أحمد فايق يكتب: الأسئلة الحرجة فى قضية الجزمة

مقالات الرأي



 

■ هل هى محاولة لجس نبض تطبيع شعبى مع إسرائيل؟

 

■ هل يغير الجيش مسرح عمليات الحروب المتوقعة من سيناء إلى ليبيا وإثيوبيا؟

 

■ هل هناك صفقة بين القاهرة وتل أبيب للضغط على أمريكا وإثيوبيا فى قضيتى السد والمعونة العسكرية؟


كاد الجميع أن يصاب بالجنون، شاب صغير لا يتجاوز العشرين عاما تم احتجازه عشوائيا بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية وحمل السلاح وقائمة كبيرة محفوظة من الاتهامات، الشاب لا علاقة له بالسياسة وعائلته لها دور كبير فى 30 يونيو، حتى أن المواقع الرسمية للإخوان طلبت من ميليشياتهم عدم المرور فى النطاق السكنى الذى توجد به العائلة الكبيرة، ووصفوها بعائلة مؤيدة للانقلاب..!

بين أفراد العائلة ضباط جيش وشرطة وصحفيون ومحامون ومسئولون حكوميون، لم يستطع أحد أن يفعل شيئا، وظل الشاب محتجزا فى أحد معسكرات الأمن المركزى، لم يكن يدرى الأب المسكين ماذا يفعل..؟

فذهب إلى محامٍ شهير من أبطال الظهور على الفضائيات أو ربما ممنوع منها..!

المحامى الكبير ذهب إلى النيابة واستخرج قرارا بالافراج عن الشاب فى خمس دقائق فقط!

هذا الموقف يوضح لك أن المعايير غير واضحة ولا يوجد أحد يفهم ماذا يحدث فى البلد، أحيانا تشعر بأن هناك غرفة تحكم وتدير الأمور بكل حكمة، حافظت على تماسك الدولة رغم كل مايحدث من حولها، وأحيانا أخرى تشعر أن الأمور تخرج عن نطاق غرفة التحكم وتذهب إلى حالة من العبث والإساءة والإهانة لكل مواطن مصرى.

توفيق عكاشة نموذج يستحق أن تتم دراسته وعمل عشرات من رسائل الدكتوراه عنه، هو ليس الشخص الساذج الذى يتصوره البعض، يتمتع بألف وجه النرجسى وشديد الدهاء والساذج والفلاح الفصيح وفلاح كفر الهنادوة والمناضل.

يجيد التنكر والتنقل بين كل هذه الوجوه، هل هو أداة أم وسيلة؟

هل يفهم مايفعله أم ينفذ مايطلب منه أم هو مثل لوحة «سلفادور دالى» ضجيج بلا طحن؟

هل هو فنكوش أم المنتج الذى ظهر فى نفس الفيلم وكل من يتناوله يصاب بالسكر والدروخة؟

لقد لعب توفيق عكاشة وغيره دورا مهما فى السنة التى حكم فيها الإخوان وحتى بعد أسابيع من الثورة عليهم، نعم لو كنت مكان من يفكر فى الغرفة المغلقة لأيقنت أن توفيق عكاشة هو نموذج الأراجوز الشعبى الذى عدل الكفة مع خطباء الإخوان فى المساجد وبثوا سمومهم فى البسطاء.

الأراجوز هو فن شعبى لدمية لها شكل مميز وتتحدث بطريقة كوميدية وتتقن لغة التواصل مع البسطاء تختلف كثيرا عمن يرتدى جلباباً أبيض ويتعامل مع البسطاء بسلطة الدين، الجهل الذى عاشت فيه مصر بسبب فساد مبارك ونظام حكمه تسبب فى أن يجعل من هؤلاء نموذجا يصدقه الناس.

لقد كان يقدم عكاشة شو كاملاً من حكايات الأراجوز يتخللها بعض المعلومات الدقيقة التى تعطيه مصداقية وتحوله إلى أسطوره شعبية، هذه المعلومات بالتأكيد لها مصادر ومصادر قريبة من صناعة القرار فقد كانت المعلومات دقيقة للغاية وليست بعيدة.

بعد 30 يونيو ارتدى توفيق عكاشة الوجه النرجسى قال إنه صانع الثورة ثم ارتدى وجه المناضل وهاجم النظام، لديه قدرة غير طبيعية على التراجع وتغيير آرائه فى لحظة، ويبقى السؤال حائرا.. هل هو يعى مايفعله أم هو فقط أداة؟

تعالوا نرجع خطوة للوراء.. نتجاوز ما فعله توفيق عكاشة.. فهو لا يستحق حتى كلمات النقد وثمن حبر الطباعة..

هناك أسئلة مشروعة فى إطار المشهد تحتاج الإجابة عنها.. أسئلة لها مبرراتها القوية فقد أثبتت التجربة قبل ذلك أن الواقع فى مصر تخطى حدود مؤلفى السينما وكتاب الروايات وحتى مفكرى أفلام الخيال العلمى...

لقد انقطع جزء كبيرمن المعونة الأمريكية عن مصر منذ 30 يونيو، توقفت أمريكا عن إرسال مقاتلات إل اف 16 إلا قليلا، وتوقفت عن إرسال الأباتشى رغم احتياج الجيش لها فى سيناء، لذا نوعت مصر مصادر سلاحها ولجأت إلى روسيا وفرنسا والصين، هذا من وجهة نظر إسرائيل لا يصب فى إطار أمنهم القومى بل يجعل مصر خارج إطار ونفوذ السيطرة الأمريكية، وبالتالى يزداد الخطر على تل أبيب.

حينما جمدت أمريكا معوناتها العسكرية لمصر أصدر بينيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية توجيهات للوزراء بعدم إصدار أى تصريحات بشأن الموضوع، ونشرت الصحف الإسرائيلية تقارير تؤكد أن الإسرائيليين قالوا للأمريكان إن تجميد المعونات العسكرية لمصر ضد أمن إسرائيل لأن مصر ستبحث عن سلاح آخر لا تعرف عنه تل أبيب شيئا.

بل قال وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعالون لمسئولين فى البيت الأبيض إن قطع الأباتشى وأسلحة مقاومة الإرهاب عن مصر سيؤدى إلى عجز أمنى فى سيناء وسيؤثر على أمن إسرائيل.

وانتقل وفد من أعضاء جماعة الضغط اليهودية بالكونجرس الأمريكى المؤيدة لإسرائيل «إيباك» لمخاطبة الحزبين الأمريكيين وذلك من أجل تغيير سياستهم تجاه مصر، وأكدوا أن المعونة الأمريكية هى دعامة أساسية لاتفاقية السلام وإلغائها أو خفضها سيؤدى إلى انهيار الاتفاقية.

السؤال هنا.. هل هناك اتفاق بين القاهرة وتل أبيب على أن تضغط إسرائيل على أمريكا لإعادة المعونات مقابل عمل تطبيع شعبى ومصالح اقتصادية أكبر؟

إجابة هذا السؤال فى السطور التى سبقته.. وهو أيضا سؤال مشروع..

السطور القادمة تعيد طرح نفس السؤال لكن بطريقة مختلفة..

العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا بدأت بعد أربع سنوات من قيام الكيان المحتل، أصبحت بعدها إثيوبيا أحد أهم المحطات التجارية لتل أبيب وأنشأوا مكاتب لاستيراد لحوم البقر والغنم من إثيوبيا، هذه المكاتب بالطبع تابعة للمخابرات الإسرائيلية، وفى منتصف الستينيات تم إرسال أكبر بعثة عسكرية إسرائيلية إلى أديس أبابا، وفى عام 1973 نجح الاتحاد الإفريقى فى الضغط على إثيوبيا وقطعت علاقاتها مع إسرائيل تضامنا مع مصر، ثم عادت العلاقات بعد انقلاب عسكرى على الإمبراطور الإثيوبى، وتوطدت العلاقات وأصبحت قوية بين الطرفين، لدرجة أنه فى عام 2009 قامت إسرائيل بقصف قافلة صواريخ إيرانية فى السودان كانت متجهة إلى غزة ، وفى تحليل خطير لسفير إسرائيل السابق فى واشنطن وهو شخص ذو خلفية عسكرية قال: فى حالة اندلاع الحرب بين البلدين فهناك اتفاقية سلام مع مصر وعلى الجانب الآخر هناك علاقات اقتصادية وعسكرية متنامية مع إثيوبيا، وطالب بضرورة ألا تنحاز تل أبيب إلى أى طرف، وأكد أن الجيش المصرى قوى لكن مهمته لن تكون سهلة لأن الإثيوبيين محاربون شرسون ولن يستسلموا بسهولة.

وتحليل اخر نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية أنه فى حالة قيام حرب بين مصر وإثيوبيا فإنه سيتم تصويرها على أنها حرب بين المسلمين والمسيحيين وستهرع الدول الإسلامية لمساندة مصر وإذا انتصر الجيش الإسلامى سيتوجه إلى تل أبيب..

هذه السطور تصل بنا إلى إعادة طرح السؤال من جديد...

هل هناك صفقة بين القاهرة وتل أبيب أن تمارس إسرائيل الضغط على إثيوبيا مقابل تطبيع شعبى وعلاقات اقتصادية أقوى؟

سنعيد طرح السؤال بعد هذه الفقرة فلا تتعجل..

كل التقارير تقول إن قوات بشار تنتصر على الأرض لذا تسعى السعودية لتغيير الموقف بتهديدات بالدخول البرى، روسيا تستغل الموقف وتريد إنهاء الموضوع لصالح بشار أمريكا منشغلة بالانتخابات ولن تتخذ قرارا جوهريا قبل تنصيب رئيس جديد، روسيا تريد تقسيمها 3 دول دولة علوية وهى الأكبر يرأسها بشار وأخرى سنية صغيرة وثالثة كردية، تركيا تصرخ فوجود دولة كردية سورية على حدودها يؤدى إلى توسعها وتضامنها مع أكراد تركيا، انضمت تركيا إلى السعودية...

لكن ما علاقة هذا بمصر..

الخناق الذى يواجهه الداعشيون فى سوريا دفعهم للهرب إلى سرت الليبية وأصبحت سرت تشكل أكبر خطر على الأمن القومى المصرى، فهذه الميليشيات الإرهابية توجه كل شرورها الآن نحو القاهرة، لقد ازداد الخطر من ناحية الغرب وهناك آلاف من الإرهابيين يتحفزون للانقضاض علينا، ومن الطبيعى أن يكون الجيش المصرى مستعدا لهذا الخطر الرهيب.

ليتبقى السؤال الأخير..

هل تتغير استراتيجية الجيش وتوقعاته بالحروب القادمة من إسرائيل إلى ليبيا وإثيوبيا؟