منال لاشين تكتب: نصيحة السمراء لمصر

مقالات الرأي




■ اهتموا بالطبقة الوسطى.. والبنوك الأجنبية التى لا تنفذ أهدافنا لا تدخل بلدنا

 ■ احذروا من فخ الديون ولا تنسوا الزراعة والتصنيع

فيما تتجه مصر للخصخصة مرة أخري وتعرض شركاتها وبنوكها للبيع فإن إفريقيا الجديدة تسرع الخطى لتنمية بشرية مختلفة ولديها كل يوم جديد.

فكينيا لم تعد دولة الشاى ولكنها تحولت فى السنوات الماضية إلى أكبر دولة فى الخدمات المالية على التليفون المحمول، وهذا مجرد نموذج للتقدم الذى تحرزه كل يوم إفريقيا بعد عقود من الحروب الأهلية المدمرة.. إفريقيا لديها الآن سحرها وسرها الاقتصادى الخاص جداً، فهل آن الآوان أن نتعلم من إفريقيا وأن ننقل بعض وصاياها ومشروعاتها لمصر.

أسرار الأسبوع

طرح الحديد والصلب

حين أعلنت الرئاسة عن بيع حصص من شركات وبنوك فى البنوك، وضعت شرطا لاختيار هذه الشركات، وهذا الشرط هو أن يكون الطرح للشركات الرابحة فقط، وتسربت قائمة من الشركات الرابحة المرشحة لطرح حصة من اسهمها فى البورصة وعلى رأس القائمة الشركات التابعة للشركة القابضة للأغذية.

ولكن المفاجأة أن الحكومة تفكر فى طرح حصة من شركة الحديد والصلب فى البورصة للمصريين، وذلك على الرغم من أن الشركة لم تحقق حتى الآن أرباحا، ولكن فكرة الطرح جاءت للإنفاق على خطة تطوير الشركة، وهناك عدة سيناريوهات لتطوير الشركة التى تعد من أهم قلاع الصناعة الوطنية فى مصر، السيناريو الأول أن تقوم الحكومة بضخ تمويل من الموازنة العامة للدولة، ولكن نظرا لضخامة التمويل المطلوب فإن وزارة الاستثمار لم تبد حماسا للتمويل، ويرى وزير الاستثمار أشرف سالمان أن التمويل الكافى لتحويل الشركة للربحية يصل إلى 6 مليارات جنيه، بينما تعارض قيادات الشركة وبعض العاملين بها هذا الرأى وترى أن المبلغ مبالغ فيه وأن الشركة يمكن أن تتحول للربحية بفاتورة أقل من ذلك المبلغ بكثير، والسيناريو الآخر هو قبول أحد العروض الأجنبية لتطوير الشركة بتكلفة 400 مليون دولار فقط «أقل من 3 مليارات جنيه»، وتتمثل هذه العروض فى عروض من شركات صينية وروسية لتطوير الشركة، وعرضت إحدى الشركات الصينية أن تتولى الإنفاق على التطوير، مقابل أن تحصل على مستحقاتها من عوائد التطوير، وعلى الرغم من هذا العرض لم يتم البت من قبل الحكومة حتى الآن، وتميل الحكومة لقبول العرض الروسى وأن يتم تمويل فاتورة التطوير من خلال طرح حصة من أسهم الشركة فى البورصة للمصريين لزيادة رأسمال الشركة، وعلى الرغم من أن الشركة تتحق خسائر إلا أن القيمة الصناعية والوطنية للشركة قد تكون عنصر جذب للإقبال على شراء أسهمها، وحتى الآن لم تحدد الحكومة موعد الإعلان عن الطرح حيث تخشى من رفض العاملين بالشركة طرح اكتتاب عام فى البورصة حتى لو كان للمصريين فقط، وتعد شركة الحديد والصلب من أهم أوقدم شركات إنتاج الحديد وتعرضت لحملة شرسة لبيعها ولكن نظام مبارك فشل فى خطة تصفيتها.

هل تعرف عدد دول حوض النيل؟

وفى نفس الملف، ملف العودة للخصخصة اقترح بعض وزراء المجموعة الاقتصادية بيع رخصة المصرف المتحد لمستثمر أجنبى، وذلك بدلا من طرحه أسهمه فى البورصة، والمصرف المتحد مملوك للبنك المركزى، ولذلك فإن بقاءه فى حوزة المركزى يعد مخالفا لقواعد عدم تعارض المصالح، حيث لا يجوز أن يمتلك الرقيب بنكًا، وكان محافظ البنك المركزى طارق عامر قد أعلن من قبل أن المركزى سيطرح أحد مشروعاته لمستثمر استراتيجى وذلك فى إشارة للمصرف المتحد، ولكن جهات سيادية رفضت هذا الاتجاه، وفضلت أن يكون البيع فى البورصة لضمان الشفافية وتجنب مزيد من غضب المواطنين من الخصخصة، وبالفعل أعلن محافظ المركزى طارق عامر فى حوار فضائى عن طرح المصرف المتحد فى البورصة، ولكن أزمة الدولار أو بالأحرى شح الدولار دفعت بالاقتراح الوزارى، وهو الاقتراح بطرح رخصة المصرف المتحد للبيع لمستثمر أجنبى أو عربى، وذلك لتوفير مبلغ كبير بالدولار.

خاصة أن بيع رخصة بنك الإسكندرية حققت منذ 6 سنوات نحو 7.1 مليار دولار، ويتوقع أن يحقق المصرف المتحد مبلغا كبيرًا حال بيع رخصته لمستثمر أجنبى، وتعود جاذبية بيع الرخصة إلى سببين، الأول أن المركزى توقف منذ سنوات عن الموافقة على منح رخص لإنشاء بنوك فى مصر أما السبب الثانى فهو ارتفاع معدلات أرباح البنوك العامة فى مصر، وهى معدلات تفوق أرباح البنوك فى الكثير من الدول العربية والأجنبية على السواء.

ويدافع أصحاب الاقتراح بأن بيع الرخصة سيوفر لمصر أكثر من مليار دولار مرة واحدة من ناحية، كما أنه سيثبت أن مصر دولة جاذبة للاستثمار الأجنبى من ناحية أخرى.

قد لا ترى علاقة بين برنامج «من سيربح المليون» وبين علاقتنا بإفريقيا ودول حوض النيل، ولكن المتسابق المصرى فى البرنامج منذ ثلاثة أسابيع ربط بين الاثنين.

المتسابق شاب يعمل فى بنك ومثقف وأجاب عن معظم الأسئلة رغم صعوبة بعضها. حتى إنه أجاب عن سؤال عن اسم رئيس فينزويلا السابق، ولكنه خرج من المسابقة لأنه فشل فى إجابة سؤال «ما هو عدد دول حوض النيل». هذه الحلقة كانت قبل استضافة مصر لمؤتمر إفريقيا بشرم الشيخ بعدة أيام، وخلال المؤتمر وبعده فكرت طرح نفس السؤال على مصريين صحفيين ومسئولين ورجال أعمال ونشطاء، والنتيجة واحدة. لا أحد يعرف دول حوض النيل، فلماذا تهتم بنا دول حوض النيل إذا لم نكن نهتم حتى بمعرفة عدد هذه الدول الشقيقة؟ أو حتى نهتم بالقارة التى ننتمى إليها.

مؤتمر إفريقيا الذى اقيم فى شرم الشيخ حمل جانباً من إجابة السؤال الأخير، فسوء التنظيم كان سيد الموقف وقد اهتم عدد قليل جدا من رجال الأعمال بحضور المؤتمر، فضلا عن مغادرة معظم الحضور من أهل البيزنس فور مغادرة الرئيس السيسى لقاعة المؤتمرات.

رغم سوء التنظيم وحالة البرود التى سادت أجواء المؤتمر، رغم هذا وذاك فإن المؤتمر حمل رسائل مهمة وقوية من إفريقيا وقادتها ومفكريها. رسائل أشبه بالوصايا. رسائل يجب أن نستمع لها جيدا. هذه الرسائل تؤكد أن إفريقيا تغيرت، وأن القارة السوداء ينتظرها مستقبل ناصع البيضاء.

بالأرقام من بين أكثر عشرة اقتصاديات نموا، خمسة من هذه الاقتصاديات فى إفريقيا. من عام 2006 و2014 صدرت إفريقيا 62 مليار دولار، والتحويلات النقدية لأبنائها فى الخارج 117 مليار دولار فإفريقيا قارة غنية تملك المال والثروات وتنطلق بسرعة، والسرعة عامل رئيسى فى طموح إفريقيا ولذلك حرص رئيس البنك الإفريقى للتنمية الدكتور اكينومى ادنيتيا أن يؤكد فى كلمته الافتتاحية أن مصر أو بالأحرى الرئيس السيسى يسير ويتحرك بخطى سريعة.

1

إفريقيا جديدة

لم تتدهور علاقتنا مع الأشقاء فى إفريقيا فقط، وإنما تدهورت أيضا معلوماتنا عنهم. لا نعرف عن كينيا إلا الشاى الكينى، ولكن فى كينيا الآن تتم معظم الخدمات المالية من خلال المحمول وهى الأولى إفريقيا فى هذا المجال.

لا نعرف عن إثيوبيا سوى سد النهضة، ولكن إثيوبيا تقدم تجربة نجاح.رئيس وزراء إثيوبيا «هايله مريم ديساليه» حكى عن تجربتهم مع البنوك الأجنبية، وقال إنه طلب من البنوك الأجنبية الراغبة فى العمل فى إثيوبيا تخصيص 60% من حجم أعمالهم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك لأن إثيوبيا تركز على هذا النوع من المشروعات، وعندما رفضت البنوك هذه النسبة قال لهم «طيب هتفيد البلد إزاى؟»

المشروعات الصغيرة والمتوسطة هى أمل إفريقيا وليس إثيوبيا ومصر فقط.

من بعض أهم التغييرات فى إفريقيا قادتها وهى ملاحظة تكررت أكثر من مرة فى المؤتمر، ومما سمعته من الرؤساء والقادة فهذه الملاحظة فى محلها تماما، فى أول جلسة نقاشية مع رؤساء إفريقيا، والسؤال كان محبطاً.. نحن نستقبل عام 2016 على أزمات اقتصادية انهيار سعر النفط ركود اقتصادى، وأعجبنى جدا رد رئيس الجابون على بونجور، فقد قال «بالنسبة لى لا أتذكر أى عام بدأ بداية ودية، ولذلك سنعمل فى مسارنا، ونحن معتادون على معالجة مشاكلنا» وردا على سؤال آخر قال بونجور: «أنا متفائل بطبعى ولو لم نكن متفائلين لما حققنا ما وصلنا إليه»

رئيس غينيا الاستوائية....قلل من خطورة انهيار أسعار النفط، فلديه بدائل، وعلى رأس البدائل صيد الأسماك وبيزنس الغابات وتنمية الصناعة والمناطق الريفية.

2

فخ الديون

هناك وصيتان كانا الأكثر تكراراً فى المؤتمر على لسان العديد من رؤساء وقادة ورجال أعمال ومفكرين. الوصية الأولى الاهتمام بالطبقة المتوسطة. لأنها الطبقة القادرة على شد قطار التنمية فى إفريقيا فهى الطبقة التى تستخدم المحمول وتزيد الطلب على السلع والخدمات، وهى الطبقة القادرة على توفير الخبرات والمهارات التى تتطلبها إفريقيا، ولكننا فى مصر نضغط على هذه الطبقة أو بالأحرى بقايا الطبقة الوسطى، وزيادة الطلب على السلع والخدمات فى إفريقيا ارتبط بنمو الطبقة المتوسطة، وبالتالى نمو الطلب على السلع والخدمات، فى إفريقيا 2 مليار مستهلك، و720 مليون مواطن يستخدمون المحمول، ولذلك فإن الاهتمام بالطبقة الوسطى سيؤدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.

أما الوصية الأخرى فتتعلق بالديون. أو بالأحرى الوقوع فى فخ الديون، وهى وصية يستحسن أن تستمع لها مصر جيدا، وقد وقعت إفريقيا من قبل فى فخ الديون، وشبح الأزمة يطاردها الآن خاصة مع تغير أسعار صرف الدولار. لأن زيادة سعر الدولار فاقمت ديون إفريقيا، وهناك مؤسسات دولية عديدة تعمل على إغواء إفريقيا بتقديم الديون، وقد شارك رجل الأعمال د. أحمد هيكل فى التحذير، وقدم فكرة أن يتولى القطاع الخاص الإقراض بدلا من الحكومات.لأن ديون الحكومات زادت عن الحدود الأمنية.

3

من يكتب القصة

من بين أبرز الحضور المفكر الاقتصادى الإفريقى كارلوس لوبيز. كارلوس ينظر إلى الأزمة العالمية على إفريقيا بمنظور آخر، فهو يرى أن قصة نجاح إفريقيا فى السابق كتبت بأيدى أوروبا، والمنظور الأوروبى لقصة النجاح مبنى على نمو الطلب على السلع والخدمات نتيجة نمو الطبقة الوسطى، وما يطرح كارلوس هو أن قصص النجاح الإفريقية الجديدة تكتب بأيدى أبنائها، ومن منظور المصلحه الإفريقية والفرص فى القارة.

من هذا المنظور يرى كارلوس الفرص فى التنمية الزراعية ويوصى كارلوس بفكرة النمو مع الجودة، والتركيز على الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة، ويرى أن إفريقيا تصدر سلعا لا تزال مهمة.. الذهب البلاتين القهوة بل إن 80% من الفحم العالمى تصدره إفريقيا.

وعلى الجانب الآخر يرى كارلوس لوبيز أن هناك تحديا. الضرائب أو بالأحرى تحصيل الضرائب لا يزال تحديا، 17% فقط فى إفريقيا يدفعون الضرائب، وهى مشكلة تعانى منها فى مصر، وبحسب كارلوس المسألة هنا لا تتعلق بالفقراء فقط الجميع لا يدفع الضرائب. هناك تحديات أخرى فى إفريقيا.مثلا حجم التجارة بين دول إفريقيا لا يتجاوز 16%، وتمثل التجارة الإفريقية 2% فقط من التجارة العالمية.

4

اذهب إلى إفريقيا

من الأخبار الجيدة فى المؤتمر أن الطلب على المصريين بإفريقيا لا يزال مرتفعا، خاصة الخبراء والمهندسين، ففى كل إفريقيا لا توجد سوى مصر وجنوب إفريقيا القادرة على إمداد القارة بالمهندسين والخبراء والحرفيين، وهناك دول أخرى لديها مهندسون وخبراء، ولكنها لا تستطيع توفير الطلبات فى إفريقيا، ولذلك بدلا من «المرمطة» على أبواب سفارات أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى، وبدلا من دفع عشرات الألوف من الجنيهات للسفر على سفن الموت. بدلا من هذا وذاك فإن التوجه لإفريقيا يوفر مستقبلاً جيداً للكثير من المصريين، والقطاع الخاص المصرى الذى ذهب إلى إفريقيا يؤكد نجاح التجربة.

فى المؤتمر استعرضت ثلاث شركات مصرية تجاربها فى إفريقيا.. القلعة والسويدى وهيرمس، وهناك اتفاق على أن الربحية فى إفريقيا من أعلى معدلات الربح فى العالم. بالإضافة إلى ذلك هناك منح وقروض ميسرة كثيرة جدا لإنشاء المشروعات بالقارة، ولذلك فالأموال متوافرة والطلب على السلع والخدمات والمشروعات مرتفع، ولذلك فإن فرص الربح فى إفريقيا شبه مضمونة. اذهبوا إلى إفريقيا انظروا للجنوب فالسمراء قادرة على تغيير حياتكم.