منال لاشين تكتب: توابع إعدام الجنيه

مقالات الرأي



القرار صدر قبل شهر من اجتماع «الصندوق»

■ زيادة عجز الموازنة 56 مليار جنيه.. والدين الخارجى زاد بـ 11 مليار دولار 
■ مسئول بصندوق النقد: سألنا المحافظ عن تعويم الجنيه وكان رده إيجابياً جداً 
■ لأول مرة المركزى يثبت سعر العملة للمستثمرين الأجانب فى سوق أذون الخزانة

(مات الجنيه وألف رحمة ونور عليه التحقيقات ف المركزى بتقول دى موتة ربنا والشائعات بتقول: غلط دا انتحار الأمر جد ما فيش هزار  مات الجنيه وألف رحمة ونور عليه  كان الفقيد  راجل شديد وكان زمان بيجيب دهب  ويشيل حديد وفى آخر العمر المديد سموه: حمام لأنه كان بيطير أوام لكن سقط من غير وداع من غير كلام مات الجنيه وألف رحمة ونور عليه ننعيه إليكم بينما نتمنى للسيد دولارطول البقاء والانتشار ف جميع بوتيكات البلد ف جميع محلات اللعب وف كل أسواق الخضار)

هذه الأبيات من قصيدة نعى الجنيه للشاعر الكبير جمال بخيت، عندما نعى بخيت الجنيه كان سعره فى مواجهة الدولار يراوح 2 جنيه، والآن بعد رفع البنك المركزى الدولار 112 قرشا مرة واحدة، ووصل سعره إلى التسعة جنيهات يصعب على أى كاتب أن يجد كلمات مناسبة (إعدام)، تعويم الجنيه حتى إغراقه ففى النهاية نعى بخيت هو الأقوى. وقد كنت أتمنى أن يكون محافظ البنك المركزى طارق عامر فى مصر لحظة إطلاق النار على الجنيه، حتى يكون حاضرا فى لحظة تاريخية. ولكن توابع القرار ستستمر فترة طويلة، وكلها توابع كارثية.

1

خسائر مبدئية

خطايا كثيرة، لكن التصريحات الرسمية جاءت لتخفيف الآثار المدمرة للقرار. وزير المالية قال إن الأعباء على الموازنة حوالى 10 مليارات جنيه بالنسبة للدعم. بعد ثورة 25 يناير وخلال تولى الدكتور فاروق العقدة للبنك المركزى، أجرى المركزى حسبة أو دراسة بسيطة حول أثر رفع الدولار على واردات مصر. والنتيجة أن رفع سعر الدولار قرشا واحدا يؤدى إلى زيادة فى حجم الواردات 500 مليون جنيه. والنتيجة الحقيقية للرفع 112 قرشا هى زيادة الواردات 56 مليار جنيه، وليس عشرة مليارات فقط، على أن الآثار السلبية للرفع المميت للجنيه تتعدى الواردات. فالرفع يزيد من حجم مديونية مصر التى تجاوزت 2 تريليون جنيه، خاصة فيما يتعلق بزيادة أعباء الدين الخارجى الذى يتم حسابه بالدولار. وقد زاد الدين الخارجى بنسبة 14.5%. وعندما نعلم أن الدين الخارجى للحكومة والهيئات، فإننا نتحدث عن نحو 11 مليار دولار (نحو 100 مليار جنيه). لا يجوز أن يقصر وزير المالية الآثار على ما ندفعه خلال ستة أشهر أو حتى عام من اقساط وفوائد الدين الخارجى. لأن زيادة حجم الدين فى حد ذاتها كارثة اقتصادية، كارثة تؤثر على صورة الاقتصاد المصرى وتقييمات المؤسسات المالية الدولية للاقتصاد، وبالمثل يؤثر حجم الدين على تصنيف مصر الائتمانى، وارتفاع درجة المخاطر. ومن ثم ارتفاع أسعار القروض التى تحصل عليها مصر.

هذه الفاتورة بالنسبة للحكومة هى فاتورة مبدئية ومرشحة للزيادة.

أما المواطن العادى فالآثار الكارثية أكبر من أن يتحملها وحده. خاصة المواطن الذى لا يملك سوى دخله لأن ارتفاع الأسعار لن يكون هينا، ولا يمكن تمريره بزجاجة زيت إضافية على بطاقة الخبز أو رفع قيمة نقاط الخبز. نحن نتحدث عن هجمة رفع أسعار من الدواء للسمن، ومن الموبايلات للسيارات، فضلا على الحلويات والمكرونة وعشرات بل مئات الأصناف من السلع. التوقع بارتفاعات مجنونة دفع أحد مسئولى الحكومة لاقتراح مهم. وهو تهديد التجار بتطبيق المادة العاشرة من قانون المنافسة عليهم. وهذه المادة تمنح الحق فى تحديد أسعار السلع الاستراتيجية بشكل مؤقت. لكن حكومة رجال الأعمال لم تأخذ قرارا فى هذا الاتجاه حتى الآن. فهى حكومة تكره الفقراء والطبقة المتوسطة.

والمودعون فى البنوك خسروا خسارة مضاعفة، خسارة زيادة الأسعار وانخفاض دخله من ناحية، وخسارة متمثلة فى انخفاض مدخراته أو ودائعه من ناحية أخرى. ولذلك فان من باب العدل أن يتم زيادة سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصرى، وان تكون هذه الزيادة مؤثرة لتعويض أصحاب الودائع.

وبعد قرار الإعدام بيوم أطلقت البنوك العامة شهادة جديدة بعائد 15%، ولكن هذه الشهادة لم يستفد منها إلا أصحاب الدولار فى مصر. ويتوقع الكثير من الخبراء أن سر اجتماع لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى القادم عن زيادة فى سعر الفائدة.

وفى حالة زيادة سعر الفائدة فإن الكثير من البنوك سوف تتجه لرفع سعر الفائدة على أذون وسندات الخزانة المصرية. وفى هذه الحالة ستتحمل المالية أو بالأحرى الموازنة العامة للدولة أعباء مالية أخرى. هذه الأعباء أو الزيادة فى العجز يصعب تحديدها بدقة الآن. ولكن يكفى الإشارة إلى ما حدث خلال تعويم الجنيه الأولى فى عهد حكومة الدكتور عاطف صدقى. فى ذلك الوقت وصل سعر الفائدة على أذون الخزانة نحو 18%. وهذا السعر يمثل نحو ضعف سعر الفائدة الآن.

2

أسرار الموت المفاجئ

قرار تخفيض أو إعدام الجنيه صدر فى غيبة محافظ البنك المركزى طارق عامر عن مصر. فالمحافظ لم يشارك فى جنازة الجنيه، وذلك على الرغم من أن القرار صدر بعلمه، وإن كان يصعب القول إن القرار يخص طارق وحده أو بالأحرى انه صاحب القرار الوحيد فى هذه المسألة. طارق يقوم بجولة خارجية لجذب مستثمرين أجانب للاستثمار فى أذون الخزانة المصرية. وهذا الطريق هو أسرع طريق لزيادة الاحتياطى النقدى للمركزى من الدولار. وبعد ثورة 25 يناير فقد الاحتياطى النقدى 15 مليار دولار بخروج المستثمرين الأجانب من سوق الأذون.

وبسبب الوضع الصعب جدا للاقتصاد يطرح المحافظ فى جولته ولأول مرة فى مصر البيع بنظام (أوبشن). وهذا النظام يضمن للمستثمر الأجنبى فرصة تثبيت سعر الدولار عند الخروج من السوق المصرية. وبحسب النظام يضمن المركزى للمستثمر خروج أمواله بالدولار، وبسعر صرف لا يجعل المستثمر يتحمل خسائر أو مغامرة انخفاض أمواله. المقابلات التى يجريها طارق عامر الآن ليست سببا فى إصدار قرار التخفيض فى هذا التوقيت. وبحسب مصادر فإن ثمة لقاءات أخرى قد تكون السبب. فقد جرى لقاء بين طارق عامر وبعثة صندوق النقد التى زارت مصر منذ أسابيع. وخلال اللقاء جرى سؤال المحافظ حول تعويم وتخفيض الجنيه، وبحسب مصادرنا فإن رد المحافظ كان مرضيا لمسئولى الصندوق.

لكن ثمة لقاءات قادمة أكثر أهمية. وفى الغالب فإن هذه اللقاءات هى السبب المباشر فى توقيت خفض الجنيه. وهى لقاءات محافظ البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية فى اجتماعات الربيع. وهى اجتماعات للبنك الدولى وصندوق النقد. وتعقد هذه الاجتماعات أو بالأحرى اللقاءات فى شهر إبريل المقبل. وبالطبع ضبط سعر الصرف أو تعويم الجنيه من المطالب الدائمة للصندوق، وبالمثل تعويم الجنيه أو خفضه بقوة هو شرط من شروط حصول مصر على قرض من الصندوق. ولذلك اعتبر بعض الخبراء خبر الخفض مؤشرا رئيسيا من مؤشرات اقتراب مصر من طلب قرض الصندوق. كما لاحظ خبراء أن بيان المركزى عن قرار الخفض كان فضفاضا ويفتح الباب أمام احتمال خفض آخر متوقع للجنيه، أو رفع مستبعد للجنيه. فالباب مفتوح لكل الاحتمالات.

3

السعر العادل للمرحوم

حتى أيام قليلة مضت كان المحافظ طارق عامر يدافع عن المرحوم الجنيه، ويؤكد أن سعر الدولار ليس عادلا. وأن الجنيه لم يجد العدل فى السوق السوداء، وبعد خفض الجنيه بنسبه 14.5% فإن الحديث عن سعر عادل يبدو مخاطرة كبرى. فالمحافظ يستخدم كل أوراق الضغط بسرعة شديدة. ويلام المسئول على نشاطه أو سرعته. ولكن المحافظ يجب أن يتعامل فى معركة السوق السوداء بحرص بالغ. وهذا الحرص يجب أن يتضمن توقيت استخدام أدوات وأوراق الضغط التى يملكها محافظ البنك المركزى، ومع كل قرار أو إجراء اتخذه المحافظ طارق عامر فإن التأثير على السوق السوداء كان محدودا ومؤقتا. وبعد ذلك يعاود الدولار الارتفاع فى السوق السوداء.لأننا نهتم بالعرض ولا نعالج المرض فارتفاع الدولار أو شحه هو مجرد عرض لمرض.

ولا شك أن بطء الحكومة وفشلها فى تنشيط الاقتصاد هو المرض، ولا يوجد أى مؤشر لأن المرض قد انتهى، أو أننا حتى بدأنا رحلة علاجه. فالاستثمارات الأجنبية منهارة والسياحة تنافسها فى انهيار إيراداتها. ومن هنا خطورة سرعة خطوات عامر نحو التخفيض أو التعويم، وبالمثل من هنا تكمن زيادة الدولار بـ112 قرشا مرة واحدة. فاذا لم يكن لديك اقتصاد متحرك ونشط، وإذا لم يكن لديك فرصة للحصول على الدولار إلا من الاقتراض، فأنت إذن لا تملك ضماناً ألا يرتفع سعر الدولار، أو بالأحرى يقفز مرة ثانية وثالثة فى السوق السوداء. وهذه مغامرة كبرى أتمنى ألا نخسر هذه المغامرة. فالخسارة ستكون فادحة على جميع الأطراف. وأتمنى ألا تكون الورقة الرابحة الوحيدة فى أيدى المحافظ طارق عامر هى قرض صندوق النقد. أو قروض قادمة من زيارات وأعمال وزيرة التعاون الدولى الدكتورة سحر نصر.

على بلاطة أتمنى أن تكون لدى مصر أدوات اقتصادية تنبع من الحكومة بشكل عام والمجموعة الاقتصادية بشكل خاص. لأنه بدون تنشيط الاقتصاد وجذب استثمارات أجنبية بسرعة، فإن قرار إعدام الجنيه سيؤدى فعليا إلى المخاطرة بكتابة شهادة وفاة للاقتصاد المصرى. وربنا يستر.