قصة مصورة تبحث عن أسرار العائلة المقدسة فى كنائس وأديرة مصر

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


■ أمر ملكى بإخفاء «صليب التحرير» .. والصدفة تجمع كنيسة ومسجدا فوق أطلال

■ لغز اختفاء أسماء مهندسى الكنائس.. وسر وجوه الفيوم الموجودة على جدران الأديرة


قبل نحو ألفى عام، هربت سيدة ورجل وطفل إلى مصر، خوفاً من القتل، وقضت هذه المجموعة الضعيفة أياماً من الرعب والقلق والتوجس، خوفاً من الرجال القساة الذين يلاحقونها، بشكل أنساهم الوحوش الضارية التى تحيط بقافلتهم البسيطة، وأنساهم الجوع والبرد الذى تعانى منه العصابة الضعيفة. وتمر السنون وتصبح كل بقعة احتوت هؤلاء الثلاثة، وكل بئر روتهم مياهها، وكل شجرة استظلوا بها، مكاناً مقدساً تحف به الملائكة من كل جانب، ويقصده الراغبون فى شفاء أرواحهم وأجسادهم.

هذه المجموعة كانت تضم العذراء مريم والمسيح ابنها والثالث يوسف النجار الذى حذره هاتف إلهى لينقذ الطفل وأمه من رغبة الملك هيرودس من قتل الطفل، وذلك بالسفر إلى مصر، التى امتلأت بعد سنوات من حصول الطفل على الأمان بالكنائس التى تمجده وأمه من الشرقية إلى القليوبية والقاهرة والمنيا.

تحويل أمنية فنان إلى حقيقة فى كتاب مصور

جمع كتاب "الكنائس فى مصر.. منذ رحلة العائلة المقدسة إلى اليوم"، بين صفحاته تاريخاً وصوراً عن عدد كبير من أقدم كنائس مصر التى تمثل جميع الطوائف، فى توثيق هو الأول من نوعه، لرحلة العائلة المقدسة، وأقدم وأجمل الكنائس المصرية الموجودة من الإسكندرية إلى أسوان.

الكتاب من تأليف جودت جبرا، الذى عمل مديراً للمتحف القبطى ويعمل حالياً أستاذاً زائراً للدراسات القبطية فى جامعة كليرمونت جراديوت الأمريكية، وله كتاب عن كنوز الفن القبطى صادر عن قسم النشر بالجماعة الأمريكية، وشارك فى تأليف الكتاب، جيرترود. ج.م فان لوون، المتخصصة فى الفن والعمارة القبطية والحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة ليدن الهولندية، وكارولين لودفيج، الكاتبة والمحاضرة والناشرة، ولها كتاب "جواهر فى تاجنا.. كنائس لوس أنجيلوس".

أما شريف سنبل، المصور العالمى المعروف، فساهم بلقطاته بتحويل تفاصيل الكنائس إلى لوحات فنية مقدسة ومتفردة، حيث تعتبر الجزء الأكبر فى الكتاب، الذى تتأكد بعد تصفحه أنه لولا هذه الصور أو التحف الفنية لم يكن للكتاب القيمة الموجودة، حيث شارك فى عدد من الكتب العالمية المصورة ومنها كتاب "قصور وفيللات مصر.. بين عامى 1808 و1960"، والصادر عن الجامعة الأمريكية.

ولأهمية الكتاب المكتوب باللغة الإنجليزية، نقلته أمل راغب، إلى العربية بترجمة، عن المركز القومى للترجمة، التابع لوزارة الثقافة، استجابة لدعوة أطلقها الفنان حنين مكرم، بضرورة ترجمة الكتاب كى يستفيد ويستمتع القارئ والباحث المصرى والعربى، فى بحر القبطيات.

ضايق وجود صليب كنيسة قصر الدوبارة، الموجودة على حافة ميدان الإسماعيلية "التحرير الآن"، أهم الميادين المصرية، الملك فاروق الأول، ملك مصر والسودان، إذ رأى أن هذا المشهد، الذى اكتمل عام 1950، كفيل بعرقلة محاولته للحصول على لقب ومنصب خليفة المسلمين، فأمر ببناء مجمع التحرير، ليحجب الصليب، ويبدو حامى حمى الإسلام، لكنه وحسب قول القس إبراهيم سعيد، راعى الكنيسة، للرئيس جمال عبدالناصر، الذى زار المبنى عام 1955، "كره رؤية صليب واحد فى هذه الكنيسة.. فأرسله الله إلى بلد يرى فيه صلبانا كثيرة" فى إشارة إلى نفى فاروق إلى إيطاليا.

ويضم الكتاب الذى حظى برعاية من البابا شنودة الراحل، جميع أنواع الكنائس التابعة للطوائف المسيحية فى مصر، لكنه لم يفرد فصولاً لمبانى كل طائفة وعلى حدة تعامل معها جميعاً باعتبارها كتلة واحدة.

ثلاثة هربوا إلى مصر غير أحدهم العالم

عرفت مصر المسيحية، قبل فلسطين مسقط رأس المسيح عيسى ابن مريم، نفسه، حيث جاءها طفلاً، مع أمه ويوسف النجار، هاربين من بطش الملك هيرودس، فى مسيرة معروفة بـ"رحلة العائلة المقدسة"، تنقل فيها الثلاثة من أعلى مصر إلى أسفلها لتضليل الطاغية الذى أراد الحفاظ على مملكته بحرمان العالم من نور الإيمان.

وفى كل مكان اعتقد الأقباط أن المسيح وأمه قضيا فيه بعض الوقت خلال هروبهما، ولو كانت بئرا شربا منه لإرواء عطشهما، بنى المؤمنون بعيسى ومريم، كنيسة لتخليد ذكرى الرحلة، التى مرا فيها بسيناء والشرقية والقليوبية والقاهرة وصولاً إلى المنيا، بمسافة تقدر بـألف كيلو متر، وهى الأماكن التى اهتم بها عدد من الرحالة الأجانب، وهم مجموعة من عشاق التاريخ والغوص فيه وتسجيل روائع الأماكن وطبائع البشر.

من هؤلاء الرحالة الذين أشاد الكتاب بهم، الراهب الدوميكانى، الأب جوهان مايكل وانسلين، الذى زار مصر كلها، وكتب مذكرات عن رحلته التى جرت بين عامى 1672 و1673، حيث سجل مشاهدته للكنائس والأديرة الموجودة وقتئذ وبشكل تفصيلى، ووانسلين واحد من عدة أشخاص اهتموا بالتراث القبطى فى مصر التى تعتبر أكبر بلد فى المنطقة يحمل على أرضه آثاراً مسيحية، بما يؤهله ليكون قبلة للمسيحيين من جميع أنحاء الأرض، خاصة أنها شهدت استشهاد أعداد ضخمة من أبنائها الذين تمسكوا بمسيحيتهم، ولم يتوقف حصد رؤوسهم سوى فترة قصيرة، حيث تم استئناف عمليات الإعدام لكن على يد مسيحيين آخرين، بسبب تمسك المصريين بعقيدتهم الأرثوذكسية.

حيرة بين المسجد والكنيسة وولى الله والقديس

كان المصريون يعبدون الله، بعد إيمانهم بالمسيح، سراً فى منازلهم، الفقيرة الضيقة، وعندما أصبحت أغلبيتهم تؤمن بهذا الدين، لم يحولوا المعابد التى كانت منتشرة على طول البلاد إلى أماكن لعبادتهم، سيراً وراء تقليد مصرى معروف منذ آلاف السنين، بتحول المعابد إلى أماكن لعبادة الإله الجديد، باستثناءات قليلة جداً مثل بناء كنيسة بلدة الأشمونيين التى قامت على أطلال معبد بطلمى.

وتتنوع أشكال الكنائس لتصل لـ10 أنواع جميعها تقترب من شكل أى معبد مصرى، يبدأ بمدخل وبوابة وينتهى بالهيكل المقدس، فى تكامل تاريخى وعقائدى يعرفه أى متخصص فى العقائد الدينية المقارنة، حيث يشعر الزائر لأى معبد وكنيسة ومسجد فى مصر، بالتقارب والتشابه بين معتقدات المصريين، الذين لا يفرقون بين ولى من أولياء الله أو أحد القديسين، وتكفى نظرة إلى منابر الكنائس والمساجد المنتشرة فى مصر لإدراك التماثل فى الشكل والنقوش التى لا تتميز عن بعضها سوى بالصليب المرسوم على الخشب بالكنائس.

وتظهر التأثيرات فى بناء الكنائس ونقوشها بالداخل، عبر العصور التاريخية المصرية، حيث شهدت الكنائس المبنية فى عصر الفاطميين، اهتماماً بالنقوش، وهو ما كان يجرى بالتوازى فى المساجد.

ولا أحد يعرف حتى هذه اللحظة أسماء المهندسين الذين شيدوا هذه المبانى المقدسة، وربما كان دافعهم إلى إخفاء شخصياتهم، هو اعتبار العمل وسيلة للتقرب من الله.

الصليب الذى ضايق ملكاً فى ميدان التحرير

ضايق وجود صليب كنيسة قصر الدوبارة، الموجودة على حافة ميدان الإسماعيلية "التحرير الآن"، أهم الميادين المصرية، الملك فاروق الأول، ملك مصر والسودان، إذ رأى أن هذا المشهد، الذى اكتمل عام 1950، كفيل بعرقلة محاولته للحصول على لقب ومنصب خليفة المسلمين، فأمر ببناء مجمع التحرير، ليحجب الصليب، ويبدو حامى حمى الإسلام، لكنه وحسب قول القس إبراهيم سعيد، راعى الكنيسة، للرئيس جمال عبدالناصر، الذى زار المبنى عام 1955، "كره رؤية صليب واحد فى هذه الكنيسة.. فأرسله الله إلى بلد يرى فيه صلبانا كثيرة" فى إشارة إلى نفى فاروق إلى إيطاليا.

ويضم الكتاب الذى حظى برعاية من البابا شنودة الراحل، جميع أنواع الكنائس التابعة للطوائف المسيحية فى مصر، لكنه لم يفرد فصولاً لمبانى كل طائفة وعلى حدة تعامل معها جميعاً باعتبارها كتلة واحدة.

وجوه الدير الأحمر

أطلق المؤرخ تقى الدين المقريزى، شيخ المؤرخين فى مصر على دير الأنبا بشاى، فى سوهاج، اسم الدير الأحمر، بسبب استخدام الطوب الأحمر فى بنائه، وسهلت وفرة التفاصيل الموجودة على جدران مبانى الدير معلومات كثيرة عن فن الرسم فى نهاية العصور المسيحية الأولى بمصر وكذلك عن تاريخ الدير نفسه الذى تعود بعض منشآته لأكثر من 1200 سنة. لا أحد يعرف حتى هذه اللحظة سر الوجود الموجودة على جدران الكنائس والأديرة والتى لا تشبه سوى وجوه الفيوم، بدلاً من الوجوه المعروفة التى تظهر على المعابد، رغم أن تلك الوجوه مصرية الطابع للغاية، وأهم تلك المشاهد التى توجد فى أحد الأديرة هى المرسومة على جدران الدير الأحمر.

كنيسة ومسجد ومعبد.. الصدفة تجمع 3 أديان فى الأقصر

بنى مسلمو الأقصر فى عصر الدولة الأيوبية، مسجداً قرب معبد الأقصر فى قلب المدينة، وبمرو الوقت ومع الاهتمام بالمعبد الشهير، تم اكتشاف أن المسجد مقام فوق كنيسة وأن الأخيرة كانت مبنية فوق أنقاض من المعبد.

فى نهاية القرن الثالث الميلادى، لم يعد معبد الإله آمون (معبد الأقصر) مستخدماً، وفى عصر الإمبراطور الرومانى، دقلديانوس، أحيط المبنى بأسوار وتحول إلى معسكر للجنود الرومان، ثم استخدمته القوات الفارسية التى غزت مصر، واحتلتها من 619 إلى سنة 629، كمقر إدارى، تركوه حطاماً قبل رحيلهم.

وبعد نحو 100 سنة، تم بناء كنيسة على أجزاء من أطلال المعبد، والعثور على كنيستين تم بناؤهما فى وقت لاحق، وتم العثور على رابعة أسفل مسجد أبوالحجاج، بقى حائطها الغربى محتفظاً بصف من النوافذ، وتم بناء خامسة على امتداد طريق الكباش الذى يصل من المعبد إلى معبد الكرنك الواقع على بعد نحو 3 كيلومترات وجميع تلك الكنائس استخدمت حجارة المعابد فى بناء جدرانها، ولا تزال بعض هذه الحجارة التى تمت إعادتها إلى المعابد محتفظة بالصلبان.