عادل حمودة يكتب: بالدستور.. إجبار النواب على ترك مناصبهم النقابية والحكومية والجامعية والرياضية والخاصة والتفرغ للعضوية

مقالات الرأي



■ جابر نصار: لجنة الخمسين ألغت استثناءات عدم التفرغ واعتبرت العضوية مثل الخدمة العسكرية ليس لها شريك

■ الشئون القانونية فى مجلس الوزراء تؤكد التفرغ وترفض استمرار أمين مجلس الإعاقة فى منصبه لو قرر الترشح للبرلمان

كانت شروط دخول مجلس الشعب سهلة.. أن يفك النائب الخط.. ويشتهر بالموافقة.. ويجيد التصفيق.. ولا يتردد فى الموافقة.. بجانب تمتعه بهواية جمع توقيعات الوزراء على الطلبات مقابل عمولات.

جاءت هذه المواصفات النادرة بنواب القروض.. ونواب النقوط.. ونواب البلطجة.. ونواب المخدرات.. وكلهم لم يفرقوا بين الحصانة والطفاشة.

ولو كان بعضهم تهرب من التجنيد فأغلبهم تهرب من تقديم إقرارات الذمة المالية التى فرضها عليهم القانون فور تخطيهم عتبة البرلمان وقبل مغادرتها.

ولم يكن من الصعب اكتشاف أن تحت القبة شيخا.. سره باتع.. يحمى لصوص المال العام من المحاسبة.. ويفتح كنوز نهب مصر على مصراعيها دون حسيب أو رقيب.

واختلطت السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية.. فلم يكن محظورا أن يكون الوزير نائبا.. يشرع ما ينفذ.. وربما استجوب نفسه بنفسه.. ليخرج منتصرا على حصان من خشب.

وعلى خلاف الدستور كان النائب يبيع لمؤسسات الدولة ويشترى منها ويقايضها ويورد لها ويتعاقد معها ولم يكن تعارض المصالح باطلا إلا على ورق تواليت.

مثلا فاز طلعت مصطفى وهو رئيس لجنة الإسكان والمرافق بمناقصة عامة فى مترو الأنفاق وأعلن ذلك بنفسه فى الصحف دون أن يهتز أحد أمام ذلك التجاوز الصارخ.

ولو كان مجلس النواب المنتخب مؤخرا قد جاء على غير ما نأمل فإنه بممارسة جادة ومحترفة من بعض أعضائه يمكن أن يؤسس حياة برلمانية مختلفة تحترم النص وتفرض العرف وتغير الصورة القبيحة التى سادت.

وسبق قيام المجلس إقرار دستور جديد يتضمن مواد انقلابية.. تخنق الفساد.. وتحاصره.. وربما تجهز عليه.. خاصة أن حجمه وصل حسب تقدير رئيس جهاز المحاسبات إلى 660 مليار جنيه.. لكن.. السؤال الصعب: هل يلتزم النواب بتلك المواد أم أن ترزية تفسير القوانين سيسهلون الغواية؟

إن النائب حسب المادة 109 يتعين عليه تقديم إقرار ذمة مالية عند شغل العضوية وعند تركها.. وفى نهاية كل عام.. والنص بمثابة مازورة سنوية لقياس نمو الكروش الحرام.. تتابع تضخمها قبل أن تصبح ورما سرطانيا.. ولابد أن تكون الأجهزة الرقابية جاهزة للمتابعة والمحاسبة.

وحسب المادة نفسها.. تؤول الهدية النقدية والعينية التى يتلقاها النائب إلى الخزانة العامة.. وفيما قبل بدأت الهدايا بملابس مستوردة.. وكبرت القيمة لتصل إلى السيارات والفيللات والمجوهرات.. وتجاوزت حد الجرأة بالمشاركة فى الشركات والصفقات.

وتكرر المادة ذاتها عدم شرعية تعامل النائب مع الشركات الحكومية والعامة بيعا أو شراء أو تأجيرا.. وإلا أصبح التعاقد باطلا.

والأهم.. المادة «103» التى تنص على أن يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية ويحتفظ بوظيفته أو عمله وفقا للقانون.. لتكون العضوية نوعا من الرهبنة.. أو نوعا من الخدمة العسكرية الإلزامية.. لا يجوز الجمع بينها وبين وظيفة أخرى.. خاصة أن مجلس النواب تنتظره مهام ثقيلة لا يجب التزويغ منها.. وكأننا فى مدرسة المشاغبين.

لقد وافقت لجنة الخمسين على هذه المادة بعد ساعات من النقاش بأغلبية 45 صوتا.. لكن.. الجدل أثير بعد إقرارها.. هل يقتصر التفرغ على موظفى الحكومة والهيئات العامة فقط؟ أم تمتد إلى كل أعضاء مجلس النواب بلا استثناء؟

حسب تفسير سمعته من الدكتور شوقى السيد فإن المادة تقتصر على موظفى مؤسسات وهيئات الدولة وحدهم.. دون سواهم.. ويدلل على ذلك بالمادة «31» من قانون مجلس النواب التى تقضى بتفرغ النائب لو كان موظفا عاما على أن يحتفظ له بوظيفته أو عمله وعلى أن تحسب مدة عضويته فى الترقى والمعاش بجانب تقاضيه لراتبه والبدلات دون أن تقرر له ميزة خاصة أخرى.

لكن.. هذا التفسير يحتاج إلى مراجعة.. فالمادة تنص على أن يتفرغ عضو مجلس النواب.. أى لا مفر من التفرغ.. ولا استثناء فيه.. أما الاحتفاظ بوظيفته أو عمله فأمر ينظمه القانون.. أى أن القانون هنا يقتصر على إجراءات الاحتفاظ بالوظيفة أو العمل ولا يتجاوز هذه الحدود.

والتفسير الأخير للدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستورى وعضو لجنة الخمسين التى وضعت الدستور.. وما سمعت منه فى تصورى أدق.

وقد أضاف: أردنا بالنص الواضح على التفرغ أن نمنع استغلال النفوذ.. ونخنق فرص إفساد النائب.. ونحميه من ضغوط الوظيفة العامة أو الخاصة كى لا يفكر إلا فى مصلحة البلاد.. بجانب تقييد فرص استجابته للإغواء والانحراف.

واستطرد: كنا لا نريد تكرار ما سبق.. حين كانت العضوية غنيمة.. لذلك نفخنا فى الزبادى بعد أن لسعتنا الشوربة.

فيما سبق.. كانت مادة تفرغ النائب فى الدساتير مائعة.. غير حاسمة.. تنص على: فيما عدا الحالات الاستثنائية التى يحددها القانون يتفرغ العضو لمهام العضوية ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقا للقانون.. ويحدد القانون الحالات التى لا يجوز فيها الجمع بين عضوية المجلس وأى عمل آخر.

قراءة النص تكشف بسهولة وجود حالات استثنائية يحددها القانون لعدم التفرغ للعضوية.. ولاشك أن وضع الاستثناءات فى نص يعنى أن يصبح نصا مرقعا.. يستفيد منه أصحاب المصالح.. وقد ألغى ذلك الجزء من النص فى الدستور الأخير.. ليكون التفرغ إجباريا.. بلا استثناءات.. وإن أبقى النص على جزء الاحتفاظ بالوظيفة أو العمل طبقا للقانون.

وحسب ما سمعت من الدكتور محمد أبو شقة فإن المقارنة والمغايرة فى ألفاظ النصوص تؤدى إلى المغايرة فى المعانى.

وقد أضاف: هناك من قصر التفرغ الذى ينص عليه الدستور بأنه قاصر على موظفى الجهاز الإدارى للدولة.. وهناك من يرى أن التفرغ حق للنائب يجوز استعماله أو التنازل عنه.. لكن.. بصورة عامة سيثير النص إشكالية حادة يصعب تجاوزها وإن كنت أميل إلى الرأى الذى يلزم جميع النواب بالتفرغ.. وربما كانت الكلمة النهائية لمجلس النواب نفسه.

وما يحسم الجدل الرجوع إلى مناقشات لجنة الخمسين حول المادة لتحديد نية أعضائها قبل إقرارها.. وتفضل الدكتور جابر نصار بإرسال نسخة منها على أسطوانة مدمجة «سى دى».. وبدا واضحا فيها أن الشباب من أعضائها «محمد عبد العزيز ومحمود بدر وأحمد عيد ومحمد بدران» مصرة على أن تكون كلمة تفرغ فى المادة كلمة مطلقة.. خالية من عيوب الاستثناءات.. وكان التبرير السائد: إن النائب لابد أن يضحى إذا أراد أن يصبح مشرعا.. وأكثر من ذلك لابد أن يكون متجردا ولو ظلم نفسه بنفسه.. ومن يرشح نفسه يجب أن يقبل ذلك.

باختصار.. أجمعت اللجنة على أنه لا مفر أمام النائب من ترك كل ما يشغله مهما كان ليضع نفسه تحت مسئولية المجلس تشريعا واستجوابا مهما كانت المغريات والمسئوليات الأخرى.

وخارج مناقشات اللجنة اهتمت الأوساط القانونية والسياسية والحزبية بتلك المادة وفهمت مادة التفرغ فهما مستقيما بعيدا عن الحول التشريعى.

ينسب للمستشار بهاء الدين أبو شقة: إن الدستور بمادتى 103 و109 يلزم النائب بالتفرغ لعمله البرلمانى ويحظر عليه التعامل مع الدولة منعا للتربح.. وتفعيل المادتين يضمن السيطرة على النائب ويمنعه من ممارسة أعمال الفساد وتضخيم الثروة وفى حالة تزوير المستندات المقدمة منه يتعرض لجزاء جنائى بجانب تطبيق قانون الكسب غير المشروع عليه.

ويستطرد: النصوص تعيد هيبة الدولة وتطبق على الجميع دون تحيز لأنها تحقق الانضباط فى المجتمع وإلا أصبحت الدساتير والقوانين حبرا على ورق وتسود الفوضى وينسب لرئيس حزب الجيل ناجى الشهابى: إن النص واضح أن يتفرغ عضو مجلس النواب لممارسة مهام العضوية دون أن يشغله عمل آخر سواء فى الحكومة أو القطاع العام أو الجامعات أو الإدارة المحلية أو النقابات المهنية والعمالية أو الاتحادات الرياضية.

وحدث أن طلبت الدكتورة هبة هجرس أمين عام المجلس القومى لشئون الإعاقة من غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى إجازة قبل ترشحها لمجلس النواب فأحالت الوزيرة الطلب إلى الشئون القانونية فى مجلس الوزراء الذى أفتى بأن النائب يجب أن يكون متفرغا بحكم الدستور وأن على الدكتور هبة هجرس أن تتقدم باستقالتها إذا ما رغبت فى الترشح لأنها مختارة للمنصب وليست موظفة فيه.

يفهم من ذلك كله.. أن التفرغ لا مفر منه ولو كان النائب رجل أعمال أو يعمل فى القطاع الخاص.. وأن عليه أن يختار بين عمله وعضويته إذا ما تعارضا معا.

ولو تحايلنا على النص وتلاعبنا بالدستور فإن الفوضى الضاربة فى كل مؤسسات الدولة ستمتد إلى السلطة التشريعية وتصيبها بالسرطان لتموت فور ولادتها قيصرية.