عبد الحفيظ سعد يكتب: يناير ثورة لن تَمُتْ.. نهاية أسطورة الإخوان وتفتيت التنظيم الدولى

مقالات الرأي



■ 25 يناير نجحت فى خمس سنوات فى وضع نهاية للجماعة وكسرت تاريخ 85 عاماً 
■ التنظيم خرج من الجحور ويصل للحكم ليضيع مع الثورة المكملة فى 30 يونيو


جاءت أبرز نتائج ثورة 25 يناير بعد مرور خمس سنوات، إنهاء أسطورة جماعة الإخوان والتى لم يتمكن أى نظام أو قوى على ما يقرب من 85 عاماً، أن تنهى تغول هذا السرطان الذى ضرب المجتمع المصرى وتمدد لبلدان عربية وإسلامية أخرى، لدرجة وصلت للعب دور وتأثير أكبر من النظم التى تحكم، حتى جاء الحدث الجلل «25يناير» الذى فتح للإخوان الطريق للحكم فكان السقوط سريعاً فى 30 يونيو.. بعد أن كشفت الثورة عن الوجه القبيح للتنظيم وجعله يخرج من الجحور، وتحوله لاستخدام العنف والإرهاب ليعود للملاحقة والمطاردة بعد أن ضربته الثورة الشعبية.

توهمت جماعة الإخوان قبل 25 يناير 2011، أنها التنظيم السياسى والعقائدى الذى لا يقهر، عاشت على مدار ما يقرب من 85 عاماً، تعرضت فيه لضربات أمنية وارتكبت أخطاء سياسية ووطنية كانت كفيلة بأن تعصف بها من جذورها، سواء بعد مقتل مؤسسها حسن البنا، وصدامها التاريخى مع جمال عبد الناصر، رغم تعرضها للحل والمطاردة، ورغم هذا لم تقتل الإخوان شعبياً، بعد أن اعتمدت على خطاب المظلومية.

بعدها عاد الإخوان للحياة السياسية بعد صفقة مع أنور السادات والتى مهدت الطريق أن يؤدى الإخوان مع نظام حسنى مبارك على مدار 30 عاماً لعبة القط والفأر.. فى صورة المواجهات والمطاردات الصغيرة، حافظ الإخوان فيها على الدور المرسوم لهم فى لعب دور المعارضة المستأنسة التى لا تتجاوز الخطوط الحمراء.

واستغلت الإخوان على مدار عقود حكم مبارك، خلو الساحة السياسية من الأحزاب المدنية فى العمل على تمدد للتنظيم بعد أن خلق لنفسه حضناً شعبيا عن طريق الجمعيات الأهلية والنقابات المهنية، والتى بدأت سيطرة الإخوان عليها مع بداية التسعينيات فى القرن الماضى، مما أعطاها الفرصة أن تتغلغل فى مؤسسات المجتمع المصرى وحصد جماهيرية ونفوذ شعبى، بات من الصعب القضاء عليها أو زحزحتها من مكانتها التى جعلتها تشارك الحزب الوطنى فى الحكم بشكل مستتر.

لذلك قبل وقوع ثورة 25 يناير بأيام، تردد الإخوان فى المشاركة فى المظاهرات، وهو ما دل عليه البيان الصادر عن مكتب الإرشاد فى 23 يناير، والذى سعى فيه التنظيم أن يمسك العصا من المنتصف، عندما حث نظام مبارك للتفاوض على المطالب الشعبية ومحاولة امتصاص الغضب الشعبى قبل ثورة 25 يناير، كما أن الإخوان رفضوا المشاركة المباشرة فى المظاهرات، وهو ما كشف عنه النائب البرلمانى علاء عبد المنعم قبل المظاهرات بيومين ونشره عقب الثورة فى مقاله بصحيفة «المصرى اليوم» فى 13 نوفمبر، وتحدث عن الاجتماع الذى شارك فيه مع البرلمانيين حمدين صباحى وسعد عبود والراحل أبوالعز الحريرى وممثلين عن حركة كفاية وهم جورج إسحاق وعبدالحليم قنديل، بالإضافة إلى محمد البلتاجى ممثلا عن الإخوان، لتنسيق العمل خلال 25 يناير.

وطبقا لما كشف عنه علاء عبد المنعم، كانت مشاركة الإخوان فى الثورة على مضض، بل ربط الإخوان أنهم سيشاركون بعدد مماثل للقوى الشعبية الأخرى، ولن يخاطروا بمفردهم فى الحدث، وهو ما يؤكد أن الإخوان لم يسعوا للثورة، بل وجدوها فرصة للوصول للسلطة.

وعندما نجحت الثورة فى الإطاحة بحسنى مبارك، ادعى الإخوان أنهم مفجروها، وتوهموا أنهم أصحاب الفضل فيها، وسعوا من اليوم الأول إلى ركوبها والعمل على استغلالها بهدف الوصول للحكم. وظهر حقيقة توجه الإخوان فى استفتاء 19 مارس 2011، والذى عدّل بعض المواد فى دستور 71 والتى كانت السبب فى اعوجاج مسار الثورة، ومهدت الطريق لاختطاف الإخوان لها، بعد تحالفهم مع المجلس العسكرى باعتبارهم القوة الوحيدة المنظمة من أيام حكم مبارك وفتح لهم الطريق للسيطرة على البرلمان، بعد أن تصدوا للثوار بعد أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء حتى يسيطروا على البرلمان بمفردهم، وهو ما أغراهم بعد ذلك للحصول على منصب الرئيس.

وتوهم الإخوان بعد ذلك أنهم احتكروا الثورة بمفردهم، وسعوا أن يسيطروا على البلاد وظهر ذلك بعد الإعلان الدستورى لمحمد مرسى.. لكنهم لم يدركوا أن روح ثورة يناير التى كسرت أنف مبارك وأسقطته عن عرشه مازالت باقية ولم تمت. وظهرت حركة الاحتجاجات والتمرد على الإخوان ووصلت لحد ثورة 30 يونيو التى لم تطح فقط بالإخوان من الحكم، بل أنهت التنظيم شعبياً، وتفوقت على كل النظم المتعاقبة التى فشلت فى كسر الإخوان.

ومثلما كانت ثورة يناير الطريق التى فتحت للإخوان الوصول السريع للحكم، تمكنت الثورة عبر موجتها الثانية فى 30 يونيو التى استلهمت من يناير روحها، إنهاء أسطورة الإخوان، كتنظيم لا يقهر، لتقتلعه من الحكم عبر ثورة شعبية، وهو المأزق الذى يعانى منه الإخوان الآن، لأن سقوطهم فى 30 يونيو، ليس بقرار أمنى أو مواجهة سياسية مع نظام، بل سقوط شعبى وسياسى.

ولذلك لم يحسن الإخوان هذه المرة أن يلعبوا بورقة «المظلومية» مثلما كانوا يفعلون فى السابق، خاصة أن المواجهة كانت هذه المرة مع الثورة والجماهير.. ومن هنا بدأ يتعرض التنظيم لضربة قوية، وهو ما دفعه لأن يلجأ للعنف والإرهاب.

وحدث للإخوان ما لم يتعرض له على مدار تاريخهم أن معركتهم هذه المرة ليست مع النظم بل مع الشعب، لذلك لم تفلح معه هذه المرة الألاعيب الإخوانية القديمة فى خطاب المظلومية بعد أن انكشفوا على حقيقتهم خلال عام واحد فى الحكم.

ونتيجة الرفض الشعبى الذى لحق بالإخوان وفشل محاولتهم فى استخدام العنف والإرهاب والذى تجاوز عملية استهداف أفراد الجيش والشرطة لمحاولته تعطيل مصالح الشعب، بعد تورطهم فى عمليات تفجير محولات ومحطات الكهرباء ومواسير مياه الشرب وقطع الطرق بهدف إحداث إرهاب على أمل عودتهم مرة أخرى للمشهد، لكن محاولتهم فشلت، ليس فقط بسبب عدم رغبة من النظام القائم، بل لوجود إرادة شعبية ترفض ذلك، لدرجة أن الإخوان اضطروا أن ينقلوا أنشطتهم للخارج بعد أن فشلت محاولتهم للحشد فى الداخل.

لذلك كانت الضربة قوية للإخوان، وهو ما تسبب فى حدوث انقسامات وتصدع فى التنظيم الآن، وتشتت بين مجموعات متناثرة، إحداها يدعو إلى العنف وأخرى تطلب التهدئة وتبحث عن كبش فداء تحمّله المسئولية عما حدث، بعد أن فشل خطاب المظلومية لإراقتهم الدماء بعد حشدهم فى رابعة والنهضة.

وبعد انقسام التنظيم لمجموعات بين إخوان تركيا ومجموعات قطر، والإخوان الهاربين فى الداخل أو فى داخل السجون، مما جعلهم يفتحون لأنفسهم الملفات المسكوت عنها بعد أن فقدوا مصادر قوة التنظيم، وشاع الحديث بينهم عن الأموال المنهوبة من قبل الأمين العام للتنظيم محمود حسين، واتهامات بقيام قيادات بالإبلاغ عن قيادات أخرى وتسليمها للأمن كما حدث مع محمود غزلان ويحيى وهدان.

ولم تقف نيران الثورة عند تنظيم الإخوان فى مصر، بل امتدت للتنظيم الدولى بعد أن غابت عنه قيادات وهو ما دعا الإخوان أن يقوم بتعيين يحيى حامد منسقاً للعلاقات الدولية بالتنظيم الدولى بدلا من يوسف ندا، ومحاولة إزاحة إبراهيم منير أمين التنظيم الدولى، ليؤكد أن الثورة كشفت الإخوان ليس فى الداخل فقط، بل فى التنظيم العالمى وهو ما ظهر فى انقسام إخوان الأردن، وسبقها الضربة التى تعرضت لها حركة «النهضة» فى تونس وفقدانها الأغلبية، وهو ما حدث فى الإخوان فى ليبيا واليمن.

ويؤكد كل ذلك أن ثورة 25 يناير حطمت قلاع الإخوان، بعد أن ضربت مبارك، ونظامه المترهل.. ولن تموت حتى تحقق أهدافها فى العيش والحرية والعدالة، ولن يكسرها تنظيم أو فساد نظام، لأنها ثورة شعبية، لن تفلح محاولة طمسها، مهما حاول المتربصون، وعليهم أن ينظروا ويعتبروا لما حدث لغول تنظيم الإخوان الذى دهسته 25 يناير وتوابعها.