منال لاشين تكتب: الشعب غاضب والسيسى يعنف نصف الحكومة

مقالات الرأي



إجراءات سريعة لرأب الصدع

■ بيان الحكومة لن يتضمن أى إجراءات لرفع أسعار الخدمات الحكومية
■ إجراءات للعدالة الاجتماعية فى 30 صفحة من البيان وهى الأكبر من حيث عدد الإجراءات 
■ التعديل الوزارى لم يؤثر كثيرا فى البيان

تجمعت عوامل غضب المصريين مثلما تتجمع السحب الكثيفة فى المساء، لقاء بين سحب محملة بالغضب من تجاوزات الأمن، وسحب أخرى بالقلق على أعباء الحياة. تصريحات السلطة التنفيذية كلها جالبة للقلق. الحديث عن رفع أسعار الخدمات من كهرباء للمياه مرورا بتذكرة المترو والسكك الحديد. أينما توجد خدمة سيتم رفع أسعارها. الفكرة الحاكمة أننا يجب أن ندفع تكلفة الخدمات. الحكومة لم تدعم سوى الفقراء ومحدودى الدخل ولتذهب الطبقة المتوسطة أو بالأحرى ما تبقى منها إلى الجحيم.الشعب غاضب لأنه لم يعد يأمن على أمنه فغدا قد يقع حادث فردى من الشرطة أو أمنائها يضيع فيه حياة مواطن، أو تضيع كرامته، وفى نفس الوقت الشعب قلق، فغدا أيضا قد يتحمل أعباء زيادة فواتير كل شىء فى الحياة.

الإحساس العام أننا صرنا عبئا هائلا على حكومة مهزوزة تعايرنا ليل نهار بأننا لا ندفع الثمن الحقيقى للمبة الكهرباء وكوب المياه وتذكرة الذهاب للعمل.

هذا مناخ محبط ومقلق فى آن واحد. هذا حديث يرجعنا بقوة إلى تصريحات جمال مبارك وأحمد عز ووزراء الحرس الجديد عن إلغاء الدعم، وبالمثل الخطايا الفردية القاتلة فى جهاز الشرطة تتوالى بمعدل يعيد إلى الأذهان حالة الشرطة قبل ثورة 25 يناير، هذا الشعور ليس مجرد رأى عام ولكنه تحول لتقارير «تقدير موقف» وصلت إلى مكتب الرئيس.

هذا المناخ يجب أن يعيد الحكماء النظر فى استمراره، أو بالأحرى خطورة استمراره.خاصة أننا أمام حكومة فشلت فى إحراز تقدم فى معظم ملفاتها، وبصفة خاصة الملفات الاقتصادية.

مشاعر الغضب حتى وإن كانت هذه المشاعر بلا صوت وصلت إلى مراكز اتخاذ القرار أو بالأحرى مركز اتخاذ القرار والفعل، فلا يوجد فى مصر سوى مركز واحد لاتخاذ القرار أو الفعل على حد سواء.

1- تقليص الصلاحيات

سواء رحل رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل أم بقى، فإن المؤكد أنه فقد خلال الأسبوع الماضى الكثير من صلاحياته كرئيس للحكومة، فقد أجرى الرئيس السيسى الأسبوع الماضى لقاءات منفردة مع أكثر من نصف وزراء حكومة شريف إسماعيل، وكلها لقاءات ساخنة شملت تعنيفاً من ضعف أداء الوزراء، فغضب الرئيس لم يشمل فقط وزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار فقط، وقد جرت معظم هذه اللقاءات ما بين القاهرة وشرم الشيخ، وذلك على هامش تواجد الرئيس والحكومة فى مؤتمر إفريقيا فى شرم الشيخ، وبدا أثر غضب الرئيس على وجوه معظم الوزراء الذين شاركوا فى المؤتمر. بل إن أثر الغضب الرئاسى عليهم امتد إلى أعمال المؤتمر، فقد تم إلغاء المؤتمر الصحفى العالمى الذى كان مقررا عقده، وكان أربعة وزراء يشاركون فى المؤتمر الصحفى، وبعد الإعلان عن المؤتمر بدأت حركة تأجيلات. نصف ساعة، ثم ساعة، ثم اختفى الوزراء وحل مساعدوهم محلهم، وفى الكواليس أن معظم الوزراء خافوا من عقد مؤتمر صحفى فى تلك الأجواء، فالخطأ وارد و«المسألة مش ناقصة» أو بنص تعبير وزير «أنا مش عايز أشيل الشيلة».

ومقارنة بالمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيح الذى عقد فى مارس الماضى لم يعقد مؤتمرا صحفيا سوى وزير الاستثمار أشرف سالمان فقط، وكان عقد المؤتمر بالتكليف، وذلك للإعلان عن توصيات مؤتمر إفريقيا.

وبحسب المعلومات المتوافرة لدينا فإن بعض وزراء المجموعة الاقتصادية لديهم مهلة لضبط أدائهم وتحقيق إنجازات وتكليفات محددة من الرئيس لإنجازها، ولكن هناك وزراء آخرين رجلهم فى الحكومة والأخرى خارجها، ولذلك لأنهم الأكثر إثارة لغضب الشعب.

2- مفاجآت حكومية

وإذا كان الحديث المتكرر أو بالأحرى الإلحاح على رفع الأسعار مثار غضب شعبى، فإن المفاجأة أن بيان الحكومة فى آخر طبعة أو نسخة لم يتضمن حديثاً عن رفع أسعار خدمات مثل الكهرباء أو المياة أو وسائل النقل العامة، وأن البيان سيكتفى بالتحديات الكبرى فى الاقتصاد وبقية الملفات مثل التعليم والصحة والطرق والنقل، وأن البيان سيتطرق إلى خطط الحكومة لمواجهة هذه التحديات، وهذه الخطط تتضمن تعديل تشريعات وقوانين مستحدثة وإجراءات تنفيذية، ولكن الحديث المباشر عن رفع أسعار الخدمات لا يوجد له مكان فى البيان. خاصة أن الحديث عن أسعار الخدمات يأتى فى أغلب الأحيان مع إقرار الموازنة العامة للدولة، وذلك على غرار ما يحدث فى معظم دول العالم، فمناقشة الضرائب وأسعار الخدمات العامة فى البرلمان تتم خلال إقرار الموازنة.

3- بعض من العدالة

من المفاجآت الأخرى أنه حتى لو حدث تعديل وزارى قبل إلقاء البيان، فإن ذلك التعديل لم يؤثر كثيرا فى البيان، لأن الخطوط العامة والتوجهات الرئيسية تتشكل فى رئاسة الجمهورية.

من ضمن المفاجآت أن إجراءات للعدالة الاجتماعية هى الأكبر فى بيان الحكومة فى نسخته الأخيرة «حتى الآن». على مستوى الحجم فإن إجراءات العدالة الاجتماعية تشمل نحو 30 صفحة فى البيان، وبعض هذه الإجراءات قد يتم الإعلان عنها من قبل الرئيس السيسى، وذلك نظرا لتأخر إلقاء رئيس الحكومة البيان فى البرلمان.

هناك نحو سبعة أنواع من الإجراءات التى تنتمى إلى ملف العدالة الاجتماعية والتى تعول عليها الحكومة لامتصاص الغضب. من الإجراءات مضاعفة أعداد المواطنين المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، وذلك وصولا إلى رقم 1.5 مليون مواطن خلال العام، وهناك البدء فى برنامج التغذية الدراسية للأطفال فى مرحلة التعليم الأساسى وفى المحافظات الفقيرة، وهناك تأمين صحى للفئات الأكثر تعرضا للمخاطر، ويضمن هذا النوع من التأمين الصحى مواطنين لم يدخلوا فى مظلة التأمين الصحى من قبل، وهناك إعلان برنامج زمنى بتطوير العشوائيات فى المحافظات، وبالنسبة للريف، فسيتم التعهد بالانتهاء من تغطية الصرف بـ50% من القرى، وهذه القرى كانت نسبة تغطية المصارف فيها نحو 15%.

وهناك إجراءان أكثر شمولا فى مواجهة قضايا الفقر.أولهما إطلاق لجنة قومية للحماية الاجتماعية وهى لجنة للسياسات الحد من الفقر. أما الإجراء الآخر فهو السجل الموحد لربط بيانات الأسر الفقيرة.

ربما تكون هذه الإجراءات مفيدة للفقراء، ولكنها لا تخرج من نفس العباءة عباءة المساندة الوقتية، لأن العدالة الاجتماعية تقتضى من الحكومة سياسات لتمكين الفقراء والطبقة المتوسطة، وفتح أبواب لفرص التعليم والعمل والانطلاق والإبداع للجميع. العدالة الاجتماعية ليست مجرد مساعدات أو مساندة للفقراء، ولكنها يجب أن تتحول إلى القضية المحورية للحكومة، وأن تكون المحرك للتعديلات التشريعية أو القوانين الجديدة، فى هذا المفهوم الشامل والعميق للعدالة الاجتماعية يصبح التعليم الجيد حقاً من حقوق العدالة الاجتماعية، وليس فقط استثماراً فى المستقبل، وإذا لم تنتبه الحكومة والنظام كله لهذا المفهوم خاصة فى قوانين الضرائب، إذا لم تسارع الحكومة بتحقيق خطوات عدالة اجتماعية حقيقية، فإن الغضب الشعبى لن يتراجع، فالوعود لم تعد كافية، ولن تجد الحكومة أعذاراً تدارى بها فشلها. يجب أن تفكر الحكومة جيدا قبل أن تخطو أى خطوة متهورة تندم عليها، فالحكومة الذكية الناجحة هى التى تحقق التوازن بين الاستقرار المالى والاستقرار الاجتماعى، فالأرقام وحدها لا تصنع استقراراً ولا تحقق مجدا.