إعلان مباركته للحادث عبر إذاعة «البيان» التابعة له على الإنترنت، بأن تشفين وزوجها هما «اثنان من أنصار التنظيم»، لا أعضاء فيه.

نجحت مذبحة كاليفورنيا، وبعدها بساعات حادث محطة مترو ليتونستون شرق العاصمة البريطانية لندن - حيث قام إرهابى بطعن ثلاثة أشخاص بسكين وهو يهتف هذا لأجل سوريا - فى تصدير ظاهرة «الذئاب المنفردة» التى جسد منفذو العمليتين، النموذج الحرفى لها، بصفتها «الكابوس الإرهابى الجديد».

واضطر أوباما للخروج بعد ذلك للتحذير منها بالاسم، بينما أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوشن ارنست صراحةً بأنه «أصبح من الصعب جدا منع ما بات ما يعرف بالذئاب المنفردة»، وذلك بالتزامن مع تصريحات رسمية وأمنية مماثلة بأنه رغم حالة الاستنفار الأمنى الحالى فى الدول الأوروبية ورفع حالة التأهب للدرجة القصوى، لمواجهة العمليات الإرهابية على أراضيها، إلا أن منع هذا النمط الاستثنائى من العمليات الإرهابية هو «أمر شبه مستحيل».

وتوازت تلك التصريحات الأمنية مع التهديد الذى أطلقه «داعش» عبر مقطع له من إصدارات مؤسسة «دابق» الإعلامية بثه التنظيم على يوتيوب بعنوان «الذئاب المنفردة.. جيش الدولة الإسلامية»، توعد فيه ما أطلق عليهم «عباد الصليب» بقيادة أمريكا بمواجهة حرب جديدة تنسف كل مخططاتهم وتكشف حقيقتهم وتحول بينهم وبين ما يريدونه بالدولة الإسلامية، على أن تكون رأس الحربة فيها «الذئاب المنفردة» .. جيش الدولة الإسلامية القادم.

كلها معطيات أصبحت كفيلة بأن تتحول معها تلك الظاهرة، إلى كابوس حقيقى يؤرق الآن منام المؤسسات الأمنية فى تلك الدول، ويهدد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بسلسلة من عمليات غير قابلة للمواجهة، نظرا للسمات الاستثنائية لذلك النمط من الخلايا الإرهابية، فيما أن مصر والمنطقة ليستا ببعيدتين عن ذلك الخطر.

1-خلايا عائلية

«الذئاب المنفردة » أو «الذئاب الوحيدة» أو«الجنود التائهون» أو «خلايا جيمس بوند»، بحسب التسميات التى تطلق على ذلك النمط من الإرهابيين، هى بالأساس خلايا نائمة تتكون فى بعض الأحيان من فرد واحد، ولا تتجاوز ثلاثة أفراد بأى حال من الأحوال، بينهم روابط عائلية، كزوجين كما هو الحال فى حادث كاليفورنيا أو أشقاء كما فى حالة الإخوان كواشى، مرتكبى حادث «شارلى إيبدو» وبعض العمليات بتونس، أو فى أضعف الأحوال أصدقاء يقيمون فى نفس السكن.

أفراد تلك الخلايا يستطيعون تنفيذ عملياتهم فى أماكن لا تتمكن المجموعات الكبيرة من دخولها عادة، كما لا يمكن تتبعهم أمنيا، لأنهم ليس لهم قيادة، ولا يرتبطون بأى صلات تنظيمية، وليس لهم سجل أمنى لدى الأجهزة فى الغالب، كما لا يمتلكون أى اتصالات يمكن رصدها، ولا يتم تنفيذ مخططاتهم وفقا لأوامر أو تعليمات أو خطة ثابتة، ما يجعل من الرصد الأمنى لهم مسألة شبه مستحيلة، كما يوفر ذلك لعملياتهم قدرا هائلا من المرونة بحسب المواقف والأحداث.

الذئب المنفرد هو مجرد شاب شديد الحماس تبنى أيديولوجيا متطرفة لأحد التنظيمات الإرهابية، وقرر تنفيذ مخططه الخاص لمفهوم الجهاد.

وأحيانا لا تستطيع الذئاب المنفردة تنفيذ عمليات كبرى نظرا لإمكانياتهم المحدودة فيلجأون إلى اختيار أهداف عشوائية أو صغيرة لكن موجهة وتحقق الصدى الإعلامى وإثارة الرعب المطلوبين .

2-إرهابيون محليون

من أكثر العوامل التى تزيد الرعب من ظاهرة «الذئاب المنفردة» فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، هو أنها ترفع راية «الجهاد المحلى» لإرهابيين محليين من قلب المجتمعات الغربية، لهم مظهر المواطن الأوروبى العادى فى أحيان كثيرة، وينفذون عملياتهم بدوافع وامكانيات ذاتية تماما أيضا، بقنابل ذاتية الصنع أو أسلحة خفيفة أو حتى بعمليات انتحارية باستخدام أسلحة ناسفة.

كما لا يتلقون أوامر مباشرة من الخارج، وغالبيتهم ممن يعانون من الإحباط بسبب الاضطهاد فى تلك المجتمعات، وتأثروا بالدعاية الجهادية الإلكترونية عبر مواقع داعش وغيره من التنظيمات.

عدد آخر من الذئاب المنفردة عائد من مناطق «الجهاد المسلح» فى سوريا والعراق، أو قبل ذلك من معسكرات القاعدة على الحدود الباكستانية الأفغانية، كـ«قنابل موقوتة» تنتظر الانفجار بعمليات إرهابية فى مجتمعاتهم الأصلية، أو ممن تأثروا بالخطاب المتطرف فى عدد من المساجد والمراكز الإسلامية فى الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا، والتى عادة ما تكون حاضنة مثالية للجهاديين والإرهابيين يتم كشفها بعد فوات الأوان، كما حدث فى حالتى مسجد لندن الذى كان يديره الإرهابيان الشهيران أبوحمزة وأبو قتادة، وكذلك مسجد العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، الذى أعلن رواده مبايعتهم لداعش فى 2 سبتمبر 2014.

بالإضافة إلى عدد آخر من المجرمين الصغار الذين تحولوا إلى التطرف والإرهاب داخل السجون الأوروبية نفسها خاصة فى فرنسا وبريطانيا، حيث تحولت بدورها إلى «مفرخة» للإرهابيين والمتطرفين من الجنائيين الذين يتم تجنيدهم من قبل زملائهم من السجناء الإرهابيين.

3-فى مواجهة «التحالف الدولى»

فى كل الأحوال لا يمكن فصل ظاهرة «الذئاب المنفردة» وانتشارها فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الآن عن التحول الجذرى فى استراتيجية «داعش»، وانتقاله من المرحلة الأولى التى اكتفى فيها بجذب المقاتلين الأجانب للجهاد فى مناطق نفوذه.

وانحسر خلالها فى الحيز الإقليمى له، بقتال الفصائل الشيعية كأولوية كبرى للتنظيم وكذلك مواجهة الأنظمة «الكافرة» فى المنطقة واستغلال ضعف أجهزتها الأمنية ومحاولة اختراقها والتوسع بحدود «الدولة الإسلامية» على حسابها، بالإضافة إلى مواجهة التنظيمات الجهادية المنافسة له وإذلالها وإضعاف شوكتها، ودخوله مرحلة تالية مغايرة تماما قرر فيها اضافة قتال «العدو البعيد» .. «الغرب والولايات المتحدة الأمريكية» الذى كان قد أجل مواجهتها لمرحلة تالية من الصراع طبقا لما نشره التنظيم فى العدد الثانى من مجلة دابق الناطقة باسم «خلافة أبو بكر البغدادى».

قرر داعش توجيه ضربات موجعة لدول التحالف التى أعلنت استهدافها له فى عقر دارها، باستراتيجية متعددة الأهداف تحقق له نصر إعلامى يرفع من الروح المعنوية فى صفوفه ويسمح له بتجنيد مزيد من الأتباع، كما بدأ التنظيم فى توظيف آلته الإعلامية والإلكترونية للاستراتيجية الجديدة، وأطلق أبو محمد العدنانى المتحدث باسم التنظيم الدعوة لـ«الذئاب المنفردة» و«الخلايا النائمة» من أنصاره فى أوروبا إلى استهداف «صليبيى التحالف» فى عقر دارهم.

وبلغ ذلك التحول ذروته مع «الغزوات الرمضانية» التى دعا أبومحمد العدنانى أيضا أنصار التنظيم من الذئاب المنفردة إليها بحلول ذكرى التأسيس الأولى للدولة الإسلامية وأسفرت عن ثلاث عمليات كبرى متزامنة، شملت هجوما على فندقين بمدينة سوسة التونسية وقتل 37 سائحا أجنبيا، وتفجير مسجد الإمام الصادق للشيعة فى الكويت، بالإضافة إلى عملية موازية بمدينة ليون بفرنسا.

4-كيف تصنع قنبلة فى مطبخ أمك؟

بتلك العمليات وغيرها أثبت تنظيم داعش نجاحه فى تطبيق كتالوج القاعدة فى استغلال «الذئاب المنفردة» فى تحقيق أهدافه، وهى الظاهرة التى أسس لها كل من المصرى محمد خليل الحكايمة (يرجح أنه هو نفسه أبو بكر ناجى) مؤلف كتاب «إدارة التوحش» وأطلق عليها استراتيجية «الجهاد الفردى» سنة 2007.

وأبو مصعب السورى «مهندس القاعدة الجديد» الذى دعا إلى نقل حرب القاعدة مع الغرب باستراتيجية يمثل فيها «كل مسلم جيش متكامل من رجل واحد». إضافة إلى الأب الروحى لظاهرة «الذئاب المنفردة» الأمريكى من أصل يمنى أنور العولقى، أخطر قيادات تنظيم القاعدة الذى أطلق دعوته، واعتمد مصطلح «الذئاب المنفردة» وروج لهم عبر مجلته الشهيرة «انسباير» التى نشر فيها مقاله الأخطر «كيف تصنع قنبلة فى مطبخ أمك؟».

كل ذلك فى ظل استراتيجية منهجية تهدف إلى تحويل القاعدة إلى «أيديولوجيا» واسعة تضم إليها عددا لا نهائى من الخلايا النائمة فى دول العالم، بعد انهيارها مركزيا بسبب الضربات التى تعرضت لها فى معقلها فى أفغانستان.

وتحولت أغلب العمليات التى تم تنفيذها فى العواصم والمدن الأوروبية منذ ذلك الحين، سواء ينتمى أفرادها إلى القاعدة أو داعش، إلى سلسلة من عمليات الذئاب المنفردة، وأشهرها، بالإضافة للهجوم على صحيفة «شارلى إيبدو» فى باريس، عمليتا متحف باردو بتونس الذى أسفر عن مقتل 23 و50جريحا، واستهداف السياح شاطئ القطناوى فى سوسة الذى أسفر عن 38 قتيلا و36 جريحا عام 2015، وتفجير ماراثون مدينة بوسطن الأمريكية، وقيام مايكل زحاف بيبو بقتل جندى وإطلاق النار داخل البرلمان الكندى عام 2014.

إضافة إلى عملية القتل الجماعى التى نفذها الفرنسى من أصل جزائرى محمد مراح (20عاما) لجنود فرنسيين وأطفال يهود فى تولوز ومونتوبان جنوب فرنسا عام 2012، وقيام إرهابى بقتل عسكريين فى مطار فرانكفورت بألمانيا وكذلك إقدام النرويجى انريه بريفيك على إطلاق النار على العشرات فى 2011، ومحاولة فيصل شاه زاد الباكستانى الفاشلة لتفجير سيارة مفخخة فى ساحة «تايمز سكوير» فى نيويورك عام ٢٠١٠، وقيام الرائد فى الجيش الأمريكى نضال حسن بفتح النار فى قاعدة فورت هود العسكرية على زملائه وقتل 13 شخصاً عام ٢٠٠٩، ومحاولة عمر الفاروق النيجيرى بتفجير الطائرة الأمريكية المتجهة إلى أمستردام فى نفس العام. وبلغت ذروة ظاهرة أعداد «الخلايا النائمة» و«الذئاب المنفردة» التى تنتمى إلى داعش فى مصر أيضا فى أعقاب 30 يونيو، وفقا لما كشفت عنه التحقيقات فى عدد من القضايا من انتشار خلايا «الذئاب المنفردة» التى تنتمى لأفكار داعش فى المحافظات، كداعش طنطا وداعش الهرم وفيصل «داهف»، كما ثبت من التحقيقات مع متهم فى محاولة تفجير معبدالكرنك، عن وجود خلية لداعش فى بنى سويف لها أمير وإلى جوارها عدد كبير من الخلايا النائمة تنشط وقت اللزوم.