منال لاشين تكتب: مهمة عبلة عبداللطيف المستحيلة فى مركز بيزنس «جمال مبارك»

مقالات الرأي



1- لم يسمعوا عن قواعد «تعارض المصالح»

■ بحكم منصبها فى المجلس التنسيقى بين الحكومة و«المركزى» تطلع «عبلة» على معلومات خاصة جدا عن الاقتصاد المصرى

■ تعيينها فى المركز الخاص يعد مثالاً صارخاً لتعارض المصالح

الدكتورة عبلة عبداللطيف هى أستاذة اقتصاد بالجامعة الأمريكية ورئيس المجلس الاستشارى للشئون الاقتصادية والتنمية التابع لرئيس الجمهورية، وهى عضو المجلس التنسيقى بين الحكومة والبنك المركزى، وعضو مجلس إدارة البنك الأهلى، والمنصب الأخير سابق على توليها رئاسة المجلس الاستشارى.

والأسبوع الماضى اضيفت مهمة أخرى أو بالأحرى منصب آخر للدكتورة عبلة وهو المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية.

دعك من السؤال البديهى جدا، أين تجد الدكتورة عبلة الوقت الكافى للقيام بمهامها المتعددة فى كل هذه المهام والمناصب؟ ولماذا زادت المهام فجأة بعد توليها رئاسة المجلس الاستشارى التابع للرئاسة؟ وهل يمكن لمواطن مهما بلغت كفاءته وقدرته العملية أن يؤدى عمله بكفاءة وتركيز فى هذه المجالس المهمة والخطيرة والمتشعبة فى وقت واحد؟

دعك من كل هذه الأسئلة المشروعة جدا، خاصة أن معظم مهام الدكتورة عبلة تتعلق بمهام قومية وعامة، ولا يمكن اعتبارها بحال من الأحوال شأنا خاصا.

دعك من البحث عن إجابات لهذه الأسئلة المشروعة، لأن لدينا المزيد من الأسئلة والإجابات فى قضية أخطر، أسئلة وإجابات تتعلق بالمهمة الجديدة للدكتورة عبلة كمدير تنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، وذلك فى ظل عملها كعضو فى المجلس التنسيقى بين الحكومة والبنك المركزى، وعندما تنتهى من قراءة الأسئلة والإجابات ستكشف بسهولة وسلاسة أن مهمة الدكتورة عبلة فى المركز المصرى تكاد تكون مستحيلة لأسباب موضوعية جدا وعادلة جدا.

1

مركز جمال مبارك

تأسس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية عام 2001، وذلك بمنحة وقف حصل عليها المركز باتفاقية بين الحكومة المصرية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ولكن المركز له وسائل أخرى للتمويل منها مساهمات مجلس إدارة المركز ورسوم العضوية.

وكان المركز أحد أشكال انطلاق عجلة الاقتصاد الحر والهرولة لخصخصة أى شىء وكل شىء، وذلك فى ذروة العلاقات الاقتصادية المتميزة بين مصر وأمريكا، وأيضا فى ذروة نفوذ رجال الأعمال فى مصر.

وكان من بين مؤسسى المركز المصرى للدراسات الاقتصادية جمال مبارك وأحمد عز وعدد آخر من كبار رجال الأعمال فى جميع المجالات بما فى ذلك كبرى شركات المحاماة والاستشارات القانونية فى مصر.

ولذلك عرف المركز باسم مركز جمال مبارك، ولاشك أن وجود جمال مبارك فى المركز منح دراساته أو بالأحرى توصياته ثقلا ونفوذا، وقد تولى منصب المدير التنفيذى للمركز عدد من كبار الاقتصاديين تولى بعضهم الوزارة فيما بعد مثل الدكتور أحمد جلال والدكتورة سميحة فوزى، ولكن الوزارة أتت إليهم بعد رحيل جمال مبارك.

وبعد الثورة تم تعديل مجلس الإدارة وخرج عدد من كبار رجال الأعمال على رأسهم أحمد عز وبالطبع جمال مبارك، وأصاب المركز بعض الخفوت نتيجة للثورة على مبارك ونجله وسياساتهم الاقتصادية.

وبحسب موقع المركز فإن مجلس الإدارة يتكون من أبرز رجال الأعمال فى مصر، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر عمر مهنا «أسمنت» وهشام الخازندار «القلعة» وحازم حسن «للتوظيف» ومحمود تيمور «سوق المال» ومحمد قاسم «تصدير الملابس الجاهزة».

وهناك عدد كبير من رجال الأعمال من أعضاء المركز.

حتى الآن لا يوجد خطأ فى المركز أو فى رغبة أعضاء مجلس الإدارة فى تعيين مدير تنفيذى للمركز، وأن يقدم أبحاثا ودراسات تعكس وجهة نظر أعضاء مجلس الإدارة من أبرز رجال الأعمال فى مصر.

2

أسرار وتوجهات

منذ أشهر قليلة تم اختيار الدكتورة عبلة عبداللطيف عضوا بالمجلس التنسيقى بين الحكومة والبنك المركزى، ويضم المجلس رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية ومن الخبراء الدكتور فاروق العقدة والدكتور محمد العريان والدكتورة عبلة.

ومن خلال المجلس التنسيقى أو بالأحرى من خلال اجتماعاته ومهامه تصبح كل التوجهات المستقبلية والسياسات الاقتصادية والمالية على مائدة اجتماعات المجلس التنسيقى والمادة الأساسية لحوارات ومناقشات أعضائه. بما فى ذلك توجهات الحكومة فى استهداف سياسات قطاعية مثل الزراعة أو أحد أو بعض الصناعات، وهذا الاستهداف يربط بالضرورة بنية الحكومة فى اتخاذ قرارات أو تعديل قوانين أو تمييز صناعات أو قطاعات سعيا للنمو بها، ومن ثم فإن المعلومات والآراء والتوجهات المتاحة لأعضاء المجلس لا تتاح إلى كل رجال الأعمال أو حتى الخبراء إلا عندما تتبلور فى شكل قرارات، فالمعلومات والأرقام والتوجهات فى السياسة الاقتصادية والمالية المتاحة لأعضاء المجلس التنسيقى هى حكر عليهم بحكم مناصبهم فقط، ولا يجوز تداولها أو استخدامها خارج جدران المجلس التنسيقى.

وحتى الآن لا توجد مشكلة فى عضوية الدكتورة عبلة عبداللطيف فى المجلس التنسيقى بين الحكومة والبنك المركزى.

3

تزاوج خاطئ

ولكن المشكلة تظهر بوضوح مقلق ومزعج عندما يتلاقى المنصبان للدكتورة عبلة عبداللطيف.. عضويتها فى المجلس التنسيقى من ناحية وتوليها منصب المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية من ناحية أخرى، لأن الجمع بين المنصبين يدخل ضمن تعارض المصالح، فالمعلومات المتاحة للدكتورة عبلة فى المجلس التنسيقى هى معلومات خاصة جدا ومؤثرة فى قرار الاستثمار الخاص.

هذه المعلومات ليست مجرد ملفات أو أوراق يضعها عضو المجلس التنسيقى فى الدرج بعد انتهاء الاجتماعات.أو يحذفها من ذاكرته خارج إطار الاجتماعات، ولكن هذه المعلومات تظل موجودة فى عقل أعضاء المجلس التنسيقى، وبدون تعمد أو مؤامرة فإن معرفة عضو المجلس التنسيقى بهذه المعلومات ستظل معه أينما ذهب وفى كل موقع، خاصة موقع أو مركز كل أعضاء مجلس إدارته من أهل البيزنس، بل ومن أبرز رجال الأعمال فى مصر بحسب وصف المركز على موقعه الإلكترونى، وهذا المجلس يضع سياسات المركز وأجندته. بينما مديرته التنفيذية هى عضو فى مجلس حكومى شديد الحساسية فى قرارات البيزنس الخاص.

4

اتقوا الشبهات

على الرغم من أن «تعارض المصالح» مفهوم جاءنا من القيم الرأسمالية الغربية. إلا أن أقرب تفسير لمفهوم تعارض المصالح هى المقولة الإسلامية العربية «اتقوا الشبهات»، فالنائب الذى يراقب الحكومة لا يجب أن يتعامل معها اقتصاديا، وذلك اتقاء لشبهة المحاباة، ومسئولو البورصة، أو حتى الصحفى الذى يغطى أخبار البورصة يمتنع عليه التعامل مع أسهم البورصة لأنه من موقعه الصحفى يطلع على معلومات لا تتاح للآخرين، وفى مصر أخذ البنك المركزى ومؤسسات عديدة بقواعد عدم تعارض المصالح، فخلا مجلس إدارة البنك المركزى من رؤساء البنوك الحاليين حرصا على المعلومات الخاصة التى يتم تداولها فى اجتماعات مجلس إدارته، وفى الدول الرأسمالية العريقة يتعاملون مع قواعد عدم تعارض المصالح بمنتهى الحزم والحسم، خاصة فيما يتصل بـ«الانسيدر» أو المعلومات الخاصة أو التى لا تتاح إلا لأعضاء المجالس ذات الطابع الرسمى. أو العاملين بالبورصات أو البنوك الفيدرالية «البنوك المركزية».

وقد كان أولى بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية وهو مركز مؤمن ومروج للاقتصاد الحر أن يراعى قواعده، وكان من باب أولى بالدكتورة عبلة عبداللطيف أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية أن تراعى هذه القواعد، وأن تبتعد عن تولى منصب المدير التنفيذى لمركز كبار رجال الأعمال.

وفور نشر الخبر اتصلت بالدكتورة عبلة للتأكد من صحة الخبر، وأكدت لى الخبر مرة أخرى ولكن صوتها كان يشى بدهشة أظنها صحيحة، وكأن الأمر لا يجب أن يعنينى، وبعد حوار قصير طلبت الدكتورة عبلة ألا أنشر ما جاء فى حوارنا وأنا أستجيب لطلبها، فهى حرة فى التحدث للصحافة أو تجنبها باعتبار الصحافة رجساً من عمل الشيطان، أو أن الصحفيين يتدخلون فيما لا يعنيهم. لأن مهمة الصحافة عند البعض نشر أحوال الجو ونشرة الأرصاد وأسعار الخضراوات والفاكهة فى سوق العبور، وبالطبع من الأفضل نشر بيانات الإنجازات. الدكتورة عبلة حرة فى فهمها للصحافة والإعلام، ولكنها ليست حرة فى الجمع بين عضوية المجلس التنسيقى وبين الحكومة والبنك المركزى وهو مجلس رسمى من ناحية، والعمل كمدير تنفيذى لمركز دراسات لرجال الأعمال من ناحية أخرى.

وقد كان من باب المواءمة السياسية من الأساس ألا تقبل عمل المركز المصرى للدراسات، فالدكتورة عبلة عبداللطيف رئيس المجلس الاستشارى للملفات الاقتصادية التابع للرئاسة، وهذا المجلس يقدم دراسات ونصائح ومشاركات فى مستقبل الاقتصاد والقطاعات الأولى بالرعاية، وهذا يمثل تعارض مصالح آخر.

ولا يقلل من ازدواج تعارض المصالح فى حالة الدكتورة عبلة قبول كبار المسئولين عن هذا الوضع، فنحن لن نخترع العجلة، وقواعد تعارض المصالح فى العالم كله واحدة، ومن المؤسف والموجع حقا أن أضطر لشرح هذه القواعد بعد ثوره 25 يناير، وأن نجد حالة صارخة لتعارض المصالح، فأخطر ما يهدد السياسة والاقتصاد معا هو التزاوج الخاطئ بين ما هو رسمى وما هو خاص.

ولذلك أتمنى أن تراجع الدكتورة عبلة نفسها، وأن تتراجع عن قبول منصب «المدير التنفيذى».

كواليس وأسرار لقاء امتد ساعتين


2-رسائل على عبدالعال لأهل الصحافة

■ رئيس البرلمان: أقول للنواب: تقبلوا النقد ولو كان قاسياً وشعرت بالألم لنشر صورة سندوتش النائب الكفيف

ويغضبنى عدم تركيز الإعلام على القضايا المصيرية والمهمة التى تناقش فى مجلس النواب

العلاقة بين الصحفى والسياسى فى الغالب علاقة متوترة. وهذا التوتر سابق على مجلس النواب الجديد، ومعروف فى كل زمان ومكان. وفى بريطانيا ذهب صحفى لرئيس الوزراء البريطانى تشرشل، وطلب منه التبرع بجنيه إسترلينى لإقامة جنازة أحد الصحفيين. فأخرج رئيس الحكومة عشرة جنيهات من محفظته وقال للصحفى خذ العشرة جنيهات وادفنوا عشرة صحفيين. وتشرشل من أعظم سياسيى ورؤساء الحكومة فى بريطاينا والعالم.

ولكن فى الدول الديمقراطية ترسخ الإيمان بالحريات وعلى رأسها حرية الإعلام.

ومنذ بدء البرلمان لم ينقطع التراشق بين بعض النواب والصحافة والإعلام. اعتراضا على صورة أو تغطية أو تعليق أو رأى.

ويوم الأحد الماضى التقى الدكتور على عبدالعال ونقيب الصحفيين يحيى قلاش وأعضاء مجلس النقابة.

وخلال اللقاء أكد رئيس البرلمان احترامه وتقديره لحرية الصحافة والإعلام. وقال إنه يردد دوما للنواب أنهم أصبحوا شخصيات عامة، وأن من يخوض العمل العام عليه أن يحتمل النقد ولو كان قاسيا. وهذه النصيحة تتفق تماما مع حكم شهير لمحكمة النقض.

ولكن الدكتور على عبدالعال وجه عتابا لبعض مما نشر عن البرلمان. وقال رئيس البرلمان إنه تألم لنشر صورة نائبة فاضلة تعطى (سندوتش) لزميلها النائب الكفيف. ورئيس البرلمان محق تماما فى مشاعره ورأيه.

فى نفس اللقاء علق الدكتور على حول تناول بعض الصحف ووسائل الإعلام للنوادر أو بالأحرى الصغائر، وتجاهل القضايا المهمة التى تثار تحت القبة.

ولا شك أن انتقادات رئيس البرلمان فى محلها تماما. فنشر الصورة التى أشار إليها كان خطأ مهنيا. كما أن التركيز على النوادر والطرائف يضر بالصحافة والبرلمان معا. لأن تجاهل القضايا الاقتصادية والسياسية لصالح الطرائف والنوادر يحبط النائب الجاد. ويحرم المجتمع من الاطلاع على القضايا المهمة.

وخلال اللقاء حرص يحيى قلاش على ذكر واقعة مهمة فى تاريخ الصحافة. وهى استضافة حزب الوفد أيام فؤاد سراج الدين للمؤتمر الحاشد للدفاع عن حرية الصحافة. وذلك فى مواجهة قانون الصحافة فى عام 1995. وأضاف قلاش موجها حديثه لوكيل المجلس سليمان وهدان: لا يمكن لنائب ينتمى للوفد أن يحرض على حرية الصحافة. فسارع وهدان بالقول بأنه لا يحرض على الصحفيين.

كما حرص الزملاء من أعضاء النقابة على التفرقة بين وسائل التواصل الاجتماعى والصحف. وعلى تأكيد أهمية وسائل الإعلام للبرلمان والنواب. وربما يمكن أن نبنى على الجملة الأخيرة للوصول لعلاقة متوازنة بين الإعلام والبرلمان.

فالأسابيع الأولى من عمر البرلمان كشفت ارتفاع درجة الحساسية من بعض النواب مما ينشر فى الصحافة أو يعرض فى الفضائيات.

وبعض النواب لديهم تصورات مسبقة بأن الإعلام ضدهم، أو يهدف إلى تشويه البرلمان والنواب.

وهذا التصور فى حد ذاته يمثل وجهة نظر مسبقة، وذلك التوجه يزيد من حساسية ما ينشر أو يعرض حول البرلمان أو النواب. أو اعتبار أن كل خبر أو نقد لنائب هو مؤامرة كونية لتشويه البرلمان.

لكن لو تعامل النواب مع كل حالة على حدة، فربما نصل لنتائج أفضل.

وربما تكون واقعة النائب الغشاش خير نموذج على ذلك. فقد نشرت صحف ومواقع وتناولت الفضائيات قصة خطيرة. فقد تم ضبط نائب وهو يغش فى امتحانات إحدى كليات التعليم المفتوح. وكنت أتصور أن يطالب النواب بالوقوف على حقيقة هذه الواقعة. وان يطلب البرلمان من الجامعة رسميا الوقوف على صحة الواقعة. وأن يعلن المجلس أنه لو ثبتت واقعة الغش على النائب سيتخذ ضده إجراء عقابى. وان المجلس سيحيل النائب إلى لجنة القيم. وهذا التصرف لو حدث لتغير تناول الإعلام. ولأصبحت المانشيتات أن البرلمان يتعهد بمعاقبة النائب الغشاش حال ثبوت الواقعة. أو أن برلمان الثورة يرفض وجود نائب غشاش بن صفوفه. ولكن ما حدث كان غضب بعض النواب من مجرد نشر الواقعة. وهذا الغضب سبق التأكد من صحة الواقعة.

هذا النموذج لا يفيد البرلمان ونوابه. لأن الخطأ الفردى وارد فى كل مكان. ولكن تجاهل التعامل مع الخطأ الفردى يلقى بظلاله على المؤسسة.

هذه القاعدة تنطبق على البرلمان ومؤسسات الصحافة والإعلام وكل المؤسسات.

أما القاعدة الأخرى فإن قليلا من التسامح وحسن الظن على الجانبين يصلح الكثير من الخلافات.