حسين معوض يكتب: صراع فى ميناء الإسكندرية

مقالات الرأي



شركة حكومية أرباحها مليار جنيه سنويا تقترب من الإفلاس.. وإنقاذها يعرض هيئة الميناء لمخاطر التحكيم الدولى

■ ننفرد بنسخة عقد منح شركة الإخوانى أحمد عبدالعظيم لقمة نصف أراضى ميناء الإسكندرية.. وتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن مخالفات التعاقد فى زمن عاطف عبيد

■ محاولات حكومية للخروج من ورطة رهن مستقبل الأرصفة وموانئ الشحن والتفريغ لرغبات شركة «لقمة»

هذه حرب يخوضها عمال ميناء الإسكندرية.. الميناء تمر من خلاله 85% من تجارة مصر الخارجية استيرادا وتصديرا، 56% من تلك البضائع تعبر للداخل أو للخارج من خلال شركة وطنية هى شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع وهى إحدى الشركات التابعة للقابضة للنقل البرى والبحرى "قطاع أعمال".. وتحقق الشركة أرباحا سنوية تصل إلى 860 مليون جنيه.. معركة العمال هنا ليست لتقاضى مرتباتهم أو زيادة تلك الرواتب أو بحثا عن مكاسب شخصية.. المعركة على ضمان استمرار الشركة فى تحقيق الأرباح وعدم انجرافها إلى دوامة الخسائر التى تلاحق شركات الحكومة فى كل القطاعات..

يقاتل العمال حتى تحصل الشركة على رصيف 100 أهم رصيف بحرى ينتظر إنشاؤه فى مصر.. رصيف طوله وعمقه يمثلان شريان حياة للتجارة الخارجية المصرية، رصيف يسمح للأجيال السادس والسابع من السفن العملاقة بالدخول إلى الميناء والخروج منه لتضع بضائعها المستوردة أو تصدر المنتجات المصرية، عمق جميع الأرصفة العاملة الآن فى الميناء لا يزيد على 14 مترا، والأجيال الجديدة من السفن تحتاج عمق 18 مترا.

تم تداول مليون و28 ألف حاوية بضائع من خلال الشركة عام 2015 بحجم أعمال مليار و261 مليون جنيه، انتهت بأرباح صافية 860 مليون جنيه وأعمال الشركة هنا لا تمثل قيمة البضائع، ولكنها مقابل التفريغ والشحن فقط.

المعركة بوصف أدق هى معركة حياة أو موت شركة حكومية تربح مليار جنيه سنويا، اللحظة التى نتحدث فيها الآن لحظة حرجة يمكن فيها إنقاذ الشركة وضمان استمرارها رابحة، تجاوز تلك اللحظة وترك الشركة لتواجه مصير شركات حكومية أخرى بمثابة انتحار برعاية حكومية، حدث فى ميناءى دمياط وبورسعيد أن انهارت الشركات الحكومية بمجرد دخول شركة قناة السويس لتداول الحاويات "ميرفك" العالمية، وليس للأمر علاقة بجودة المنتج أو الخدمة، له علاقة فقط بعمق غاطس الأرصفة الجديدة التى منحتها الشركة لميرفك وسوف تمنحها للشركة التى تفوز برصيف 100، غاطس الرصيف أكبر من 17 مترا وبالتالى تنسحب كل خطوط الملاحة العالمية إلى الرصيف الجديد، والمسألة ليست لها علاقة هنا بالتوقعات أو التنبؤات ولكنها حقائق رأيناها كما قلت فى موانئ مصرية أخرى كان انهيار الشركات الحكومية فيها أسرع من تصورات المسئولين الذين وقعوا على تخصيص تلك الأرصفة.

1- معركة على الرصيف

تتنافس الشركة الوطنية "الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع" مع شركة خاصة "إسكندرية لمحطات الحاويات الدولية هاتشيسون" التى مثلها فى توقيع العقد مع حكومة عاطف عبيد رجل الأعمال الإخوانى أحمد عبدالعظيم لقمة.. لا تنافسهما شركة أخرى، وباقى الشركات العاملة فى الميناء تمارس أنشطة أخرى.. دخلت "هاتشيستون" المنافسة بعقد من عاطف عبيد فى 12 مارس 2005 ، وكل شركة تمتلك ثلاثة أرصفة، اثنين فى ميناء الإسكندرية ورصيف لكل منهما فى ميناء الدخيلة.

تتنافس الشركتان على رصيف 100 منذ ثلاث سنوات، مر على المعركة ثلاثة وزراء نقل إبراهيم الدميرى وهانى ضاحى والآن سعد الجيوشى، وفشل الطرفان فى الفوز بالرصيف، احدهما يدعمه عقد فصلته حكومة عاطف عبيد للمستثمر والخروج على بنود هذا العقد يعرضنا لمخاطر التحكيم الدولى، والشركة الحكومية تدعمها طبيعة الرصيف وكونه استراتيجيا تطول أهميته اجمالى تجارة مصر الخارجية وموقعه من تمركز قوات البحرية ودوره فى القضاء على شركة حكومية تربح ما يقرب من المليار جنيه سنويا.. ويحتاج الرصيف لـ 5 سنوات لبنائه ودخول الخدمة بتكلفة تقترب من 4 مليارات جنيه.. عقد الشركة "هاتشيسون" كان مجالا لمعركة قضائية حكم فيها مرة بإلغاء العقد وحكم مرة أخرى بوقف حكم الإلغاء.

نشير هنا إلى معضلة صغيرة فى المعركة التى تدور داخل الميناء.. الذى وقع عقد شركة هاتشيستون عام 2005 بصفته رئيس هيئة الميناء وقتها هو محمد أحمد إبراهيم يوسف والذى يشغل حاليا منصب رئيس الشركة القابضة للنقل البرى والبحرى إحدى شركات قطاع العمال والتى تمتلك شركة إسكندرية لتداول الحاويات.

فى شهر مايو الماضى دخلت الشركة الحكومية "إسكندرية للحاويات" بالتحالف مع هيئة موانئ دبى مزايدة هيئة ميناء الإسكندرية للفوز برصيف 100 بالطبع فى مواجهة المنافس الرئيسى لها فى الميناء «شركة هاتشيستون"..

2- الخروج من الورطة

اللجنة النقابية للعاملين بالشركة رفعت مذكرة يوم الاثنين 11 يناير إلى وكيل وزارة النقل أشارت فيها إلى لقاء أعضاء اللجنة بممثلى الوزارة فى 4 يناير بمبنى الوزارة، وقالت المذكرة إن اللجنة النقابية لديها تصورات لحل القضية وإنشاء الرصيف بدون تدمير الشركة "الإسكندرية لتداول الحاويات" وبدون مخاطر لجوء الشركة الخاصة هاتشيستون للتحكيم الدولى بناء على عقد إنشاء الشركة الذى لا يبرره عقل ولا منطق ولا قانون ولا مصلحة فى أى دولة من دول العالم..

المقترح الأول هو نقل تبعية شركات النقل البحرى من قطاع الأعمال العام التابع لوزارة الاستثمار إلى وزارة النقل، مثلما حدث فى ضم الشركة القابضة للصناعات الغذائية إلى وزارة التموين، وبالتالى ستكون شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع إحدى الشركات التابعة لوزارة النقل وفى هذه الحالة يحق لوزارة النقل أن تنشئ وتدير الرصيف 100 دون الطرح للهروب من العقد الفاسد "كما تصفه مذكرة اللجنة النقابية"، وهو العقد الذى تم بين هيئة ميناء الإسكندرية والشركة الخاصة "إسكندرية لمحطات الحاويات الدولية هاتشيستون" وهو العقد الذى يمنع الشركة الوطنية من الحصول على الرصيف.

الاقتراح الثانى هو عمل شراكة بين القوات المسلحة وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع لبناء الرصيف، والحل الثالث هو أن تقوم هيئة الميناء نفسها بإنشاء الرصيف وتقوم الشركة الحكومية بإدارته لحسابها.

3- انفراد .. عقد الشركة

حصلنا على صورة ضوئية من عقد الشركة، وهو عقد تم تفصيله بطريقة يصعب تقبلها أو استيعابها.. بخلاف الجدل التقليدى فى عقود تلك الفترة مع الشركات الخاصة والأجنبية والخاص بالمزايا المالية التى كانت توزعها حكومة عاطف عبيد لأسباب لا نعرفها، هناك أزمة أكبر فى هذا العقد قد ندفع ثمنها غاليا لو لم نتعقل فى التعامل مع هذا الملف، قد ندفع نفس الثمن الذى دفعناه فى عقد شركة شرق المتوسط التى كانت تصدر الغاز إلى إسرائيل وتم فسخ العقد بطريقة مريبة دفعنا ثمنها ما يقرب من مليارى دولار فى حكم تحكيم دولى..

لن أقف الآن عند المزايا المالية ومنها قيمة الإيجار السنوى لكل متر حصلت عليه الشركة بالمخالفة للقرارات والقوانين واللوائح السابقة لوزير النقل التى تحدد سعر الإيجار، وبالمناسبة تلك الملاحظات مرصودة فى تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات لدينا أيضا نسخة منه، رصد التقرير المخالفات المالية وبنود الإذعان فى العقد بالتفصيل.

لكن أقف هنا عند بند فى العقد يصادر على مستقبل أهم ميناء فى مصر، ميناء يدير 85% من تجارة مصر الخارجية.. البند 13 / 1 " 13 على واحد" وينص هذا البند على الآتى: "توافق الهيئة وتقر بأن يكون للشركة حق الأولوية فى تنمية وتشغيل الرصيف 100 بميناء الدخيلة والساحات المخصصة له قبل أو بحلول نهاية عام 2011 ، وبالنظر لضخامة المبالغ التى يزمع الشركاء بالشركة استثمارها فى هذا المشروع فسوف تمتنع الهيئة عن أن تمنح للغير أية أرصفة جديدة أو قائمة لاستخدامها كمحطات حاويات وذلك إلى أن يتم إنشاء الرصيف 100.

لم يتوقف كرم حكومة عاطف عبيد عند هذا المستوى من الركوع أمام شركة أو شركاء لا نعرف مدى قوتهم فى هذا التوقيت.. فقد تبرعت الحكومة بمنح الشركة بندا آخر يحمل رقم 13 / 2 "13 على 2" ويقول: "إذا جدت الحاجة مستقبلا فى مصر لطاقات إضافية لتداول الحاويات "بعد إتمام إنشاء الرصيف 100" فسوف يكون للشركة الأولوية فى إنشاء وتنمية وتشغيل وتولى هذا المشروع وفقا للشروط والأوضاع التى يتفق عليها الطرفان».

الآن لا نملك حق إنشاء رصيف حاويات فى مصر قبل عرضه على تلك الشركة.. وهو بند غريب لا طاقة لنا فى تفسيره.

4- شائعات مغرضة

يقول العالمون ببواطن المؤامرات أن أحمد عبدالعظيم لقمة هو الصديق المقرب من جمال مبارك وصديقهما المشترك رجل الأعمال عمر طنطاوى.. ويذهب البعض إلى أن جمال وعمر ولقمة شركاء فى الشركة التى حصلت على العقد المعجزة فى ميناء الإسكندرية، ويتندر العمال هناك بتسميتها الشركة الصينية.. لكن هيكل المساهمين لا يقول ما تقوله الشائعات.. ولكن سر نفوذ الشركة مازال يمثل لغزا كبيرا.. اللغز الأكبر هو كيف منحت حكومة عاطف عبيد عقدا بهذه المزايا لشركة رئيس مجلس إدارتها واحد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين؟.. وهذه ليست الصفقة الغامضة الوحيدة فى تاريخ رجل الأعمال أحمد عبدالعظيم لقمة له أيضا صفقات مع وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان.. وتحولت إلى قضية شهيرة "المواسير الاسبيستيوس"..

5- التهديد بالتحكيم الدولى

واحد من أهم المسئولين المطلعين على هذا الملف والمشاركين فى إدارته قال لنا إن الحكومة اتخذت مواقف وطنية عندما أعلنت الغاء مزايدة تخصيص الميناء فى شهر مايو الماضى، وقتها قالت هيئة ميناء الإسكندرية إن الغاء المزايدة تم حرصا على مصلحة الدولة، ولم يتم تفسير المصلحة وكيف تكون فى إلغاء رصيف يضيف للتجارة المصرية، التفسير الوحيد أن الهيئة تعرضت لتهديدات باللجوء للتحكيم الدولى بناء على عقد الشركة "هاتشيستون"، وهو عقد لا يمكن تجاهله بدون دراسة، يجب عرض الامر على مكاتب قانونية استشارية ومركز التحكيم الدولى وكليات الحقوق، وكل ذلك بشكل استشارى، وذلك قبل أن تتخذ الدولة قرارا بمنح الرصيف سواء للشركة المصرية أو للشركة الأجنبية، علما بأن الشركة الأجنبية اسهمها مطروحة فى بورصة أجنبية لم يحددها مصدرنا بدقة.

ويقول الخبير إننا قد لا نجد مفراً من تخصيص الرصيف حسب بنود عقد الإذعان القديم حتى لا تكون خسائرنا من التحكيم الدولى أكبر من أرباحنا أو قدرتنا على الدفع، وتكون الفاتورة بسيطة للغاية ندفعها ثمنا لأخطاء حكومات سابقة حكمتها مصالح أفراد وليس مصلحة البلد، وقد يجد الخبراء أننا ليس علينا تحمل الفواتير لأن عقد الشركة كان ينص على إنشاء الرصيف قبل عام 2011 وهو ما لم يحدث ولو أن الشركة تقول إنها خاطبت هيئة ميناء الإسكندرية للبدء فى إنشاء الرصيف قبل هذا التاريخ.