عادل حمودة يكتب: المؤامرة مستمرة

مقالات الرأي



نجونا من سرطان الإخوان فهل نموت بأنفلونزا الطيور؟

■ احتاجت المؤامرة على العراق 12 سنة قبل تقسيمه واحتاجت 39 سنة قبل تفكيك ليبيا واحتاجت 5 سنوات و12 مليون لاجئ ونصف مليون قتيل ومليارات الدولارات قبل سقوط سوريا.. فلماذا نتصور أن المؤامرة على مصر انتهت بعد سنتين فقط..؟ المؤامرات لا تمل من الجلوس فى غرف الانتظار

■ هناك دول عربية انحازت لجذورها الدينية والعرقية مثل سلطنة عمان لعبت دورا مضادا للعروبة ونقلت السلاح الإيرانى لليمن واستقبلت وفودا أجنبية لتضع دستور تقسيم ليبيا هناك

■ أمراض لم تشف منها الدولة المصرية: نقص الكفاءات.. تغليب الاعتبارات الشخصية.. وصراعات المؤسسات على مزيد من السلطات

■ نقص المعلومات يجعل الإعلاميين والصحفيين يضربون فى الظلام وعلينا توفيرها لهم قبل محاسبتهم

■ مطلوب حوار وطنى يديره الرئيس يكشف ما يمكن من الصورة التى يعرفها بمفرده بجانب ما يمكن أن يساهم به كبار المسئولين

هل نفاجأ لو وضعت امرأة حامل طفلا؟.. هل نفاجأ لو مات رجل أطلق على رأسه رصاصة؟.. هل نفاجأ لو رسب طالب لم يدخل الامتحان؟

لو كانت الإجابة تتفجر نفيا بديهيا يثير السخرية ممن يطرح مثل هذه الأسئلة فلم فوجئنا بإعلان دولة كردية مستقلة فى سوريا؟

لقد رأينا سكين التقسيم يخترق لحم الدولة السورية وشاهدناه يمزقها قطعا ورغم ذلك صدمنا.. وذهلنا.. واندهشنا.. وكأننا كنا نتوقع نهاية مختلفة للحرب الأهلية الممولة عربيا والمدعومة دوليا.. إن النهايات السعيدة لا تحدث إلا فى السينما المصرية التى شكلت عقلية تحليلنا السياسى وسيطرت على توقعاته.

إن أصغر طالب علوم سياسية فى بيروت يعرف ــ منذ شهور بعيدة ــ عنوان مكتب تمثيل الدولة الكردية الذى افتتح فى موسكو قبل شهور ــ بجوار السفارة السورية ــ ويرسم خريطة تقسيم سوريا على مائدة المقهى الذى يدخن فيه.. أو يتناول كأسا.. أو يمسك بيد صديقته.

لكننا.. فى مصر مشغولون بما هو أهم وأخطر.. براءة كومبارس فى قضية آداب.. زلة لسان وزير.. والمشروب السحرى للتخلص من دهون البطن.

على أننا فى ظل حالة الغيبوبة التى نعيشها أخشى أن نستيقظ يوما لنفاجأ بضياع الدولة المصرية.. وقبل ذلك.. أخشى أن تعتبر ما أقول نوعا من الصداع الممل.. تجاوزناه بعد إسقاط الإخوان.. فالمؤامرات تجلس طويلا فى غرفة الانتظار.. وربما بالسنوات.

لقد صبرت المؤامرة الدولية على العراق أكثر من 12 عامًا قبل أن تنجح فى تحطيمه وتشريده وتقسيمه.. وضعت المؤامرة يوم غزت قوات صدام حسين الكويت فى صيف 1990.. ونشطت بإطلاق صواريخ على إسرائيل.. لكنها.. انتظرت حتى ربيع 2003 لتفرض نفسها أمرا واقعا وبحكايات «مفبركة» عن النووى والكيماوى تنافس ما نقرأ فى «ألف ليلة وليلة».

وخلال سنوات حكم رونالد ريجان «1981 ــ 1989» لم تتوقف المخابرات الأمريكية عن محاولات الإطاحة بـ معمر القذافى.. أكثر من 30 سنة مؤامرات على ليبيا حتى نجحت آخرها فى أكتوبر 2011.

وستفاجأ لو كشفت لك أن خبراء أمريكيين يضعون دستورا جديدا لليبيا يعترف بتقسيمها إلى ولايات مستقلة.. وستفاجأ أكثر لو عرفت أن ذلك يحدث فى سلطنة عمان التى نشط فيها تهريب السلاح الإيرانى إلى اليمن لدعم الجانب المضاد للتحالف العربى فى الحرب الدائرة هناك.. لينتهى الصراع المسلح ــ مهما طال ــ إلى مفاوضات تفرض على البلاد التقسيم.

واحتاجت سوريا خمس سنوات و12 مليون لاجئ ونصف مليون قتيل و30 مليار دولار أنفقت على الحرب الأهلية حتى أعلن تقسيمها.

المؤامرات تطبخ على نار هادئة.. ولو عانت من الفشل مرة أو أكثر فإنها لا تستسلم لليأس.. فما الذى يجعلنا مطمئنين فى مصر إلى أنها فقدت صلاحيتها.. وتراجعت عن عنادها.. واستسلمت لفشلها؟

إن السكون لا يعنى أن العاصفة لن تهب.. والصمت لا يعنى أن الخرس أصاب اللسان.. والخطة التى كشفت لا تعنى أن المؤامرة قتلت.. وانتهت.. وإنما يعنى أنها ستأتى إلينا فى ثوب جديد.. وماكياج مختلف.. وأسلوب غريب.

بل.. ربما.. ننفذ نحن المؤامرة ــ فى صورتها الأخيرة ــ دون أن ندرى.. فما يحدث على السطح من صراعات إعلامية وشائعات سياسية واختناقات اقتصادية واهتمامات اجتماعية وهمية قد يكون أولى خطوات التنفيذ.. فانقسامات المواطنين تسبق ــ دائما ــ تقسيمات الوطن.

لقد تسلم جمال عبد الناصر من الملك فاروق دولة متماسكة.. وسلمها بنفس القدر من التماسك إلى أنور السادات.. لتصل دون ضعف يذكر إلى مبارك.. كل ما تغير من حاكم إلى حاكم كان النظام وليس الدولة.. لكن.. الدولة بعد ثلاثين سنة من حكم مبارك ضعفت وفسدت وضرب فيها السرطان إلى حد أنها سقطت بتظاهرات لم يشترك فيها أكثر من نصف مليون شخص قادهم ما لا يزيد على 40 ناشطًا.

انهارت الشرطة.. فتحت السجون.. سيطر اللصوص.. دمرت محاكم.. خربت كنائس.. نهبت محلات.. وحرقت سيارات الجيش فى الشوارع.. ونشرت وثائق أمنية شديدة السرية.. ودخلت تنظيمات غير شرعية ــ مثل جماعة الإخوان ــ طرفا فى التفاوض على الحكم حتى استولت عليه.

وعندما تعانى دولة ما من هذه الأعراض فإنها بلا شك تكون قد وصلت إلى مرحلة التحلل والتفكك وكأنها رماد سيجارة.

ولا جدال أن من السهل تفكيك دولة ولكن من الصعب إعادتها إلى ما كانت عليه بسهولة.. ولا يكفى أن نرى المظاهر الخارجية للدولة كما نعرفها لنعتقد أنها استردت عافيتها.. ورجعت إلى ما كانت عليه.

فالشرطة لم تستقر نفسيا.. لا يزال أفرادها يتأرجحون بين جبروت سابق وواقع مختلف يفرض عليهم حسن المعاملة.. الشهداء الذين تقدمهم كل يوم يفسد تضحياتهم عناصر منها بتجاوزات جنائية وقانونية متكررة.

والحكومة التى عليها حل مشاكل مزمنة فى كل المجالات لا تجد الكفاءات المناسبة لها.. إن المستشار أحمد الزند ــ مثلا ــ بدا نموذجا واعدا لإصلاح مرفق العدالة.. لكنه.. بدلا من أن يخفف الضغوط على النظام ضاعف منها.

ولا أحد ــ مثلا ــ يقيم بدقة أسلوب محافظ البنك المركزى طارق عامر فى تعامله مع أزمة الدولار، فنحن أمام أكروبات فى سيرك لا نعرف هل تنتهى بالانتحار أم ستجلب التصفيق والإعجاب؟.. وإن كانت النتيجة حتى الآن غير مريحة.. انخفاض حاد فى قيمة الجنيه.. والتهاب حاد فى الأسعار.

وغالبا.. ما يكون اختيار شاغلى المناصب المهمة خاضعا للاعتبارات الشخصية.. بجانب رغبة حادة فى البحث عن جيل جديد يدعم النظام إعلاميا دون التأكد من موهبته أو خبرته أو قدرته على تجاوز من سبقوه.

وليس كل من سبقوه يستحقون التقدير.. فتضخم الذات أشهر العيوب.. وجنون العظمة يفرض نفسه كل مساء علينا جميعا.. ولو اتصل الرئيس تليفونيا بواحد من نجومه غضب أشد المدافعين عن النظام وربما تغيرت مواقفهم.. فالدفاع ليس على مبدأ بقدر ما تغذيه متاعب النرجسية بخبز يومى مصنوع من الضوء.

ويشاع فى مقالات الرأى وبين كتاب الأعمدة وعلى مقاهى المثقفين أن ليس هناك دولة واحدة وإنما أكثر من دولة وأن هناك صراعات خفية بين مؤسسات وأجهزة متنوعة.. وفى ظنى أن ذلك ليس صحيحا.. ولا يزيد عن خيالات شائعة.. أما التفسير الحقيقى فهو أن غياب الدولة فى سنوات قريبة مضت أثار شهية البعض فى التهام صلاحيات وسلطات خارج حدود مؤسسته أو جهازه وعندما عادت الدولة بدت عملية إعادة ما سلب نوعا من الصراع.. ولو صح ذلك فإنه يحتاج وقتا لعودة الحدود إلى ما كانت عليه.

ولاشك.. أن هناك من يستغل الأعراض السلبية لتعافى الدولة فى التشهير بها.. والسعى إلى تحطيمها.. فعندما تسرب خبر عن إعادة التحقيق فى قضية التمويل الأجنبى للجمعيات الحقوقية وجدنا ــ بعد ساعات قليلة ــ تصريحا سلبيا لوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى عن حقوق الإنسان فى مصر.. وكأن تصريحه كان جاهزا ينتظر إشارة ما من القاهرة.. ولست أشك فى أن الإشارة خرجت بحسن نية.. لكن.. الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة.

لم تبرأ الدولة فى مصر مما أصابها.. لا تزال فى مرحلة نقاهة.. فما تعرضت له فى سنوات يصعب علاجه فى شهور.

لكننا.. بغرور لا نعرف مبرره نضربها على ضعفها.. ونطالبها الآن بما لا تستطيع.. وبما لا تقدر.. إلا بعد حين.

والنتيجة.. أننا نهدها متصورين أننا ننتقدها.. ونتربص بها وكأنها أصبحت فى كامل لياقتها.. دون أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لها سوى السخرية وضربات السواط الحادة والمؤلمة.

وربما.. لا ننتبه إلى أننا بما نفعل نؤدى إلى ضرب الدولة.. وتفكيكها.. وربما هدمها وتقسيمها.

كل ما هو مطلوب منا أن نسترد الشعور بالخطر على الدولة وأن يلازمنا هذا الشعور ونحن نكتب أو نتكلم أو ننتقد أو نختلف.. فلن نتحمل تبعات تكرار تجربة سوريا أو ليبيا أو اليمن فى مصر.. وهى ليست تجارب بعيدة علينا.

ولو كان سقوط الإخوان أنقذ مصر من مصير دول عربية أخرى، فإن المؤامرة قد تأخذ شكلا آخر مختلفًا.. إثارة الأزمات الداخلية بعد أن نجحوا فى خلق اختناقات اقتصادية.. سياحة ضائعة.. انخفاض فى سعر البترول أدى إلى نقص إيرادات القناة وتجميد مساعدات الدول العربية الصديقة.. أزمة فى العملات الصعبة تهدد بالتضخم وزيادة دعم الطعام والوقود.. وكلها أعراض تنتهى إلى دولة فاشلة إذا لم تعالج بحكمة وخبرة.. والهدف خروج الشعب من جديد إلى الميادين ليسقط النظام تمهيدا لإسقاط الدولة.

إن الحديث عن المؤامرة أصبح حديثا ساخرا.. ما أن يتكرر حتى تفاجأ بالقول: أين هى المؤامرة؟.. لقد مر نحو عامين على وجود النظام القائم ولم يحدث شىء.. وكأن المؤامرة إذا لم تحدث اليوم لن تحدث غدا.. وإذا لم تحدث بعد شهور لن تحدث بعد سنوات.. من جديد عودوا إلى طول صبر المؤامرات على الدول العربية التى سقطت.

وما يثير الحزن أن الدول العربية انقسمت على نفسها قبل أن تنقسم أرضها.. إن النعرات المذهبية فرضت نفسها على الاتجاهات القومية.. الشيعة يدعمون إيران.. والسنة يدعمون السعودية.. لم نعد عربا.. أضرمنا النار فى السجادة التى نجلس عليها من المحيط إلى الخليج.. تبارينا فى سكب البنزين.. واستمتعنا بمشهد حرق بعضنا البعض.

وفى ظل هذه الحالة المتعصبة من الاستقطاب تحاول مصر النجاة بنفسها من التورط فى صراعات تدرك أنها ستنتهى بخسارة الجميع ولو بدرجات مختلفة ومهما كان المنتصر.. وبسبب هذه السياسة الحذرة تغيرت مواقف دول عربية صديقة منها.. ويصعب التورط فى التفاصيل حتى لا نزيد الطين بلة.. فنحن مع إزالة الخلافات لا مضاعفتها.

لكن.. كثيرًا من نجوم الإعلام لا يقدرون الموقف تقديرا سياسيا دقيقا.. وينتقدون تلك الدول الصديقة التى يحسب لها ــ على الأقل ــ أنها وقفت وساندت ودعمت وأيدت وسهلت اعتراف دول عديدة بنظام ما بعد يونيو.. يصعب إنكار ذلك.. ويستحيل نسيانه.. ولو تغيرت الظروف فإن البقاء على ما بيننا وبينها أمر يجب الحفاظ عليه.

ورغم أن الانتقادات التى توجه لتلك الدول انتقادات فردية فإنها تأخذها بحساسية.. وتتصور أنها موجهة من السلطة العليا.. خاصة أن بعض المنتقدين لهم صلات صحفية بمؤسسة الرئاسة.. ومهما كان الشرح والتبرير فإن لا أحد يصدق أن الأمور خالية من التوجيه.

وكل ما هو مطلوب فى هذه الظروف الحرجة أن نحسب جميعا ما نقول.. بالكلمة.. وربما بالحرف.. كما أن التقديرات السياسية يجب أن تسبق الاعتبارات الأخرى.

إن وضعنا صعب جدا.. بل ربما نقول إنه حرج.. وضعنا يحتاج إلى قليل من الكلام.. كثير من العمل.. يحتاج إلى أن نتجاوز المصلحة الشخصية إلى المصلحة العامة.. يحتاج إلى التوحد لا إلى التمزق.. يحتاج أن نخفف الشعور بالنرجسية والنجومية الذى يسيطر على كل من يمسك بقلم ويكتب أو يخرج علينا أمام الكاميرات ويفتى.

وفى المقابل نجد النظام مقصرا فى الكشف عمَّا لديه من معلومات تؤكد استمرار الخطر على البلاد.. لا نطالبه بمعلومات تزيد الأمور سوءًا.. وإنما بمعلومات تدعم ما يشير إليه من أخطار بجمل إنشائية.. توحى أكثر مما تفصح.

بقدر ما تعطى إنسانا معلومات بقدر ما يصل معك إلى ما تريد من تصورات.. لو أعطيته معلومات كافية وصحيحة سينتهى إلى نتائج سليمة.

والشاهد أن غالبية الإعلاميين والصحفيين وكتاب الرأى يتكلمون ويحللون ويستنتجون بما ينتهى إلى طريق مسدود بسبب نقص المعلومات وبسبب الاعتماد على الشائعات.

ومن حق هؤلاء أن يعرفوا ما يؤهلهم للعمل بعيدا عمَّا يتورطون فيه من صراعات وهيافات وإلا كان النظام مقصرا.

وربما تكون البداية الصحيحة فى الحوار الوطنى الذى بدأه الرئيس مع تيارات مختلفة لنعود جميعا إلى الطريق السليم.. بجانب توفير فرص للكشف عما يمكن من معلومات تساهم فى أن يستوعب الإعلاميون ما يهدد بلادهم.

لقد نجونا من سرطان الإخوان فلا يقبل أن نموت بأنفلونزا الطيور.

ملاحظة:
هذا المقال كُتب قبل أن توجه الرئاسة دعوتها لمجموعة من المثقفين للقاء الرئيس السيسى.