مصطفي سعيد ياقوت يكنب: "الحياة و تجاربها"

ركن القراء

بوابة الفجر

الحياة و تجاربها
"لا حدود لقسوة الحياة و تجاربها". هذه هي الحقيقة التي لا تقبل أي  سجال أو جدال. فلا تتوقع لنفسك أن تعيش في الجنة و نعيمها طالما تستنشق رئتيك الأكسجين و تزفر ثاني أكسيد الكربون.

ستظل يوماً بعد يوم تخرج من تجربة إلى تجربة و من امتحان الى امتحان; قد تجد تجربة مريرة و أخري سعيدة, تجربة طويلة و أخري عابرة, تجربة ممتعة و أخري مملة,.....الخ. ستختلف التجارب التي تمر بها في أنواعها و طريقة تفاعلك معها و لكنك في كل الأحوال لن تكون خاسراً حتى و إن بدا لك في وقتها عكس ذلك. قد تخسر مالاً أو وظيفةً أو رفيقاً أو عزيزاً.....الخ, لكنك لن تكون بعد التجربة مثلما كنت من قبل أو هكذا يجب أن تكون.

للأسف, هذا لا يحدث دائماً على أرض الواقع لأنك تجد الكثير ممن يمرون ببعض التجارب القاسية, يستسلمون و ينهارون من أول جولة. مثل هؤلاء لم يدركوا يوماً الماهية الحقيقية للحياة و أن حياتنا ما هي إلا مجموعة تجارب متعاقبة تنتج عنها خبرات حياتية متنوعة. مثل هذا التنوع في الخبرات يمثل فيما بعد تجسيد لشخصياتنا و كيفية تناولنا للأمور في المستقبل.

بكلمات أخري, كلما مررت بتجارب أكثر في حياتك كلما ازدادت خبراتك الحياتية و اختلفت نظرتك في تناول الأمور و أصبحت أكثر نضجا في معالجتها.

و لتعلم يقيناً أن عقارب الساعة لم و لن ترجع للوراء في يومٍ من الأيام, و هكذا يجب أن نكون جميعاً; "في وضع الحركة للأمام دائماً, بلا تهاون أو تراخي, بلا تَعَجُّل أو تهور". الدنيا لن تقف عليك إذا وقفت أنت مكانك متعللاً بفقدانك أغلى ما تملك. لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء لتعيد إليك وظيفتك أو حبيبتك, و لن تمتلك البلورة السحرية لتري فيها مستقبلك و نتيجة قرارتك التي تتخذها الآن. كل هذا لم و لن يحدث, فلم نسمع عن أحاديث الماضي تعيد هذا الماضي إلينا أو تغير فيه شيئاً و أيضاً لا ينبغي علينا أن نؤمن بكلام العرَّافين و الدجَّالين عن المستقبل فهذا كبيرة من الكبائر.

إذا أقنعت نفسك يوماً أن الوقوف "محلك سر" هو الحل لمشكلة من المشكلات فأنت مخطئ لا محالة, فالحياة لم تتوقف مع انهيار حضارات عريقة دامت آلاف السنين و لم تتوقف بموت الأنبياء و لم تتوقف مع كل ما يحفل به التاريخ البشري من الصراعات و الحروب الدموية. لم و لن تتوقف الحياة يوماً لفقدان شيء مهما علت قيمته أو شخص مهما بلغت منزلته. 

إنه الحاضر و الحاضر فقط الذي يجب أن نعيشه و بكل قوة, إنه الحاضر الذي يجب أن نحياه بكل جوارحنا و بكل ما نملك من طاقة إيجابية نحو التغيير.

طريقة تناولك للأمور و كيفية مواجهتك للتجارب التي تمر بها هي وحدها التي ستحدد مستقبلك و هي وحدها الماضي الذي ستسرده في المستقبل لأحفادك عندما تصير هذه التجربة و غيرها من ذكريات الماضي. تحلّْ دائما بالشجاعة و الصبر و تعقَّل دائماً في كل أمورك و لا تُغَلِّب أبداً قلبك على عقلك فيختل ميزان حياتك.

اعتمد على نفسك, فهي الوحيدة التي تمتلك كل مفاتيحك و تعرف كل نقاط قوتك و ضعفك, و هي الوحيدة التي تعلم ماضيك بكل تفاصيله و تتمنى لك مستقبل أفضل بكل إخلاص. اعتمد على نفسك و لا تضعف و لا تتخذ الظروف حجة جاهزة لفشلك و ضعفك, فآلاف الأشخاص الناجحين الذين وقفوا في وجه الظروف المعاكسة و حولوا فشلهم إلى نجاح لم يتركوا لنا أدني حجة في أن نفشل أو أن نضعف.

ابدأ بداية جديدة و خض التجارب متحلياً بحكمة لقمان و صبر أيوب و لا تخرج منها خاسراً, مما سيجعلك تتباهي في المستقبل بما تملك من خبرات, لم تكن في الأساس إلا تجارب مريرة في حينها.

و في النهاية تبقى لي كلمة:

إذا لم تواجه الصعاب في حياتك و لم تمر بالتجارب حلوها و مرها فكيف يكون التمييز بين السراء و الضراء و كيف ستشعر بالسعادة بعد الشقاء.